قبل أيام قليلة، أدلى وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله بتصريح إعلامي، عقب استقباله من قبل الرئيس عبدالمجيد تبون. والحقيقة أن هذا التصريح ذكرني بأمير الشعراء أحمد شوقي – رحمه الله – الذي كتب في إحدى قصائده الخالدة: اقرأ التاريخ إذ فيه العبر *** ضاع قوم ليس يدرون الخبر..
لقد أشار الأمير فيصل بن فرحان إلى تاريخ العلاقات السعودية الجزائرية، وهو الجانب الذي ما زال مجهولاً لدى عامة الناس، سواء في الجزائر أو في البلاد العربية، حيث تعود جذور هذه العلاقات إلى خمسينيات القرن الميلادي الماضي.
يحتفظ التاريخ المعاصر في ذاكرته بعديد المواقف المشهورة للمملكة، دعماً للقضية الجزائرية، انطلاقاً من روابط الأخوة والدين والمصير المشترك بين البلدين الشقيقين. ومن هذا المنطلق، فقد كان للمملكة صولات وجولات، على الصعيد الدبلوماسي، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل تدويل هذه القضية العادلة، وإطلاع المجتمع الدولي على ما تعرض له شعب الجزائر من جرائم على يد الاستعمار.
ومن مظاهر حرص المملكة على دعم الثورة الجزائرية ومساندتها، أن جعلت هذه القضية على رأس أولويات سياستها الخارجية، ففي الخامس من يناير 1955م، رفع الأمير فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – عرضاً مفصلاً عن جرائم الاستعمار في الجزائر، وطالب بدراسة القضية على مستوى مجلس الأمن الدولي. وفي 1957م، أعلنت المملكة أن شعار الحج لتلك السنة سيكون «حج الجزائر»، لتعريف العرب والمسلمين، بما يعانيه هذا الشعب الشقيق، تحت نير الاستعمار. وفي نفس السنة، حمَلَ الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – الرايةَ الجزَائريةَ داخلَ مبنَى الأمَم المُتحدة، دعمًا لثورة شعبها الكريم.
تؤكد هذه الوقائع، وغيرها كثير، أن القضية الجزائرية كانت في وجدان المملكة قيادة وشعباً، ولا أدل على ذلك من قول الملك سعود – رحمه الله – مخاطباً وفد الحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1959م: «لستم جزائريين أكثر مني... أنتم تدفعون ضريبة الدم ونحن ندفع ضريبة المال، وليوفقنا الله جميعاً»، وهو ما تجسد على أرض الواقع، حيث قدمت المملكة عام 1961م دعماً مالياً للحكومة المؤقتة بقيمة مليون جنيه إسترليني، كما خصّص الملك سعود دعماً سنوياً لثورة الجزائر عن طريق جامعة الدول العربية، قدره 250 ألف جنيه.
لقد أدركت قيادة المملكة آنذاك أن لغة التنديد والشجب في الجمعية العامة للأمم المتحدة لن تجدي نفعاً، فقرّرت اللجوء إلى أساليب أخرى في دفاعها عن قضية الأشقاء في الجزائر، حيث أعلن الملك سعود – رحمه الله – عام 1961م عن قطع العلاقات مع فرنسا إلى غاية استقلال الجزائر، وعلق على ذلك بقوله للأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد: «إن علاقتنا السياسية مع فرنسا متوقفة إلى غاية حل القضية الجزائرية».
وبفضل الله، كُللّت تضحيات الجزائريين، وجهود المملكة، وغيرها من الأشقاء بالنجاح، ومكّن الله لأبناء الجزائر في أرض آبائهم، واستقلت الجزائر الحبيبة، بعد قرن ونيف من التضحيات الجسام، بأرواحهم الطاهرة، ودمائهم الزكية، راسمين بذلك أروع البطولات، في الدفاع عن الأرض والعرض والشرف.
مرَّت السنوات كلمح البصر، وعرفت المنطقة العربية تحولات جذرية، لكنَّ عُرَى المودَّةِ الخالصة بين بلدينَا لم تتأثر قيد أُنملة. ولقد كانت زيارةُ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للجزائر في الثاني من ديسمبر 2018م تعبيرًا عن الأهميةِ البالغة التي تَحظَى بها الجزائر لدى القيادةِ السعودية، ورغبةً مُتجدِّدَةً منْها في إعادة صياغة العلاقات الثنائية بين البلدين، لمواجهة التحديات التي يفرضها النظام الدولي على منطقتِنا. علاقات تقوم على مبادِئ راسخَة لم نَحِدْ عنْها يومًا، قِوَامُهَا الأخوَّة والاحتِرام وتغليبُ مصلحةِ الأمَّة. وهو الدافعُ لتأسيسِ المجلسِ الأعلَى للتنسيق السعودي الجزائري الذي أوكلت له مهمة تعزِيزِ التَعاون الإستراتيجي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، والثقافية.
