-A +A
محمد مفتي
كان الصوت المزعج المفاجئ لمكابح السيارة المرسيدس التي توقفت على عجل أمام مقر إحدى كتائب الحرس الثوري المسؤولة عن تنفيذ أحكام الإعدام بحق المعارضين كفيلاً بإيقافها لبرهة عن إتمام مهمتها، والتي اختصت هذه المرة بإعدام خمسة مراهقين -منهم «مارينا نعمت» مسيحية الديانة ومؤلفة كتاب سجينة طهران- عقب صدور قرار من الخميني بإعدامهم، وذلك قبل أن يلج الشاب «علي موسوي» من تلك السيارة طالباً تحرير وثاق «نعمت» ذات السبعة عشر ربيعاً بعد تقديمه أمراً موقعاً من الخميني باستبدال الإعدام بالسجن المؤبد، بدأ أفراد كتيبة الإعدام في حل قيودها من بين المراهقين المقيدين بجوار بعضهم البعض، في الوقت الذي لم تتوقف فيه الفتاة التي كانت بجوارها عن البكاء خلال تلاوتها آيات من القرآن الكريم.

فور خروجها من مقر الكتيبة تناهى إلى سمعها أصوات الرصاص وهي تخترق أجساد زملائها، لقد كانت تهمتها هي الانضمام لجماعة مناهضة للثورة، تتساءل الكاتبة مستنكرة: كيف يمكن لمراهقة الانضمام لجماعة مناهضة للنظام؟ وتروي خلال فصول الكتاب مأساتها التي بدأت بمناقشة حادة مع معلمة رياضيات لم تكن تتوقف عن مدح الثورة الإسلامية والتغني بمنجزاتها، والتي حرَّمت كل شيء بدءاً من الموسيقى والأغاني نهايةً بمساحيق التجميل، مروراً بالكتب الغربية والصور، كل شيء كان محرماً في عهد الخميني باعتباره رجساً من عمل الشيطان.


طلبت «نعمت» من المعلمة التوقف عن تملقها للنظام والتركيز على شرح المقرر الدراسي، فقامت المعلمة بطردها من فصلها، مما أدى لتعاطف زميلاتها واعتصامهن تضامناً معها، ولسوء حظهن كانت مديرة المدرسة إحدى المنتميات للحرس الثوري، فقامت بالتبليغ عنهن، وخلال أيام معدودة تم القبض عليهن جميعاً ومحاكمتهن، وقد كان أحد المحققين هو «الموسوي» الذي كان يشرف على التحقيق مع «نعمت» وقد أعجب بها وأغرم بوجهها الطفولي، واعتزم الزواج منها، فسعى إلى تبرئتها خلال التحقيقات، غير أن مساعيه لم تكلل بالنجاح حتى فوجئ بصدور حكم الإعدام ضدها.

لجأ «علي» لوالده وطلب مساعدته حيث كان والده صديقاً للخميني، وقد أسفرت مساعيه عن حصوله على حكم مخفف لمارينا بالسجن المؤبد بدلاً من الإعدام، كما طلب منها إشهار إسلامها ليتمكن من الزواج منها، وبعد إسلامها تزوجها وتمكن من تخفيف الحكم مرة أخرى لبضع سنوات تقضيها في دار زوجها كنوع من الإقامة الجبرية، غير أن زواجه من «مارينا» أسفر عن تغير جذري في فكره تجاه أعمال القتل الوحشية التي يقوم بها النظام ضد الأبرياء، فبدأ يرفض إطاعة الأوامر فصدر أمر من جلاوزة الخميني بتصفيته ليكون عبرة لغيره.

لم يتصور «علي» أن إنقاذه لمارينا سيكلفه حياته، وبعد أن قام النظام بقتله اضطرت «مارينا» للهرب من إيران والاستقرار في كندا للنجاة من موت محقق، وقد أوضحت في ثنايا الكتاب مقدار الفساد والوحشية التي كان يتمتع بهما نظام الخميني، فقد صدر حكم بإعدامها ثم تخفيفه لسجن مؤبد وأخيراً لإقامة جبرية؛ وهو ما يعني أن الأحكام كانت أقرب للهوى، وقد انتشرت في تلك الفترة الوشايات والقهر والتعسف، فكان يكفي أن يصل للخميني أو أتباعه خبر -غير موثق- عن معارضة شخص ما للنظام حتى يصدر حكماً فورياً بإعدامه، والعكس صحيح أيضاً، أي أنه كان يكفي أن تكون مقرباً بعض الشيء من النظام حتى تحصل على عفو استثنائي أو حتى على تبرئة، كان كل شيء طبقاً لهوى الخميني ورهناً لإرادته.

ما أشبه الليلة بالبارحة، فالنظام الذي كان يظلم الأبرياء من أربعين عاماً لا يزال يظلمهم ويعبث بمقدراتهم بنفس الوحشية حتى الآن، والمظاهرات الحاشدة التي اندلعت خلال الأشهر والأيام القليلة الماضية دليل دامغ على نفاد صبر الشعب الإيراني، وها قد بدأ العد التنازلي للنظام الذي اتضحت خلال الأيام الماضية تناقضاته وصراعاته الداخلية، وقد غدا أضعف من أن يبدأ نزاعاً عسكرياً مع الدول العظمى، لأنه يعلم مقدماً أنه بذلك يوقع شهادة وفاته بيده؛ كونه يفتقر لدعم القاعدة الشعبية له، ونأمل ألا يطول الزمن قبل أن يتمكن الشعب من إزاحته بعد أن جثم على صدره لعقود قضتها إيران في صراعات إقليمية وعقوبات اقتصادية، ويتمكن من استعادة استقراره مرة أخرى لتشرق شمسه من جديد.