ما يحدث من انخفاض لأسعار النفط لا يخفى على قريب أو بعيد، فمنذ خمس سنوات والأسعار تنخفض إلى أن وصلت إلى حوالى ثلث ما كانت عليه.
والذي استجد في الأسبوع الماضي كان مقدار هذا الانخفاض، فلم يحدث في تاريخ النفط- لا في السنوات الخمس الماضية ولا قبلها ولا بإذن الله بعدها- أن ينخفض سعر النفط بـ 30% في يوم واحد، فما الذي حدث؟
ببساطة، ومن الآخر كما يقولون، الذي حدث هو أن المملكة العربية السعودية استعرضت عضلاتها، وهذا يبدو أنه فاجأ الجميع، وبالذات فاجأ الدب الروسي الذي كان يعتقد أنه الأقوى، وإذ به يُفاجأ بمن هو أقوى منه، ولذلك نراه الآن يحاول أن يتراجع عن موقفه، ولكن قبل أن نأتي بالخاتمة دعونا نوضح كيف وصلنا لها.
أولاً؛ لا يخفى على أحد أنه منذ تأسيس منظمة أوبك قبل أكثر من ستين عاما وإلى اليوم كانت المملكة العربية السعودية دائما وأبدا تسعى لاستقرار أسواق النفط، وتلعب دور المنتج المرجح، بمعنى أنها هي التي كانت تتحمل أعباء الحفاظ على استقرار هذا السوق.
وهذا دور حيوي وهام للعالم ككل، فالنفط ليس فقط سلعة حيوية وهامة لنا كسعوديين، ولكنها أيضاً سلعة حيوية وهامة لكل العالم والمعتمد اعتماداً جذرياً على طاقة النفط، بالتالي عندما تجتهد المملكة للحفاظ على استقرار أسواق النفط فإنها تلعب دوراً رئيسياً ليس فقط لاقتصادها وإنما لاقتصاد العالم ككل، وكان المفترض أن يلاقي هذا الدور الاحترام والشكر المناسبين.
ثانياً؛ قبلما تبدأ رحلة هبوط الأسعار منذ خمس سنوات، وصل سعر النفط لحوالى 150 دولارا للبرميل، واستفادت المملكة كغيرها من منتجي النفط من جني أموال طائلة، ولكن للأسف هذا لم يكن كله في صالحنا، وذلك لأن السعر المرتفع أدى إلى تطورات عدة على رأسها الاستثمارات الضخمة التي قامت بها صناعات الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية لاستخراج النفط الصخري، وهذا أدى لنمو إنتاج النفط في أمريكا إلى حوالى 15 مليون برميل يوميا، لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم، وكانت هذه كارثة لأسعار النفط، لأن النفط سلعة غير مرنة لا في الطلب ولا في العرض، وبالتالي إضافة ملايين من براميل النفط الأمريكي إلى الأسواق أدت إلى انهيار الأسعار.
وكالعادة بادرت السعودية لإنقاذ الموقف، وبقدر الإمكان الحفاظ على الاستقرار، ولكن لم يكن بوسعها هي وباقي أعضاء أوبك أن يواجهوا ضخامة الإنتاج الأمريكي، ولذلك تواصلت مع جمهورية روسيا الاتحادية، وهي ثاني أكبر منتج للنفط في العالم وتوصلوا لاتفاق تتحمل فيه روسيا جزءاً من العبء وتظل السعودية كما كانت دائماً تتحمل هي الجزء الأكبر، وبالتالي تم الحفاظ على أسعار تتراوح حول الـ 50 دولاراً.
ولكن قبل أسابيع بدأت مشكلة كورونا وأدت إلى ذعر شديد حول العالم، وبغض النظر عما إذا كان هذا الذعر مبرراً أو غير مبرر، فإنه أدى إلى انخفاض النشاط الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب على النفط، وبالتالي لم يكف ما قامت به المملكة وروسيا وغيرها من الدول.
بالتالي اجتمعت المملكة مع حليفها الروسي ليتفقا على احتواء هذا الوضع وتوزيع عبء التضحية بينهما، وإذا بنا نسمع بأن روسيا لن تخفض إنتاجها بل إنها قد تعود لإنتاجها السابق، وذلك لأنها تهدف للحفاظ على مصالحها في أسواق النفط، خصوصاً وأنها شعرت بأن المستفيد من استقرار الأسعار- التي هي ضحت للحفاظ عليها مع المملكة- كان غريمها الأمريكي الذي ينتج نفطاً غالياً ويستفيد من السعر العالي.
