-A +A
إدريس الدريس
كلما امتد بك العمر في هذه الحياة كلما زاد حجم معارفك من الناس الذين تلتقيهم في بيتك ومدرستك وعملك ومجتمعك وفي داخل البلاد وخارجها، ثم إنك تصطفي خلال سني عمرك من هذا الحشد البشري عددا من الذين يدخلون دائرة اهتمامك ومحبتك، ثم وفي غمرة تنوع وتعدد علاقاتك سيمضي العمر سريعاً لتبدأ أوراق الشجرة في الذبول والتساقط، وقد تفاجأ بسقوط أوراق خضراء لم يطلها ذبول العمر.

ومع زيادة توالي حالات الوفاة لكثرة من تعرف ولتقدم عمرك، فإن الموت عندك يدخل في طور التسليم والاعتياد. وفي بداية تساقط أوراق الذين تعرف بداء الموت سيصيبك الجزع والاستنكار، إما بسبب أنه خطف مبكراً من لازال شاباً، أو لأنه جاء على حين غرة ولم يوطن نفسك بمرض هذا الراحل، لكن مع توالي هذا الواقع المؤلم فإن نفسك تأخذ في التوافق على هذه الحقيقة اليقينية وتبدأ في تقبل المصيبة، لأنها حتم بلا اختيار، لكن قلبك يستثني من مجموع الذين تعرفهم قلة ممن ستحزن عليهم كيفما كان موتهم وكيفما بلغت أنت من سن الرشد أو ما بعده، لأن فقد هؤلاء يطبع نكتة الحزن في قلبك ويمعن في إعادة نشر كل «ألبوم» حياتك وذكرياتك المرئية والمسموعة وكل المواقف السعيدة التي جمعتك بهذا الفقيد ليجعلك تحزن أكثر وأكبر، وهذا ما جرى معي يوم الثلاثاء الماضي حين فجعت بوفاة الأخ الغالي قريبي وصديقي ابن الخال عبدالعزيز بن أحمد الدريس، الذي أكرمنا ربي بوجوده معنا خلال 63 عاماً نمت فيها علاقتنا منذ خمسين عاماً وتجذرت وداً وحباً كان خلالها الواصل والأكرم والأنقى.


يعطي ولا ينتظر مثلاً بمثل، وتعطيه فيرد بأكثر وأكمل، تبتعد ويقترب، وتغضب فيراضيك وتغضبه فيتجاوز، وتنشغل فيَذْكركْ ويُذَكِرُّكْ، لا يأكل اللحوم الميتة ولا يتجنى ولا يبهت.

ورع في غير تشدد ومرن في غير انفلات، كد واستغنى وجمع فأعطى. لقد فجعني غيابه وصبرني الإيمان بقضاء الله والاحتساب. غفر له ربي وأسكنه فسيح جناته.

* كاتب سعودي

IdreesAldrees@