(عورة)، عنوان في (عكاظ) كتبه الأستاذ علي الرباعي الذي أحرص على قراءة عاموده، وأجد متعة في سرده، أُعيد قراءة مقاله مرّات في محاولة حثيثة لفهم ما يستعصي عليّ فهمه، وأجد لذّة في المحاولة. يقول الرباعي (لم تكن المجتمعات القروية العملانية تتداول مصطلح (عورة) ومفهوم العورة عندها هي المغلظة الواردة في شروط صحة الصلاة (ستر العورة). حتى شاءت الظروف الخارجة والداخلة عن وفي إرادتنا دخول المصطلح علينا واستجابتنا له دون تمحيص ولا فلترة فغدا بعضنا ينعت أمّه وأخته وابنته وزوجته بعورة).
مصطلح (عورة) استخدمه الكثير من الوُعّاظ والدُعاة لثلاثين عاما من سنوات الغفلة في غير محله من على المنابر، وفي المقرّرات المدرسية، وفي (الكاسيت) الذي كان يصك أسماعنا بحشو الكلام والكذب البواح وترسيخ مفاهيم جديدة في دين الله، مؤكدين أن هناك فرقاً – بالنسبة للمرأة – بين عورة النظر وعورة الصلاة. يلقون الكلام على عواهنه دون دليل من كتاب أو سنّة، تناسوا متعمّدين الأدلة حتى يمرّروا لمسألتهم. فالعورة هي العورة، سواء كانت في الصلاة أو خارجها، وسترها أمر غريزي، كما جاء في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ}. (والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح، والعورة سوءة الإنسان، أي قبله ودبره، وكل ما يستحي منه. فمعنى ستر العورة: أي تغطية ما يقبح ظهوره ويستحي منه من ذكر أو أنثى حر أو غيره). إذاً فالتفريق بين عورة المرأة في الصلاة وخارجها لا أصل له في الشرع. وإطلاق لفظ العورة على الوجه فيه معان مستقبحة، لا تستقيم مع العقل ولا النقل، فإن الوجه هو أكرم ما في خِلقة الإنسان، فهل يُوضع هذا الوجه الكريم في وعاء واحد مع القبل والدبر وسائر الأعضاء المستقبح كشفها طبعاً وشرعاً..؟ ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله إن الله خلق آدم على (صورته) وفي رواية على صورة (الرحمن) اختارها وأضافها إلى نفسه تعالى تكريماً وتشريفاً، ثم يأتي كاذباً من يقول إن الوجه عورة. إن كشف الوجه في الصلاة، للرجل والمرأة واجب، وقد أجمع الفقهاء على ذلك، فإذا قلنا إن وجه المرأة عورة – كما يدّعي هؤلاء – فهل يتعبّد الله خلقه بكشف عوراتهم..؟! أم هل تستقبل المرأة ربّها في الصلاة بحجاب على وجهها..؟! إن تغطية جزء من الوجه في لقيا الناس بعضهم ببعض في حياتنا اليومية أمر مستقبح مذموم، فكيف بمن تغطّي كامل وجهها في مواجهتها مع ربّها..؟)، لم نقرأ أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أمر امرأة في السوق أو المسجد أو الشارع بأن تغطّي وجهها، فمن أين جاء هؤلاء بهذا الادعاء الباطل بتغطية وجهها في الصلاة في حضرة رجال أجانب؟. فالأصل في هذه المسألة قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل الله صلاة حائض إلاّ بخمار»، فيبقى قوله عليه الصلاة والسلام على إطلاقه من غير قيد ولا تخصيص إلاّ من الشرع. والخمار بوضع اللغة هو ما يغطى به الرأس وليس الوجه، وهذا موضع البيان، فلو كان غطاء الوجه في الصلاة، لكان هذا موضع بيانه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فعلى المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة، بلا خلاف. وإذا قلنا إن وجه المرأة عورة في الصلاة كما يدّعون، فإننا نصل بهذا إلى منزلق سيّئ، وهو أن الله سبحانه وتعالى يتعبّد خلقه بكشف عوراتهم، فهل يقول بهذا عاقل؟ وهل ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وعلماؤهم على خطأ وجهل وضلال، (ورجال الغفوة) كانوا على الحق والصواب..؟ والترجيح بالكثرة والأغلبية حجّة عقلية، بل هي الأصل حجّية الإجماع، كما أن للعقل دخلا في الأحكام الفقهية، فالناس لم يعرفوا ربّهم إلاّ بالعقل، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، وما عرف الناس صدق الرسالة إلاّ بالعقل، قال تعالى: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}، ولقد مجّد الله العقل في سبعين موضعاً في القرآن، واستحقر الكفار لتركهم العقل، قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا}.