وفي هذا السياق، فإن التقارب بين المملكة والجزائر أصبح ضروريا، لاعتبارات إستراتيجية، منها حجم البلدين الشقيقين، وثقلهما ضمن 4 فضاءات جغرافية هي العالم العربي، والعالم الإسلامي، والقارة الآسيوية، والقارة الأفريقية، إلى جانب تعاونهما الوثيق في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهو ما يفتح المجال واسعاً للارتقاء بالعلاقات الثنائية بين بلدينا لمستويات إستراتيجية، خاصة في ظل الإرادة السياسية القوية للقيادتين الرشيدتين في المملكة والجزائر، ومن المنتظر أن تؤدي الزيارة التي يقوم بها الرئيس السيد عبدالمجيد تبون للمملكة إلى تحقيق المزيد من التقارب النوعي بين البلدين في مختلف المجالات، وهو ما أسّس له ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «يحفظه الله»، من خلال العمل على إنشاء مجلس أعلى للتنسيق السعودي الجزائري، تمّت المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء في المملكة قبل أيام قليلة.
إن ما يجمع هذين البلدين الكريمين، وهذين الشعبين الشقيقين، أكبر بكثير مما يفرقهما، خلافاً لما تروجه بعض الأطراف التي لا يهمها إلا المكاسب الظرفية والمصالح الضيقة، على حساب مصالح الأمة وتطلعاتها لحاضر مزدهر ومستقبل مشرق.
إنَّ نظرة مُستنيرة لواقع العَلاقاتِ الدولية وتحليلا موضُوعياً لعقود من العمل العربي المُشترك، تَجعلُنا أكثرَ تَفاؤُلًا بأنَّ المستقبل سيحمِلُ آفاقًا واعدةً للشراكةِ والتَكامُلِ بينَ المملكة العربية السعودية والجزائر، بمَا يعودُ بالخيرِ العَميمِ عليهِمَا وعلى المنطقة بأسرها.
(السفير السعودي في الجزائر عبد العزيز بن إبراهيم العميريني)
لقد أشار الأمير فيصل بن فرحان إلى تاريخ العلاقات السعودية الجزائرية، وهو الجانب الذي ما زال مجهولاً لدى عامة الناس، سواء في الجزائر أو في البلاد العربية، حيث تعود جذور هذه العلاقات إلى خمسينيات القرن الميلادي الماضي.
يحتفظ التاريخ المعاصر في ذاكرته بعديد المواقف المشهورة للمملكة، دعماً للقضية الجزائرية، انطلاقاً من روابط الأخوة والدين والمصير المشترك بين البلدين الشقيقين. ومن هذا المنطلق، فقد كان للمملكة صولات وجولات، على الصعيد الدبلوماسي، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل تدويل هذه القضية العادلة، وإطلاع المجتمع الدولي على ما تعرض له شعب الجزائر من جرائم على يد الاستعمار.
ومن مظاهر حرص المملكة على دعم الثورة الجزائرية ومساندتها، أن جعلت هذه القضية على رأس أولويات سياستها الخارجية، ففي الخامس من يناير 1955م، رفع الأمير فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – عرضاً مفصلاً عن جرائم الاستعمار في الجزائر، وطالب بدراسة القضية على مستوى مجلس الأمن الدولي. وفي 1957م، أعلنت المملكة أن شعار الحج لتلك السنة سيكون «حج الجزائر»، لتعريف العرب والمسلمين، بما يعانيه هذا الشعب الشقيق، تحت نير الاستعمار. وفي نفس السنة، حمَلَ الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – الرايةَ الجزَائريةَ داخلَ مبنَى الأمَم المُتحدة، دعمًا لثورة شعبها الكريم.
