-A +A
علي بن محمد الرباعي
لم تكن المجتمعات القروية العملانية تتداول مصطلح (عورة)، ومفهوم العورة عندها هي المغلّظة الواردة في شروط صحة الصلاة (ستر العورة) حتى شاءت الظروف الخارجة والداخلة عن وفي إرادتنا وفود المصطلح علينا واستجابتنا له دون تمحيص ولا فلترة، فغدا بعضنا ينعت أمه وأخته وابنته وزوجته بعورة؟

مجتمعات الإنتاج لا تعترف بالتمييز كون المصلحة تُعلي صوت العقل، ومساحة التزمت تضيق عند المسكون بهاجس قوت يومه.


يمكن إطلاق العورة على (الجهل)، خصوصا الجهل المركّب بديننا وبأخلاقه السامية، وعلى العقليات المتخلفة التي التبست عليها الأمور وتلقفت بالقبول خطاباً شفاهياً يحمل بذور تشوهه في داخله.

العورة هي العجز عن تحقيق الذات عبر منجز نضاهي به من تفوقوا علينا بالعلم والتمدن لنثبت لهم أن هذه بضاعتنا العلمية والتقنية التي استلهمناها من ديننا الإسلامي الحضاري.

العورة هو شعور الأنا المتعالية بالتفرّد الوهمي وهي غارقة في سبات الشكليات المفرغة من محتواها والفاقدة لمعناها.

العورة أن نستمد مادة وجودنا وبرامج حياتنا من أثر مشبوه لا ندري من رواه ولا لماذا رواه ولا كيف رواه؟

العورة أن تعجز مناهج ومقررات مدارس وجامعات ودور عبادات ومساجد ومواعظ وخطب عن إزالة الركام التاريخي عن المعدن السوي للإنسان وتستمرئ تغذية أقبح ما فينا بأقبح ما عندها حتى تجسّد الإسلام في ألسنتنا دون أن يتماس مع جذور الإيمان في قلوبنا.

عندما ينجح الإنسان في علاقته بما حوله من بشر وشجر ومدر ووطن وحياة فهو ليس عورة بصرف النظر عن ذكورة وأنوثة.

خطابنا الدّيني قبل الأدلجة والأحزاب ودُعاة الشرّ كان يذكّر فقط لأن الدّين متجسّد في الواقع خصوصاً في السلوك والتعامل بصدق وأمانة، وفق منهج النبي عليه الصلاة والسلام وما كان عليه من حسن خلق علّق كل من عرفه به فدخل الناس في الدين أفواجاً.

يحاول فاقدو الحس النبوي أن يقنعونا بأن الموروث هو الشريعة، وأن أدبيات الجماعة هي دِين الله، ونحن لسنا ضد الموروث لأنه جزء منا، ولكننا ضد الجماعة كوننا مجتمع.