-A +A
طارق الحميد
منذ أن غادرت المدينة المنورة، شاباً يافعاً، حيث ولدت بها بعد انتقال والدي من الغاط إلى طيبة الطيبة، وحديثي المفضل هو عن عولمة مطبخ المدينة الذي عرفنا بثقافات، وهويات، لم نكن نعرفها لشعوب، وحتى مناطق سعودية أخرى.

وقبل شهر تحدثت بمجلس في الرياض عن عولمة مطبخ المدينة المنورة الذي كان بمثابة تعريف سهل بمفاهيم ثقافية تدرس اليوم، ولم أبدع بتلك الجلسة بمقدار إبداع الصديق الإعلامي العربي الأستاذ عماد الدين أديب بالاستماع، حيث لا يجاريه أحد بحب الحديث عن الطعام، والاستماع إلى قصصه.


عندما أصبحت رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط قررت إطلاق ما يزيد على 15 ملحقاً صحافياً متنوعاً، مثل «حصاد الأسبوع»، و«يوميات الشرق»، و«الإعلام»، و«الوتر السادس»، وكان من بينها ملحق «مذاقات» خاص بالطعام. جوبهت وقتها بنقد قاسٍ، فكيف تفرد صفحات للطعام بصحيفة دولية! تحدثت مع الزميل الصديق مشاري الذايدي، الكاتب والصحافي في الشرق الأوسط، عن ضرورة مشاركة الصحافيين المرموقين في ملحق «مذاقات» بتحقيقات صحافية «ثقيلة» تدمج الثقافة بالسياسة، دعماً للملحق. قال لي مشاري: «أنا سأكتب». وكتب تحقيقاً صحافياً جميلاً، بعنوان: «أم علي سيدة الحلويات العربية.. من المماليك إلى الملك»، وذيله بطريقة تحضير حلوى «أم علي». وحفز الآخرين. كما حرصت بالرحلات الملكية، كأحد أعضاء رؤساء التحرير، على تصوير وإرسال قائمة الطعام من على طاولات الرؤساء والملوك للصحيفة لتحويلها إلى قصص. وكل ذلك دعم للفكرة التي تجدها بأكبر صحف العالم.

تذكرت هذه القصة بعد صدور قرار مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، والتي انتصرت للبعد الإنساني في مجتمعنا، حيث رسخت أبعاداً ثقافية نعيشها كل يوم دون أن نقر بأهميتها، أو نحاول تعلمها علمياً وفكرياً، وهي ثقافة الحياة، وذلك بإنشاء الهيئات الثقافية، 11 هيئة: «الأدب والنشر والترجمة، والمتاحف، والتراث، والأفلام، والمكتبات، وفنون العمارة والتصميم، والموسيقى، والمسرح والفنون الأدائية، والفنون البصرية، وفنون الطهي، والأزياء»، وذلك وفق رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030.

هذه الهيئات ستكون بمثابة رافعة للارتقاء بالذائقة العامة، وتكريس لإنسانيتنا التي كنا نعيشها ولا نقر بها، أو نرعاها، بشكل ممنهج، لكن الملك، وهذه عادة الملكيات، انتصر لرعاية الثقافة، والملكيات هي راعية الثقافة، والفنون الإنسانية. واليوم نعيش الثقافة في بلدنا «كنمط حياة»، كما قال وزير الثقافة الأمير بدر الفرحان. والفنون ليست ثقافة وحسب، بل هي هويتنا، ومرآة لإنسانيتنا. وبالتأكيد ستكون هناك تحديات، وأكبر تحدٍّ هو الانطلاق، وها قد انطلقنا.