تؤكد هذه الوقائع، وغيرها كثير، أن القضية الجزائرية كانت في وجدان المملكة قيادة وشعباً، ولا أدل على ذلك من قول الملك سعود – رحمه الله – مخاطباً وفد الحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1959م: «لستم جزائريين أكثر مني... أنتم تدفعون ضريبة الدم ونحن ندفع ضريبة المال، وليوفقنا الله جميعاً»، وهو ما تجسد على أرض الواقع، حيث قدمت المملكة عام 1961م دعماً مالياً للحكومة المؤقتة بقيمة مليون جنيه إسترليني، كما خصّص الملك سعود دعماً سنوياً لثورة الجزائر عن طريق جامعة الدول العربية، قدره 250 ألف جنيه.
لقد أدركت قيادة المملكة آنذاك أن لغة التنديد والشجب في الجمعية العامة للأمم المتحدة لن تجدي نفعاً، فقرّرت اللجوء إلى أساليب أخرى في دفاعها عن قضية الأشقاء في الجزائر، حيث أعلن الملك سعود – رحمه الله – عام 1961م عن قطع العلاقات مع فرنسا إلى غاية استقلال الجزائر، وعلق على ذلك بقوله للأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد: «إن علاقتنا السياسية مع فرنسا متوقفة إلى غاية حل القضية الجزائرية».
وبفضل الله، كُللّت تضحيات الجزائريين، وجهود المملكة، وغيرها من الأشقاء بالنجاح، ومكّن الله لأبناء الجزائر في أرض آبائهم، واستقلت الجزائر الحبيبة، بعد قرن ونيف من التضحيات الجسام، بأرواحهم الطاهرة، ودمائهم الزكية، راسمين بذلك أروع البطولات، في الدفاع عن الأرض والعرض والشرف.
مرَّت السنوات كلمح البصر، وعرفت المنطقة العربية تحولات جذرية، لكنَّ عُرَى المودَّةِ الخالصة بين بلدينَا لم تتأثر قيد أُنملة. ولقد كانت زيارةُ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للجزائر في الثاني من ديسمبر 2018م تعبيرًا عن الأهميةِ البالغة التي تَحظَى بها الجزائر لدى القيادةِ السعودية، ورغبةً مُتجدِّدَةً منْها في إعادة صياغة العلاقات الثنائية بين البلدين، لمواجهة التحديات التي يفرضها النظام الدولي على منطقتِنا. علاقات تقوم على مبادِئ راسخَة لم نَحِدْ عنْها يومًا، قِوَامُهَا الأخوَّة والاحتِرام وتغليبُ مصلحةِ الأمَّة. وهو الدافعُ لتأسيسِ المجلسِ الأعلَى للتنسيق السعودي الجزائري الذي أوكلت له مهمة تعزِيزِ التَعاون الإستراتيجي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، والثقافية.
وفي هذا السياق، فإن التقارب بين المملكة والجزائر أصبح ضروريا، لاعتبارات إستراتيجية، منها حجم البلدين الشقيقين، وثقلهما ضمن 4 فضاءات جغرافية هي العالم العربي، والعالم الإسلامي، والقارة الآسيوية، والقارة الأفريقية، إلى جانب تعاونهما الوثيق في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهو ما يفتح المجال واسعاً للارتقاء بالعلاقات الثنائية بين بلدينا لمستويات إستراتيجية، خاصة في ظل الإرادة السياسية القوية للقيادتين الرشيدتين في المملكة والجزائر، ومن المنتظر أن تؤدي الزيارة التي يقوم بها الرئيس السيد عبدالمجيد تبون للمملكة إلى تحقيق المزيد من التقارب النوعي بين البلدين في مختلف المجالات، وهو ما أسّس له ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «يحفظه الله»، من خلال العمل على إنشاء مجلس أعلى للتنسيق السعودي الجزائري، تمّت المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء في المملكة قبل أيام قليلة.
إن ما يجمع هذين البلدين الكريمين، وهذين الشعبين الشقيقين، أكبر بكثير مما يفرقهما، خلافاً لما تروجه بعض الأطراف التي لا يهمها إلا المكاسب الظرفية والمصالح الضيقة، على حساب مصالح الأمة وتطلعاتها لحاضر مزدهر ومستقبل مشرق.
إنَّ نظرة مُستنيرة لواقع العَلاقاتِ الدولية وتحليلا موضُوعياً لعقود من العمل العربي المُشترك، تَجعلُنا أكثرَ تَفاؤُلًا بأنَّ المستقبل سيحمِلُ آفاقًا واعدةً للشراكةِ والتَكامُلِ بينَ المملكة العربية السعودية والجزائر، بمَا يعودُ بالخيرِ العَميمِ عليهِمَا وعلى المنطقة بأسرها.
(السفير السعودي في الجزائر عبد العزيز بن إبراهيم العميريني)