قديما كانت الشهرة محصورة في أصحاب الامتياز في الإنجاز، وكانت بذلك الشهرة لهؤلاء وسيلة المجتمع في خلق قدوات لأبنائه يلهمونهم بامتيازهم ليصبحوا أفضل، لكن في زمننا حيث بات يمكن لطفل أو طفلة أن يصبح لهم ملايين المتابعين على مواقع التواصل بسبب بذاءتهم، وبات يمكن صناعة خبر عالمي بمجرد الظهور بصورة +18 أو القيام بأفعال همجية صادمة وغير متحضرة، باتت الشهرة والمشاهير وسيلة إفساد كبرى للمجتمع وجعله يصبح أسوأ، وهذا واضح من ثقافة التنافس والتفاخر بالسلوكيات الهمجية وهي ثقافة انحطاط، لكن المفارقة الكبرى أن سبب شهرة هؤلاء هم من يستنكرون أقوالهم وأفعالهم بنمط من يرفع صورة إباحية للطلاب ويقول هذه هي الصورة السيئة التي أريدكم أن تستنكروها ولا تنظروا إليها وتحذروا منها الآخرين، فيقوم الطلاب بطبع تلك الصورة لكي يقوموا بمثل ما قام به من إطْلاع الناس عليها لتحذيرهم من النظر إليها، وواضح أن هذا السلوك المتناقض يبطل الغاية التي يبتغيها وهي منع تأثر الناس بهذا السوء، حيث إنه بطريقة الاستنكار الخاطئة هذه كان هو من ساهم في نشر هذا السوء، والذي لولا ردة الفعل الخاطئة هذه وحملة استنكاره الواسعة النطاق لما عرف به الناس واشتهر صاحبه وكان بمثابة دعاية له، ولهذا باتت إثارة حملة استنكار واسعة هي طريقة الترويج الدعائي الأساسي التي يعتمد عليها المفلسون فكريا وقيميا، واللوم الأكبر في هذا الواقع السلبي يقع على نمط ردات الأفعال المستنكرة غير الحكيمة، بينما تلتزم ردة الفعل المستنكرة الحكيمة بالحكمة المنسوبة للخليفة عمر بن الخطاب وهي «أميتوا الباطل بالسكوت عنه» ولذا حرم الفقهاء نمط الوعظ بقصص التائبين لأن كثرة ذكر خطاياهم ينشرها، وحاليا من أوجه إماتة الباطل بالسكوت عنه إلغاء متابعة أصحاب الآراء والأفعال المبتذلة على مواقع التواصل، وإيقاف الإعلان عبرهم وإيقاف دعوتهم في المناسبات العامة والإعلام، وعدم تداول استنكار أقوالهم وأفعالهم الصادمة المبتذلة، والاكتفاء بتبليغ السلطات الرقابية بمواقع التواصل عن الإساءات المتضمنة في حسابات هؤلاء، وإن كانت الإساءات ذات طابع شخصي وموجهة إلى شخص محدد، فمن الواجب أن يرفع دعاوى قضائية ضد فرد أو نفر منهم لأنه بالفعل «من أمن العقاب أساء الأدب» لهذا حتى من يريد احتساب الأجر والمثوبة بمقابلة الإساءة بالصبر والحلم والعفو يمكنه فعل هذا في قلبه لكن في نفس الوقت عليه رفع دعوى قضائية ليس فقط لأجله إنما لأجل خلق رادع عام ضد ثقافة التنافس بسوء الأدب.
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com