-A +A
طارق الحميد
اكتب تزامناً مع نشر الإدارة الأمريكية خطتَها للسلام، ولا يمكن التعليق قبل الاطلاع على فحوى تفاصيلها، وهي 181 صفحة، وإلا وقعنا بنفس خطأ الفلسطينيين الذين رفضوها حتى قبل الاطلاع عليها. لكن، ولأن الشيء بالشيء يذكر، وأيّاً كانت تفاصيل المبادرة، فإن الوقت الآن هو لتذكر قائد فذ، وهو الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، رحمه الله، الذي قدم في 1977 رؤية سياسية حيال الصراع العربي - الإسرائيلي، وكذلك الصراع المصري - الإسرائيلي، رؤية متقدمة على كافة رؤى أطراف الصراع، ومنذ السبعينات، وللآن، وخصوصاً مدعي العروبة، والمقاومة، زوراً.

خذ، مثلاً، لترى عمق رؤية السادات، رحمه الله. في 2018 نشرت صحيفة الأخبار التابعة لحزب الله مقالاً يروي تفاصيل ما دار بين الراحل السادات، وحافظ الأسد، قبل سفر السادات للقدس، وإلقائه خطابه الشهير، وكان السادات وقتها يحث الأسد على المضي في عملية السلام لاستعادة كافة الأراضي، ومثلما استعاد بعدها السادات أراضي بلاده وفق معاهدة السلام في 1979. مقال الأخبار كان يهدف إلى تلميع صورة حافظ، لكنه، أي المقال، بمثابة شهادة لحنكة السادات، و«الفضل ما شهدت به الأعداء».


يورد المقال أن حافظ قال للسادات: «يا أخي، اسمح لي اتكلم معك بصراحة: الناس مو رح يقولوا استسلام وبس.. رح يقولوا خيانة كمان». فرد السادات غاضباً: «مين هم اللي يقدروا يتهموني بالخيانة؟! الأقزام اللي عمرهم ما حاربوا، ولا عرفوا إيه هي كلفة الحرب؟! أنا مسؤول عن شعبي. وشعبي تعب من الحرب». هنا رد الأسد: «الشعوب ما بتتعب من التضحية لمّا تكون في سبيل تحقيق أهدافها». مضيفاً: «ومسؤوليتنا القومية أنو نقود أمتنا لتحقيق أهدافها». فرد السادات علي الأسد، قائلاً، ويا لها من رؤية ثاقبة، وقبل أربعين عاماً: «رجعنا لسيرة القومية، والأممية وخطابات البعثية. أهو الكلام ده هو اللي عطّلنا، وجابنا لـ ورا».

وهذا ما حصل بالفعل، بعد السادات، الذي استعاد أرضه، وأنقذ مصر، وكما لاحظ البعض، حيث غزا صدام الكويت، واحتل حافظ لبنان، مثل ما احتلتها إسرائيل، ثم احتلها حزب الله، ورأينا كيف انقلبت حماس في غزة، وتشرذم الفلسطينيون، وباتت سوريا تحت احتلال إيراني - روسي - تركي. وها هو أردوغان يسعى لاحتلال ليبيا بدعوة من الوفاق الإخوانية، وشيعة العراق يثورون ضد الاحتلال الإيراني، ومثلهم في لبنان! وكل ذلك حدث، زوراً، باسم المسؤولية القومية، والمقاومة، وتأكد، وكما قال السادات: «أهو الكلام ده هو اللي عطّلنا، وجابنا لـ ورا». رحم الله السادات الذي أنقذ بلاده من أن تكون ملعباً، وجعلها لاعبَ استقرارٍ مهماً.