-A +A
أسامة يماني
صديقي الكاتب العكاظي الدكتور فؤاد عزب أرسل لي مقالاً للكاتب الأمريكي توماس فريدمان نشرته صحيفة النيويورك تايمز، بغرض أن يكون موضوعاً للحوار الذي نحرص عليه بين الفينة والفينة لتبادل الآراء.

المقال يُحذر فيه فريدمان من التفكير الجماعي الذي هو رد فعل طبيعي ولكنه خطير عند الاستجابة لأزمة وطنية وعالمية. ويذهب إلى ضرورة اتخاذ قرارات شجاعة من قبل القادة حتى لا تتم التضحية بالاقتصاد.


واستدل برأي الدكتور جون ب. لونانديس، عالم الأوبئة القائل: «إذا كان هذا هو المعدل الحقيقي، فإن إغلاق العالم مع عواقب اجتماعية ومالية هائلة قد يكون غير منطقي تماماً. فالأمر يشبه تعرض فيل لهجوم من قط منزلي. هذا الفيل محبط ويحاول التهرب من القطة، فيقفز من أعلى جرفٍ ويموت».

وبناء على آراء المختصين الذين أشار إليهم فريدمان، وإلى ما جاء في مقال اثار انتباهه بصحيفة «نيويورك تايمز» يوم الجمعة، جادل فيه الكاتب بأن «لدينا ثلاثة أهداف في الوقت الحالي، هي: إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، والتأكد من أن نظامنا الطبي لا يغرق في عدد مهول من المصابين بالفايروس، ولكن أيضاً التأكد من أننا في عملية تحقيق الهدفين، لا ندمر اقتصادنا، والذي- إن حدث- سيؤدي الى فقدان المزيد من الأرواح».

وعليه يذهب فريدمان إلى أن المنع الأفقي الذي يشمل فئات المجتمع كلها، يضر بالاقتصاد، وأن عليهم في أمريكا اعتماد المنع الرأسي، وهو يعني أن الحظر والمنع يكون على الفئة الأكثر استهدافاً وهم كبار السن ومن يعانون أمراضا مزمنة وخطيرة، وبذلك لا يتضرر الاقتصاد.

وختم فريدمان مقاله بالقول: «لقد فوتنا فرصة احتواء الفايروس على مستوى السكان، لذا نحتاج الآن إلى أن نكون انتهازيين استراتيجيين: دع أولئك الذين سيصابون حتماً بالفايروس، ومن المرجح جداً أن يتعافوا بهدوء، ويعودوا إلى العمل والحياة الطبيعية نسبيا. وفي الوقت نفسه، أمّنوا الحماية للفئات الأكثر ضعفاً».

هذا المقال وما على شاكلته من آراء للعديد من الخبراء الذين تحركهم الرأسمالية البشعة، التي لا تُقيم وزناً للأخلاق والإنسانية والصحة وحقوق الإنسان، تُريد تحريك الاقتصاد ودرء الركود بأي ثمن كان حتى لو على حساب حياة بعض البشر. وحتى لو تسبب المنع الرأسي في حجر الفئات الأكبر سناً، فقط لأنهم الأكثر عرضة لخطر محتمل.

كل عاقل يعرف مدى خطورة الركود وأضراره على البلاد والعباد، ولكن الحل يجب أن يتحلى بالأخلاق والإبداع وتقليل الأضرار على أضعف حلقات السلسلة، وعدم التضحية بالضعيف وبمقدراته.

لهذا نجد أن الرأسمالية التي تمكنت من تجديد نفسها الآن في أزمة عميقة بالرغم من اتكائها على الثورة العلمية والتقنية، وهي التي كانت بصورتها البشعة وراء كل داء للبشرية؛ فتجارة العبودية صنعتها الرأسمالية في أبشع صورها. والاستعمار هو نتاج من الرأسمالية البشعة.

لقد آن الأوان لمراجعة الطغيان المُتجسد في تصور الليبرالية بشقها الاقتصادي المتجسد في الرأسمالية، وبشقها السياسي المتمثل في الديموقراطية.

* كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com