خاضت السعودية في تاريخها الحديث عدداً كبيراً من التحديات، إلا أن بعضها كانت أقرب ما تكون إلى حروب ومواجهات كبرى زادتها صلابة خرجت الرياض منها كأنها طائر عنقاء، كلما تمنى أعداؤها تواريها واختفاءها تحت رماد الأزمات، إذ بها تعود من جديد محلقة في سماء من صنع يديها وفضاء أوسع من ذي قبل.
وبلا شك أن أكبر التحديات كان إعادة توحيد البلاد، فقد انفرط عقد الدولة السعودية الثانية وعادت البلاد إلى التفكك والتناحر بعد دولتين وحدتا الأمة السعودية، كان التحدي كبيراً والصعاب أكثر، لكن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- استطاع لمّ الشمل وتوحيد الكيان.
ومع أن التوحيد كان تحدياً كبيراً إلا أن السعودية وتحت قيادة ملوكها خاضت معارك أخرى بوحدة وطنية وصلابة وشجاعة أثارت غيرة وحنق الكارهين.
أولاً: معركة السبلة التي حدثت عام 1929 مـا بين قوات الملك عبدالعزيز وبعض المتمردين الذين خرجوا عن الأوامر وقاموا بمهاجمة الحدود العراقية والكويتية، الهجوم غير المسؤول كان بعيداً عن توجهات القيادة المركزية في الرياض، تلك المعركة كانت حاسمة في رسم المسار المدني والتحديثي للدولة الناشئة والمستمر لليوم.
ثاني معاركها التي تصدت لها ونجحت فيها بامتياز، كانت مع القومية الناصرية التي تبنت الخصومة مع الدول الملكية، بل ووضعت الرياض عدواً لها دون مبرر، ولترسيخ مشروعها في المنطقة دعمت -القومية الناصرية- الانقلابات وألبت الشارع، الرياض لم تكتف بهزيمتهم، بل وساعدت الممالك الأخرى في تصديها للتدخل السافر في شؤونها.
المعركة الثالثة جاءت ضد محاولات التمدد الشيوعي والماركسي في الجزيرة العربية، فقد وجدت الرياض نفسها وجهاً لوجه مع الدب الروسي، وأمام تحد كبير بتسلل الشيوعية إلى خواصرها الجنوبية في ظفار العمانية واليمن الجنوبي، كانت السلطنة العمانية تخوض معارك طاحنة ضد المتمردين اليساريين الذين أعلنوا ثورتهم عام 1965 والمتمركزين على حدود السعودية، في الوقت الذي كان اليمن الجنوبي يخضع للماركسيين الذين استخدمتهم موسكو جسراً للاقتراب من البحار الدافئة، لقد أدارت السعودية المعركة بحكمة ودهاء سياسي وعسكري أخرج الماركسية تماماً من حدودها.
رابعاً: لم تكد السعودية تخرج من مواجهتها مع الماركسية في جزيرتها العربية حتى وجدت نفسها 1978مع عدو جديد تمثل فيما يسمى بالثورة الخمينية التي تبنت تصدير الثورة والتمدد العسكري شرقاً عبر الحرب مع العراق، في هذه المعركة واجهت الرياض تحدياً أمنياً اقتصادياً صعباً إلا أنها انتصرت بفضل صبرها ونفسها الطويل.
خامساً: جاء عام 90 حاملاً معه انهيار المعسكر الشرقي، وآخر معاقل الدول القومية وكانت هنا العراق التي اغتالت نفسها بنفسها عندما أقدمت على احتلال الكويت، حينها وجدت الرياض أنها أمام خيار لا ثاني له «إما أن تكون أو لا تكون»، فبقاء الاحتلال واستيلاؤه عنوة على مقدرات وأراضي دولة أخرى يعني تمدده وتغوله في المنطقة كلها، لتقود الرياض تحالفاً دولياً خرجت به منتصرة.