وهنا أخطأت روسيا إن اعتقدت أن مملكة اليوم هي مملكة الأمس، وأننا سنعود أدراجنا لنتحمل نحن كل التضحية كما كنا نفعل، وفوجئت كما فوجئ غيرها بصرامة وسرعة وشراسة القرار السعودي، ففور انتهاء اجتماع يوم الجمعة المعروف خرجت المملكة لتقول إنها مثل روسيا ومثل غيرها من الدول سوف تدافع عن مصالحها.
وفور ما سمع العالم أن السعودية سوف تفتح مضخات إنتاجها ولن تلتزم بالتخفيض السابق انهارت أسعار النفط، فقد كان يكفي فقط أن تعلن المملكة هذا الإعلان لكي تزلزل أسواق النفط من جذورها.
والآن كيف يؤثر ما حدث على العالم وعلينا؟
ببساطة العالم ككل وبصفة عامة يستفيد من انخفاض أسعار النفط.
ولكن الذي يهمنا هو الدول المصدرة للنفط، ونحن على رأس هذه الدول، فكيف تتأثر؟
أولاً؛ قد يخيل إلينا أن انخفاض سعر النفط كما حدث بـ 30% في يوم واحد، يعني أن إيراداتنا سوف تنخفض بـ 30% في يوم واحد، أليس هذا صحيحاً؟
لا، هذا صحيح فقط في الدول التي كانت (تدعي) أنها ضحت معنا وخفضت إنتاجها لتساهم في استقرار أسواق النفط، بينما هي فعلاً تنتج أقصى ما يمكنها إنتاجه، فهذه الدول سوف تتضرر مباشرة بنفس الانخفاض في الأسعار.
وأما الدول التي كانت تضحي مثلنا وتنتج بأقل من طاقتها تستطيع أن ترفع إنتاجها، ونحن رفعنا إنتاجنا بملايين البراميل، وهذه المبيعات الإضافية تترجم إلى إيرادات إضافية تغطي جزءاً من انخفاض الأسعار.
ثانياً؛ هذه الزيادة في الإنتاج تعني أننا سوف نستعيد ونتمكن من أسواقنا التقليدية مما يعزز إمكانية السعودية ومكانتها، وهذه أسواق وعملاء تقليديون ومن المهم أن يعتمدوا على نفطنا ولا يتحولوا لغيرنا.
ثالثاً؛ وهو الأهم فإن رفع السعر يعني أن العالم كما ذكرنا سوف يتوسع في استخدام النفط، مما يعني أنه سيستمر في الاعتماد عليه، وهذا في صالحنا على المدى الطويل، فنحن دولة لدينا إمكانية إنتاج نفط بنفس مستوى الإنتاج الحالي لمدة 80 عاماً قادمة بإذن الله، ولسنا دولة ذات احتياطات بسيطة سوف تنضب قريباً، وبالتالي من المهم أن يستمر طلب النفط والاعتماد عليه إلى العقود القادمة.
رابعاً؛ حتى لو انخفض السعر إلى 10 دولارات للبرميل وليس 30 دولاراً كما هو حالياً، فإن نفطنا لا يزال يغطي تكاليف إنتاجه ويربحنا، ولكن لمعظم المنتجين الآخرين هذه الأسعار تعني الإفلاس، وأول المفلسين هم المنتجون الأمريكان ونفطهم الصخري، ولكن أيضا الروس لن يستطيعوا أن يتحملوا مثل هذه الأسعار.
بالتالي، للتوضيح؛ صحيح أننا كمصدرين للنفط سنتضرر من انخفاض أسعاره، ولكن أيضا صحيح أننا كمنتجين لدينا الطاقة على إنتاج أكثر بكثير مما كنا نفعل، فإننا سوف نستفيد من زيادة الإنتاج والمبيعات، وقد تعوض هذه المبيعات جزءاً كبيراً من انخفاض الأسعار، وأيضا سوف نستفيد من الحفاظ على أسواقنا العالمية، وسوف نستفيد في المدى الطويل على استمرار النفط مطلوباً ومرغوباً.
وأخيراً وليس آخر من الواضح أن الكلمة الأخيرة في أسواق النفط هي للمملكة العربية السعودية، وهذا واضح وضوح الشمس، والذي لا يراه يجب عليه أن يستيقظ من أحلامه.
