-A +A
رامي الخليفة العلي
بعد وعيد وتهديد وزمجرة خلف المايكروفونات توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو وتوصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب السورية. وبما أن الرئيس الروسي بوتين يحرص على الرموز فقد جعل الوفد التركي يقف عند أقدام تمثال للإمبراطورة الروسية كاترينا العظيمة أو كاترينا الثانية والتي خاضت ضد الدولة العثمانية حروبا عدة انتصرت فيها. ويبدو أن واقع الاتفاق بين الطرفين لم يكن يختلف عن تلك الصورة الرمزية. ولفهم ذلك دعونا نعود قليلا إلى الوراء. حيث حرص أردوغان منذ منتصف العام 2016 على التراجع عن السياسة التركية السابقة والتفاهم مع الجانب الروسي من أجل الحصول على حصة من الكعكة السورية والحصول على تطمينات في ما يتعلق بالبعبع الكردي. لذلك سارع أردوغان إلى تقديم اعتذاراته عن إسقاط الطائرة الروسية في العام 2015، بل واعتبر ذلك مؤامرة من فتح الله غولن، ثم وافق على التوجهات الروسية في سوريا، على الأقل بالخطوط العريضة. وهكذا دخل أردوغان في السياق الذي أرادته روسيا للحل السياسي والعسكري في سوريا. فشاركت تركيا في منصة إستانة والتي كانت المسمار الأول في نعش المعارضة والثورة السورية، وهنا ضغطت تركيا على المعارضة الموجودة على أراضيها من أجل الانخراط في مفاوضات إستانة بل والموافقة على اتفاقات مناطق خفض التصعيد، والتي كانت بالكامل لصالح النظام السوري، حيث أوقفت كافة الجبهات التي تقاتل النظام وبدأت روسيا بالتعاون مع إيران باختيار المناطق السورية الأكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية وعزلها والقضاء عليها، حدث ذلك بداية بالغوطة ثم منطقة القلمون ثم سهل حوران. وفي كل ذلك أردوغان لم يحرك ساكنا مع أن تركيا يفترض أنها الضامنة. واكتفت تركيا بالسيطرة على مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ومحافظة إدلب، واعتبرت أن ذلك حصتها. المنطق الروسي كان ينص على أن الوجود التركي مؤقت، والهدف النهائي هو سيطرة النظام على كافة المناطق. وبالفعل عندما تفرغ النظام من بقية المناطق اتجه إلى إدلب وهنا راحت تركيا تدافع عن مصالحها وتحاول أن تدافع عن المحافظة. ولكن القوة التركية كانت محدودة وتعبر عن فشل أردوغان، لأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لم يساعدوه سياسيا أو عسكريا، بل تركوه لمصيره بسبب سياساته السابقة. لذلك وقع أردوغان مكرها على اتفاق موسكو بما يمثل استسلاما لبوتين، حيث تنازل عن المناطق التي تقدم فيها النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه، كما استطاعت روسيا انتزاع طريق M4، وبالتالي أردوغان لم يرجع بخفي حنين بل تركهما في موسكو. الأسوأ من ذلك فإن هذا الاتفاق لا يعدو كونه هدنة ولا يلبث أن يندلع الصراع مرة أخرى، لأن الهدف الروسي -كما ذكرنا- استعادة كافة الأراضي السورية تحت سيطرة النظام، ونظام أردوغان ليس لديه المقومات للوقوف أمام هذا الهدف، فضلا عن عدم امتلاك أردوغان للمهارة السياسية وتخبطه وعشوائيته ودخوله في عداء مع معظم الأطراف الإقليمية والدولية.

* باحث سياسي


ramialkhalife@