سادساً: بعد عشر سنوات تقريباً وفي عام 2001 حاولت كل من القاعدة الذراع العسكرية للإخوان المسلمين وقطر الإيقاع بالسعودية وتوريطها في صدام عسكري مع أمريكا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد كان المخطط كبيراً ومحكماً، لكنّ السعوديين وكعادتهم استوعبوا الصدمة وأداروا معركتهم وتحولوا في نهايتها إلى فائزين.
سابعاً: لم يمض سوى سنتين وتحديداً 2003 حتى عاد المهزومون في«11 سبتمبر» إلى الحرب مع المملكة ولكن هذه المرة من داخلها حين بدأت القاعدة بدعم وتمويل قطري القيام بأعمال إرهابية في المدن السعودية، سنتان من الحرب استطاعت الرياض القضاء على القاعدة تماماً.
ثامناً: بعد أقل من عقد وتحديداً 2010 وجد السعوديون أنفسهم أمام طوفان ما يسمى بالربيع العربي، حرب من نوع جديد أسلحتها الهاتف المحمول وحسابات على الإنترنت، هدت دولاً عربية عدة وحولتها إلى بقايا أوطان في سوريا والعراق واليمن وليبيا، السؤال المدهش كيف استطاعت الرياض بدهائها وعبقريتها السياسية حرف تلك الموجات العالية عنها، وفي الوقت نفسه الدفاع عن فضائها العربي من الانهيار بدءاً بالبحرين شرقاً مروراً بمصر والسودان وانتهاء بالمغرب.
تاسع التحديات السعودية كانت إخراج الفرس من اليمن التي حاولوا التسلل إليها في غفلة الخريف العربي، وكما هو العهد بالسعوديين، جاؤوا في الوقت المناسب لإنقاذ الجزيرة العربية وطرد الإيرانيين ليس من اليمن فقط بل ومن حوض البحر الأحمر وإعادته إلى بحيرة عربية خالصة.
عاشراً: المعركة السعودية الأخيرة مع جائحة كورونا وهي وإن كانت معركة كونية إلا أن السعودية الرشيقة والجسورة استطاعت الوقوف بكل قوة واتخاذ قرارات شجاعة مكنتها من تأخير اجتياح الفايروس لمنظومتها الصحية والأمنية والاجتماعية، وعلى الرغم من أن الطريق طويل إلا أن معالم فوز السعوديين واضحة وإن كان في بدايته.
* كاتب سعودي
massaaed@
وبلا شك أن أكبر التحديات كان إعادة توحيد البلاد، فقد انفرط عقد الدولة السعودية الثانية وعادت البلاد إلى التفكك والتناحر بعد دولتين وحدتا الأمة السعودية، كان التحدي كبيراً والصعاب أكثر، لكن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- استطاع لمّ الشمل وتوحيد الكيان.
ومع أن التوحيد كان تحدياً كبيراً إلا أن السعودية وتحت قيادة ملوكها خاضت معارك أخرى بوحدة وطنية وصلابة وشجاعة أثارت غيرة وحنق الكارهين.
أولاً: معركة السبلة التي حدثت عام 1929 مـا بين قوات الملك عبدالعزيز وبعض المتمردين الذين خرجوا عن الأوامر وقاموا بمهاجمة الحدود العراقية والكويتية، الهجوم غير المسؤول كان بعيداً عن توجهات القيادة المركزية في الرياض، تلك المعركة كانت حاسمة في رسم المسار المدني والتحديثي للدولة الناشئة والمستمر لليوم.
ثاني معاركها التي تصدت لها ونجحت فيها بامتياز، كانت مع القومية الناصرية التي تبنت الخصومة مع الدول الملكية، بل ووضعت الرياض عدواً لها دون مبرر، ولترسيخ مشروعها في المنطقة دعمت -القومية الناصرية- الانقلابات وألبت الشارع، الرياض لم تكتف بهزيمتهم، بل وساعدت الممالك الأخرى في تصديها للتدخل السافر في شؤونها.