وهذا ما وجب توضيحه.
* كاتب سعودي
mailto:walid@rotana.net
والذي استجد في الأسبوع الماضي كان مقدار هذا الانخفاض، فلم يحدث في تاريخ النفط- لا في السنوات الخمس الماضية ولا قبلها ولا بإذن الله بعدها- أن ينخفض سعر النفط بـ 30% في يوم واحد، فما الذي حدث؟
ببساطة، ومن الآخر كما يقولون، الذي حدث هو أن المملكة العربية السعودية استعرضت عضلاتها، وهذا يبدو أنه فاجأ الجميع، وبالذات فاجأ الدب الروسي الذي كان يعتقد أنه الأقوى، وإذ به يُفاجأ بمن هو أقوى منه، ولذلك نراه الآن يحاول أن يتراجع عن موقفه، ولكن قبل أن نأتي بالخاتمة دعونا نوضح كيف وصلنا لها.
أولاً؛ لا يخفى على أحد أنه منذ تأسيس منظمة أوبك قبل أكثر من ستين عاما وإلى اليوم كانت المملكة العربية السعودية دائما وأبدا تسعى لاستقرار أسواق النفط، وتلعب دور المنتج المرجح، بمعنى أنها هي التي كانت تتحمل أعباء الحفاظ على استقرار هذا السوق.
وهذا دور حيوي وهام للعالم ككل، فالنفط ليس فقط سلعة حيوية وهامة لنا كسعوديين، ولكنها أيضاً سلعة حيوية وهامة لكل العالم والمعتمد اعتماداً جذرياً على طاقة النفط، بالتالي عندما تجتهد المملكة للحفاظ على استقرار أسواق النفط فإنها تلعب دوراً رئيسياً ليس فقط لاقتصادها وإنما لاقتصاد العالم ككل، وكان المفترض أن يلاقي هذا الدور الاحترام والشكر المناسبين.
ثانياً؛ قبلما تبدأ رحلة هبوط الأسعار منذ خمس سنوات، وصل سعر النفط لحوالى 150 دولارا للبرميل، واستفادت المملكة كغيرها من منتجي النفط من جني أموال طائلة، ولكن للأسف هذا لم يكن كله في صالحنا، وذلك لأن السعر المرتفع أدى إلى تطورات عدة على رأسها الاستثمارات الضخمة التي قامت بها صناعات الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية لاستخراج النفط الصخري، وهذا أدى لنمو إنتاج النفط في أمريكا إلى حوالى 15 مليون برميل يوميا، لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم، وكانت هذه كارثة لأسعار النفط، لأن النفط سلعة غير مرنة لا في الطلب ولا في العرض، وبالتالي إضافة ملايين من براميل النفط الأمريكي إلى الأسواق أدت إلى انهيار الأسعار.
وكالعادة بادرت السعودية لإنقاذ الموقف، وبقدر الإمكان الحفاظ على الاستقرار، ولكن لم يكن بوسعها هي وباقي أعضاء أوبك أن يواجهوا ضخامة الإنتاج الأمريكي، ولذلك تواصلت مع جمهورية روسيا الاتحادية، وهي ثاني أكبر منتج للنفط في العالم وتوصلوا لاتفاق تتحمل فيه روسيا جزءاً من العبء وتظل السعودية كما كانت دائماً تتحمل هي الجزء الأكبر، وبالتالي تم الحفاظ على أسعار تتراوح حول الـ 50 دولاراً.
ولكن قبل أسابيع بدأت مشكلة كورونا وأدت إلى ذعر شديد حول العالم، وبغض النظر عما إذا كان هذا الذعر مبرراً أو غير مبرر، فإنه أدى إلى انخفاض النشاط الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب على النفط، وبالتالي لم يكف ما قامت به المملكة وروسيا وغيرها من الدول.
بالتالي اجتمعت المملكة مع حليفها الروسي ليتفقا على احتواء هذا الوضع وتوزيع عبء التضحية بينهما، وإذا بنا نسمع بأن روسيا لن تخفض إنتاجها بل إنها قد تعود لإنتاجها السابق، وذلك لأنها تهدف للحفاظ على مصالحها في أسواق النفط، خصوصاً وأنها شعرت بأن المستفيد من استقرار الأسعار- التي هي ضحت للحفاظ عليها مع المملكة- كان غريمها الأمريكي الذي ينتج نفطاً غالياً ويستفيد من السعر العالي.
