قليل من الحياء يا أنقرة. كنا نشك بأن هناك هوسا لدى حاكم أنقرة اسمه المملكة العربية السعودية، وكنا نعتقد أن شبيه السلطان كلما استيقظ صباحا لم يكن له همّ سوى كيف سيصطنع أزمة مع المملكة، ولكننا اليوم بتنا متأكدين بأنه ودراويشه فرغت جعبتهم إلا من خيالات مريضة تحتاج إلى طبيب نفسي أكثر منها بحاجة إلى تحليل سياسي متماسك. حبذا من يجود علينا بإنجاز واحد حققه هذا الدعي على مدى سنوات خلت سوى مزيد من الأزمات مع الجميع فحول بلده إلى راقصة الحي أو عالمته (وفقا للتعبير الشعبي المصري) التي لا يهنأ لها بال إلا إذا أثارت مشكلة مع هذا وافتعلت خناقة مع ذلك وألقت بسماجتها على أولئك، يتفق الجميع على أنها وقحة الطباع، سليطة اللسان، لذلك يتجنبها الجميع ليس لأنهم يخافونها ولكن لأنها فقدت حياءها ولا يمكن أن تجادلها إلا إذا نزلت إلى مستواها. أزمة في ليبيا وإرسال للمرتزقة وحرب ضروس لا يعلم إلا الله متى تستطيع تركيا أن تخرج منها، هذا إذا خرجت. أزمة مع اليونان والدول الأوروبية مرة من أجل الغاز ومرة من أجل اللاجئين ومرة لأن أردوغان لم يتناول إفطاره هذا الصباح. أزمة مع موسكو وموقف أردوغان يشبه إلى حد كبير الإفيه الشهير للكوميديان الراحل عبدالفتاح القصري (أنا كلمتي عمرها ما تنزل الأرض أبدا..... خلاص حتنزل المرة دي بس اعملي حسابك المرة الجاية لا يمكن تنزل أبدا)، في كل مرة يصطنع أردوغان أزمة أو يدخل مدخلا لا قبل له به فيتراجع صاغرا أمام بوتين. فشل في سوريا وفشل في العراق وفشل في العلاقة مع واشنطن وفشل في التعامل مع حلف الأطلسي وفشل في الخروج من الأزمة الاقتصادية وفشل في إدارة شؤون حزبه. في آخر فصول هذه المسرحية الأردوغانية والمعادة للمرة الألف التي أصبحت مملة خرج علينا أحد دراويش أو بهاليل السلطان لكي يتهم المملكة العربية السعودية بأنها نشرت فيروس كورونا في تركيا، وهذا عقب أيام قليلة من قرار مدعي أردوغان بتوجيه الاتهام لمواطنين سعوديين في قضية جمال خاشقجي، وعندما وجد حاكم أنقرة بأن أحدا لم يلتفت إلى مدعيه وادعاءاته، هدته بنات أفكاره المريضة إلى هذا الاتهام الخزعبلي، مع أن المملكة قامت بحجر صحي لكل المعتمرين الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس اللعين وأعلنت عن ذلك في وقتها، بل ومنعتهم من السفر إلى بلادهم لكي لا ينتشر المرض، وبدل أن تقدم تركيا الشكر لهذه اللفتة الإنسانية كانت النتيجة غيابا للمروءة واستمرارا في الوقاحة. يمكن أن تتوقع أي شيء من حكومة فقدت كل قدرة على التحليل السليم للأفعال والأقوال وأصبحت تقتات على الأزمات، ولكن أردوغان يمكن أن يخدع بعض الشعب التركي لبعض الوقت ولكنه لن يخدع الشعب كله طوال الوقت. نعتقد أن حاكم أنقرة فقد الحياء ولم يعد يهمه إذا ما كانت ادعاءاته قابلة للتصديق أم لا.
* باحث سياسي
ramialkhalife@
* باحث سياسي
ramialkhalife@