متى يكون تعليم الطفل للغات أجنبية حقاً من حقوق الطفل؟ وهل يعد انتهاكاً لحقوق الطفل تعليمه لغات أجنبية على حساب لغته الأم؟ من الذي يقرر الطالب، أسرته أم المؤسسة التربوية؟ ما العمر المناسب تربوياً لتعليم اللغات الأجنبية؟ كم عدد اللغات التي يستطيع أن يتعلمها الطالب دون أن تؤثر تلك اللغات على لغته الأم بتهمشها أو إلغائها؟
لماذا خصصت منظمة اليونسكو يوماً عالمياً للغة الأم هو الـ 21 من شباط (فبراير) من كل عام؟ هل أصبحت لغة الأم تعيش غربة بين أهلها وفي عقر دارها؟ هل فاقمت وسائل التواصل الاجتماعي الأزمة التي تعانيها اللغة الأم أم أنها تداركت وأنقذت ما يمكن إنقاذه؟
بدأت قصة تعليم اللغات الأجنبية في المملكة منذ زمن بعيد، وليس معروفاً ما إذا كان قرار تعليم اللغات حينئذ قراراً تربوياً أم كان قراراً إدارياً، أم أنه لم يكن قراراً رسمياً، بقدر ما كان اجتهاداً مرتجلاً قام به بعض المدرسين أو تبنته بعض المدارس.
كانت اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية الوحيدتين في بعض مراحل التعليم في المملكة، بجانب اللغة الأم العربية، ما لبثت بعد فترة من الزمن أن توقف تعليم الفرنسية، واستمر تدريس الإنجليزية. من المهم الإشارة إلى أن تعليم اللغات الإجنبية لم يكن مرحباً به في مرحلة من المراحل، لكن ليس من منطلق تربوي، إنما كان منطلقاً دينياً تبنته على ما يبدو نفس المدرسة المتشددة التي تبنت مقاومة تعليم المرأة.
لا تزال قرارات تدريس اللغات الأجنبية وعدم تدريسها في تعليمنا العام في المملكة على ما يبدو قراراً غير تربوي إلى الآن، بدليل ما يشهده التعليم العام من تخبط وعدم اعتماد سياسة تربوية مدروسة وناضجة وثابتة وموحدة في تعليم اللغات الأجنبية سواء في التعليم الحكومي أو التعليم التجاري على حد سواء، بل إن التعليم التجاري يسبح بالتناقضات والاختلافات في تعليم اللغات الأجنبية، ناهيك عن التفاوت في تحديد المرحلة التعليمية المناسبة تربوياً لتعليم اللغات الأجنبية بجانب اللغة الأم سواء في التعليم الحكومي أو التعليم التجاري، فضلاً عن التخبط حول عدد اللغات المفترض أن يتعلمها الطالب دون أن تؤثر تربوياً وثقافياً على لغته الأم.
صحيح أن تعدد اللغات يوسع مدارك الإنسان، ويفتح آفاق المعرفة لصاحبها، لكنه لا يعوض اللغة الأم أبداً كون اللغة الأم هي البنية التحتية لبناء وتأسيس وتنظيم خزان مشاعر الطفل وعواطفه ومنهجيات تفكيره. فلغة الأم هي أقدم وأعمق الجسور والعلاقات التي يقيمها الطفل مع محيطه وفي المقدمة الأب والأم.
فلا تستقيم التنمية في أي مجتمع دون تمكين أصغر قوة في المجتمع وهو الفرد، ولا يكون تمكين الفرد من دون إيجاد دائرة لحقوق الفرد وواجباته في مجتمعه، ومن المعروف أن الحقوق والواجبات تبدأ بحق الهوية الثقافية ونواتها اللغة الأم. فالفرد مجرد رقم حتى يصبح إنساناً ولا يصبح إنساناً حتى يكون قوة دافعة حقيقية في مجتمعه ومحوراً في برامج التنمية. أما العولمة، فرغم بسط نفوذها واتساع رقعتها، فلا أحد يمكنها العوم في أمواجها إلاّ من أوتي هويته بقلب يستقيم مع لغته الأم.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
لماذا خصصت منظمة اليونسكو يوماً عالمياً للغة الأم هو الـ 21 من شباط (فبراير) من كل عام؟ هل أصبحت لغة الأم تعيش غربة بين أهلها وفي عقر دارها؟ هل فاقمت وسائل التواصل الاجتماعي الأزمة التي تعانيها اللغة الأم أم أنها تداركت وأنقذت ما يمكن إنقاذه؟
بدأت قصة تعليم اللغات الأجنبية في المملكة منذ زمن بعيد، وليس معروفاً ما إذا كان قرار تعليم اللغات حينئذ قراراً تربوياً أم كان قراراً إدارياً، أم أنه لم يكن قراراً رسمياً، بقدر ما كان اجتهاداً مرتجلاً قام به بعض المدرسين أو تبنته بعض المدارس.
كانت اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية الوحيدتين في بعض مراحل التعليم في المملكة، بجانب اللغة الأم العربية، ما لبثت بعد فترة من الزمن أن توقف تعليم الفرنسية، واستمر تدريس الإنجليزية. من المهم الإشارة إلى أن تعليم اللغات الإجنبية لم يكن مرحباً به في مرحلة من المراحل، لكن ليس من منطلق تربوي، إنما كان منطلقاً دينياً تبنته على ما يبدو نفس المدرسة المتشددة التي تبنت مقاومة تعليم المرأة.
لا تزال قرارات تدريس اللغات الأجنبية وعدم تدريسها في تعليمنا العام في المملكة على ما يبدو قراراً غير تربوي إلى الآن، بدليل ما يشهده التعليم العام من تخبط وعدم اعتماد سياسة تربوية مدروسة وناضجة وثابتة وموحدة في تعليم اللغات الأجنبية سواء في التعليم الحكومي أو التعليم التجاري على حد سواء، بل إن التعليم التجاري يسبح بالتناقضات والاختلافات في تعليم اللغات الأجنبية، ناهيك عن التفاوت في تحديد المرحلة التعليمية المناسبة تربوياً لتعليم اللغات الأجنبية بجانب اللغة الأم سواء في التعليم الحكومي أو التعليم التجاري، فضلاً عن التخبط حول عدد اللغات المفترض أن يتعلمها الطالب دون أن تؤثر تربوياً وثقافياً على لغته الأم.
صحيح أن تعدد اللغات يوسع مدارك الإنسان، ويفتح آفاق المعرفة لصاحبها، لكنه لا يعوض اللغة الأم أبداً كون اللغة الأم هي البنية التحتية لبناء وتأسيس وتنظيم خزان مشاعر الطفل وعواطفه ومنهجيات تفكيره. فلغة الأم هي أقدم وأعمق الجسور والعلاقات التي يقيمها الطفل مع محيطه وفي المقدمة الأب والأم.
فلا تستقيم التنمية في أي مجتمع دون تمكين أصغر قوة في المجتمع وهو الفرد، ولا يكون تمكين الفرد من دون إيجاد دائرة لحقوق الفرد وواجباته في مجتمعه، ومن المعروف أن الحقوق والواجبات تبدأ بحق الهوية الثقافية ونواتها اللغة الأم. فالفرد مجرد رقم حتى يصبح إنساناً ولا يصبح إنساناً حتى يكون قوة دافعة حقيقية في مجتمعه ومحوراً في برامج التنمية. أما العولمة، فرغم بسط نفوذها واتساع رقعتها، فلا أحد يمكنها العوم في أمواجها إلاّ من أوتي هويته بقلب يستقيم مع لغته الأم.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org