وهنا أخطأت روسيا إن اعتقدت أن مملكة اليوم هي مملكة الأمس، وأننا سنعود أدراجنا لنتحمل نحن كل التضحية كما كنا نفعل، وفوجئت كما فوجئ غيرها بصرامة وسرعة وشراسة القرار السعودي، ففور انتهاء اجتماع يوم الجمعة المعروف خرجت المملكة لتقول إنها مثل روسيا ومثل غيرها من الدول سوف تدافع عن مصالحها.
وفور ما سمع العالم أن السعودية سوف تفتح مضخات إنتاجها ولن تلتزم بالتخفيض السابق انهارت أسعار النفط، فقد كان يكفي فقط أن تعلن المملكة هذا الإعلان لكي تزلزل أسواق النفط من جذورها.
والآن كيف يؤثر ما حدث على العالم وعلينا؟
ببساطة العالم ككل وبصفة عامة يستفيد من انخفاض أسعار النفط.
ولكن الذي يهمنا هو الدول المصدرة للنفط، ونحن على رأس هذه الدول، فكيف تتأثر؟
أولاً؛ قد يخيل إلينا أن انخفاض سعر النفط كما حدث بـ 30% في يوم واحد، يعني أن إيراداتنا سوف تنخفض بـ 30% في يوم واحد، أليس هذا صحيحاً؟
لا، هذا صحيح فقط في الدول التي كانت (تدعي) أنها ضحت معنا وخفضت إنتاجها لتساهم في استقرار أسواق النفط، بينما هي فعلاً تنتج أقصى ما يمكنها إنتاجه، فهذه الدول سوف تتضرر مباشرة بنفس الانخفاض في الأسعار.
وأما الدول التي كانت تضحي مثلنا وتنتج بأقل من طاقتها تستطيع أن ترفع إنتاجها، ونحن رفعنا إنتاجنا بملايين البراميل، وهذه المبيعات الإضافية تترجم إلى إيرادات إضافية تغطي جزءاً من انخفاض الأسعار.
ثانياً؛ هذه الزيادة في الإنتاج تعني أننا سوف نستعيد ونتمكن من أسواقنا التقليدية مما يعزز إمكانية السعودية ومكانتها، وهذه أسواق وعملاء تقليديون ومن المهم أن يعتمدوا على نفطنا ولا يتحولوا لغيرنا.
ثالثاً؛ وهو الأهم فإن رفع السعر يعني أن العالم كما ذكرنا سوف يتوسع في استخدام النفط، مما يعني أنه سيستمر في الاعتماد عليه، وهذا في صالحنا على المدى الطويل، فنحن دولة لدينا إمكانية إنتاج نفط بنفس مستوى الإنتاج الحالي لمدة 80 عاماً قادمة بإذن الله، ولسنا دولة ذات احتياطات بسيطة سوف تنضب قريباً، وبالتالي من المهم أن يستمر طلب النفط والاعتماد عليه إلى العقود القادمة.
رابعاً؛ حتى لو انخفض السعر إلى 10 دولارات للبرميل وليس 30 دولاراً كما هو حالياً، فإن نفطنا لا يزال يغطي تكاليف إنتاجه ويربحنا، ولكن لمعظم المنتجين الآخرين هذه الأسعار تعني الإفلاس، وأول المفلسين هم المنتجون الأمريكان ونفطهم الصخري، ولكن أيضا الروس لن يستطيعوا أن يتحملوا مثل هذه الأسعار.
بالتالي، للتوضيح؛ صحيح أننا كمصدرين للنفط سنتضرر من انخفاض أسعاره، ولكن أيضا صحيح أننا كمنتجين لدينا الطاقة على إنتاج أكثر بكثير مما كنا نفعل، فإننا سوف نستفيد من زيادة الإنتاج والمبيعات، وقد تعوض هذه المبيعات جزءاً كبيراً من انخفاض الأسعار، وأيضا سوف نستفيد من الحفاظ على أسواقنا العالمية، وسوف نستفيد في المدى الطويل على استمرار النفط مطلوباً ومرغوباً.
وأخيراً وليس آخر من الواضح أن الكلمة الأخيرة في أسواق النفط هي للمملكة العربية السعودية، وهذا واضح وضوح الشمس، والذي لا يراه يجب عليه أن يستيقظ من أحلامه.
وهذا ما وجب توضيحه.
* كاتب سعودي
mailto:walid@rotana.net