المعركة الثالثة جاءت ضد محاولات التمدد الشيوعي والماركسي في الجزيرة العربية، فقد وجدت الرياض نفسها وجهاً لوجه مع الدب الروسي، وأمام تحد كبير بتسلل الشيوعية إلى خواصرها الجنوبية في ظفار العمانية واليمن الجنوبي، كانت السلطنة العمانية تخوض معارك طاحنة ضد المتمردين اليساريين الذين أعلنوا ثورتهم عام 1965 والمتمركزين على حدود السعودية، في الوقت الذي كان اليمن الجنوبي يخضع للماركسيين الذين استخدمتهم موسكو جسراً للاقتراب من البحار الدافئة، لقد أدارت السعودية المعركة بحكمة ودهاء سياسي وعسكري أخرج الماركسية تماماً من حدودها.
رابعاً: لم تكد السعودية تخرج من مواجهتها مع الماركسية في جزيرتها العربية حتى وجدت نفسها 1978مع عدو جديد تمثل فيما يسمى بالثورة الخمينية التي تبنت تصدير الثورة والتمدد العسكري شرقاً عبر الحرب مع العراق، في هذه المعركة واجهت الرياض تحدياً أمنياً اقتصادياً صعباً إلا أنها انتصرت بفضل صبرها ونفسها الطويل.
خامساً: جاء عام 90 حاملاً معه انهيار المعسكر الشرقي، وآخر معاقل الدول القومية وكانت هنا العراق التي اغتالت نفسها بنفسها عندما أقدمت على احتلال الكويت، حينها وجدت الرياض أنها أمام خيار لا ثاني له «إما أن تكون أو لا تكون»، فبقاء الاحتلال واستيلاؤه عنوة على مقدرات وأراضي دولة أخرى يعني تمدده وتغوله في المنطقة كلها، لتقود الرياض تحالفاً دولياً خرجت به منتصرة.
سادساً: بعد عشر سنوات تقريباً وفي عام 2001 حاولت كل من القاعدة الذراع العسكرية للإخوان المسلمين وقطر الإيقاع بالسعودية وتوريطها في صدام عسكري مع أمريكا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد كان المخطط كبيراً ومحكماً، لكنّ السعوديين وكعادتهم استوعبوا الصدمة وأداروا معركتهم وتحولوا في نهايتها إلى فائزين.
سابعاً: لم يمض سوى سنتين وتحديداً 2003 حتى عاد المهزومون في«11 سبتمبر» إلى الحرب مع المملكة ولكن هذه المرة من داخلها حين بدأت القاعدة بدعم وتمويل قطري القيام بأعمال إرهابية في المدن السعودية، سنتان من الحرب استطاعت الرياض القضاء على القاعدة تماماً.
ثامناً: بعد أقل من عقد وتحديداً 2010 وجد السعوديون أنفسهم أمام طوفان ما يسمى بالربيع العربي، حرب من نوع جديد أسلحتها الهاتف المحمول وحسابات على الإنترنت، هدت دولاً عربية عدة وحولتها إلى بقايا أوطان في سوريا والعراق واليمن وليبيا، السؤال المدهش كيف استطاعت الرياض بدهائها وعبقريتها السياسية حرف تلك الموجات العالية عنها، وفي الوقت نفسه الدفاع عن فضائها العربي من الانهيار بدءاً بالبحرين شرقاً مروراً بمصر والسودان وانتهاء بالمغرب.
تاسع التحديات السعودية كانت إخراج الفرس من اليمن التي حاولوا التسلل إليها في غفلة الخريف العربي، وكما هو العهد بالسعوديين، جاؤوا في الوقت المناسب لإنقاذ الجزيرة العربية وطرد الإيرانيين ليس من اليمن فقط بل ومن حوض البحر الأحمر وإعادته إلى بحيرة عربية خالصة.
عاشراً: المعركة السعودية الأخيرة مع جائحة كورونا وهي وإن كانت معركة كونية إلا أن السعودية الرشيقة والجسورة استطاعت الوقوف بكل قوة واتخاذ قرارات شجاعة مكنتها من تأخير اجتياح الفايروس لمنظومتها الصحية والأمنية والاجتماعية، وعلى الرغم من أن الطريق طويل إلا أن معالم فوز السعوديين واضحة وإن كان في بدايته.
* كاتب سعودي
massaaed@