آن الأوان لتطهير مفاهيمنا مما علق بها من أخطاء الماضي الغفوة وتنقية المناهج والفكر من كل ما يسيء إلى هذا الدين، ونحن ولله الحمد إلى خير.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
مصطلح (عورة) استخدمه الكثير من الوُعّاظ والدُعاة لثلاثين عاما من سنوات الغفلة في غير محله من على المنابر، وفي المقرّرات المدرسية، وفي (الكاسيت) الذي كان يصك أسماعنا بحشو الكلام والكذب البواح وترسيخ مفاهيم جديدة في دين الله، مؤكدين أن هناك فرقاً – بالنسبة للمرأة – بين عورة النظر وعورة الصلاة. يلقون الكلام على عواهنه دون دليل من كتاب أو سنّة، تناسوا متعمّدين الأدلة حتى يمرّروا لمسألتهم. فالعورة هي العورة، سواء كانت في الصلاة أو خارجها، وسترها أمر غريزي، كما جاء في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ}. (والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح، والعورة سوءة الإنسان، أي قبله ودبره، وكل ما يستحي منه. فمعنى ستر العورة: أي تغطية ما يقبح ظهوره ويستحي منه من ذكر أو أنثى حر أو غيره). إذاً فالتفريق بين عورة المرأة في الصلاة وخارجها لا أصل له في الشرع. وإطلاق لفظ العورة على الوجه فيه معان مستقبحة، لا تستقيم مع العقل ولا النقل، فإن الوجه هو أكرم ما في خِلقة الإنسان، فهل يُوضع هذا الوجه الكريم في وعاء واحد مع القبل والدبر وسائر الأعضاء المستقبح كشفها طبعاً وشرعاً..؟ ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله إن الله خلق آدم على (صورته) وفي رواية على صورة (الرحمن) اختارها وأضافها إلى نفسه تعالى تكريماً وتشريفاً، ثم يأتي كاذباً من يقول إن الوجه عورة. إن كشف الوجه في الصلاة، للرجل والمرأة واجب، وقد أجمع الفقهاء على ذلك، فإذا قلنا إن وجه المرأة عورة – كما يدّعي هؤلاء – فهل يتعبّد الله خلقه بكشف عوراتهم..؟! أم هل تستقبل المرأة ربّها في الصلاة بحجاب على وجهها..؟! إن تغطية جزء من الوجه في لقيا الناس بعضهم ببعض في حياتنا اليومية أمر مستقبح مذموم، فكيف بمن تغطّي كامل وجهها في مواجهتها مع ربّها..؟)، لم نقرأ أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أمر امرأة في السوق أو المسجد أو الشارع بأن تغطّي وجهها، فمن أين جاء هؤلاء بهذا الادعاء الباطل بتغطية وجهها في الصلاة في حضرة رجال أجانب؟. فالأصل في هذه المسألة قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل الله صلاة حائض إلاّ بخمار»، فيبقى قوله عليه الصلاة والسلام على إطلاقه من غير قيد ولا تخصيص إلاّ من الشرع. والخمار بوضع اللغة هو ما يغطى به الرأس وليس الوجه، وهذا موضع البيان، فلو كان غطاء الوجه في الصلاة، لكان هذا موضع بيانه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فعلى المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة، بلا خلاف. وإذا قلنا إن وجه المرأة عورة في الصلاة كما يدّعون، فإننا نصل بهذا إلى منزلق سيّئ، وهو أن الله سبحانه وتعالى يتعبّد خلقه بكشف عوراتهم، فهل يقول بهذا عاقل؟ وهل ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وعلماؤهم على خطأ وجهل وضلال، (ورجال الغفوة) كانوا على الحق والصواب..؟ والترجيح بالكثرة والأغلبية حجّة عقلية، بل هي الأصل حجّية الإجماع، كما أن للعقل دخلا في الأحكام الفقهية، فالناس لم يعرفوا ربّهم إلاّ بالعقل، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، وما عرف الناس صدق الرسالة إلاّ بالعقل، قال تعالى: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}، ولقد مجّد الله العقل في سبعين موضعاً في القرآن، واستحقر الكفار لتركهم العقل، قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا}.
آن الأوان لتطهير مفاهيمنا مما علق بها من أخطاء الماضي الغفوة وتنقية المناهج والفكر من كل ما يسيء إلى هذا الدين، ونحن ولله الحمد إلى خير.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com