في التاسع عشر من نوفمبر 1977 صعد الرئيس المصري محمد أنور السادات الطائرة الرئاسية المصرية باتجاه تل أبيب، كانت خطوة منتظرة وفي نفس الوقت مستبعدة لحساسية العلاقات العربية الإسرائيلية في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
لم تكد تنقضي أربع سنوات على حرب ستة أكتوبر التي كانت انتصارا مصريا «منضبطا».. هدف لإبلاغ الإسرائيليين وحلفائهم الغربيين رسالة واضحة تؤكد أن المصريين قادرون على خوض معارك لا تنتهي في سبيل تحرير أرضهم المحتلة، وبالتأكيد سيخسر فيها الطرفان لكن إسرائيل ستكون المتضرر الأكبر، ولذلك فمن الأفضل التفاوض على عودة الأراضي مقابل السلام.
كانت حرب ضرورة قصد منها جر متطرفي تل أبيب إلى مائدة المفاوضات جراً، ومع ذلك لم يأتوا إلا بكسر قالب الثلج، وهو ما فعله السادات، الذي بلع السكين وذهب إلى إسرائيل لوحده في مغامرة دفع ثمنها حياته في ما بعد، خرج من القاهرة وحيدا وعاد وحيدا ليس معه أحد من فضائه العربي الذي عاش لحظات ذهول وهو يرى عمقه العسكري المصري يتنحى جانبا عن معركة الوجود ويذهب إلى عقر دار «العدو».
خطوة كانت الأصعب والأخطر منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي، وهي لا تقل خطورة عن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السرية التي أقامها ياسرعرفات مع تل أبيب بعد خمسة عشر عاما في أوسلو تحت شعار «أريحا أولا»، وهناك أيضا ذهب عرفات لوحده دون أن ينتظر أحدا، لكن الفلسطينيين يبيحون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم.
وصلت طائرة السادات في الساعة الثامنة مساء بتوقيت تل أبيب، كان الظلام قد بدأ بالتسرب إلى سماء المدينة، ومئات الآلاف من الإسرائيليين إما متحلقين أمام التلفزيونات أو في الشوارع منتظرين مرور موكب الرئيس السادات، أما العالم العربي فقد أصيب بحالة صدمة وذهول وصمت من البحرين إلى المغرب العربي، بعض التلفزيونات العربية نقلت في بث مباشر وصول السادات والبعض تغاضى عنه، لكن الحدث كان أكبر من أن يوضع في الأخبار الخلفية للنشرات العربية.
لم تستغرق الرحلة من مطار ألماظة العسكري أكثر من نصف ساعة عبرت فيها لأول مرة طائرة عربية الأجواء الإسرائيلية.
لقد كانت الزيارة في حد ذاتها عملا دراميا من نوع فريد ونادر استطاع من خلاله السادات إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل أعادت إليه شبه جزيرة سيناء التي مثلت 91% من مجمل ما احتلته إسرائيل في حرب 1967.
ليس هناك الكثير من التفاصيل الدقيقة عن الأحداث أو الوساطات التي عجلت بالرحلة، إلا أن تسلسل الأحداث كان التالي:
في 9 نوفمبر 1977 أعلن الرئيس محمد أنور السادات في خطاب متلفز أمام مجلس الشعب المصري رغبته في زيارة إسرائيل العدو اللدود للمصريين، قائلاً: «ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم»، لم يعر أحد تلك الرغبة اهتماما، وعدت إحدى مناورات السادات السياسية التي اشتهر بها.
الإسرائيليون لم يتركوها لتمضي، فقد وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن يوم 16 نوفمبر دعوة رسمية للسادات لزيارة إسرائيل.
في اليوم التالي رد السادات على الدعوة وحدد يوم 19 نوفمبر موعدا للزيارة، وإلى يوم الزيارة لم يكن أحد مصدقا أنه سيقوم بها.
أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن مرسوما بأن يستقبل الرئيس أنور السادات كرئيس دولة حليفة ومقربة.
غداة وصوله ألقى السادات كلمته الشهيرة في مقر الكنيست الإسرائيلي في القدس الغربية، معربا عن أمله في تحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي وهو ما حصل لكامل سيناء بعد مقتله بعام واحد على أيدي متطرفين إسلامويين، لقد أثبت السادات أنه لم يكن رقما سهلا في سلسلة القيادة المصرية وأكد للعالم أجمع أن مصلحة الأوطان تحتاج إلى مخاطرات كبرى.
* كاتب سعودي
massaaed@
لم تكد تنقضي أربع سنوات على حرب ستة أكتوبر التي كانت انتصارا مصريا «منضبطا».. هدف لإبلاغ الإسرائيليين وحلفائهم الغربيين رسالة واضحة تؤكد أن المصريين قادرون على خوض معارك لا تنتهي في سبيل تحرير أرضهم المحتلة، وبالتأكيد سيخسر فيها الطرفان لكن إسرائيل ستكون المتضرر الأكبر، ولذلك فمن الأفضل التفاوض على عودة الأراضي مقابل السلام.
كانت حرب ضرورة قصد منها جر متطرفي تل أبيب إلى مائدة المفاوضات جراً، ومع ذلك لم يأتوا إلا بكسر قالب الثلج، وهو ما فعله السادات، الذي بلع السكين وذهب إلى إسرائيل لوحده في مغامرة دفع ثمنها حياته في ما بعد، خرج من القاهرة وحيدا وعاد وحيدا ليس معه أحد من فضائه العربي الذي عاش لحظات ذهول وهو يرى عمقه العسكري المصري يتنحى جانبا عن معركة الوجود ويذهب إلى عقر دار «العدو».
خطوة كانت الأصعب والأخطر منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي، وهي لا تقل خطورة عن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السرية التي أقامها ياسرعرفات مع تل أبيب بعد خمسة عشر عاما في أوسلو تحت شعار «أريحا أولا»، وهناك أيضا ذهب عرفات لوحده دون أن ينتظر أحدا، لكن الفلسطينيين يبيحون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم.
وصلت طائرة السادات في الساعة الثامنة مساء بتوقيت تل أبيب، كان الظلام قد بدأ بالتسرب إلى سماء المدينة، ومئات الآلاف من الإسرائيليين إما متحلقين أمام التلفزيونات أو في الشوارع منتظرين مرور موكب الرئيس السادات، أما العالم العربي فقد أصيب بحالة صدمة وذهول وصمت من البحرين إلى المغرب العربي، بعض التلفزيونات العربية نقلت في بث مباشر وصول السادات والبعض تغاضى عنه، لكن الحدث كان أكبر من أن يوضع في الأخبار الخلفية للنشرات العربية.
لم تستغرق الرحلة من مطار ألماظة العسكري أكثر من نصف ساعة عبرت فيها لأول مرة طائرة عربية الأجواء الإسرائيلية.
لقد كانت الزيارة في حد ذاتها عملا دراميا من نوع فريد ونادر استطاع من خلاله السادات إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل أعادت إليه شبه جزيرة سيناء التي مثلت 91% من مجمل ما احتلته إسرائيل في حرب 1967.
ليس هناك الكثير من التفاصيل الدقيقة عن الأحداث أو الوساطات التي عجلت بالرحلة، إلا أن تسلسل الأحداث كان التالي:
في 9 نوفمبر 1977 أعلن الرئيس محمد أنور السادات في خطاب متلفز أمام مجلس الشعب المصري رغبته في زيارة إسرائيل العدو اللدود للمصريين، قائلاً: «ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم»، لم يعر أحد تلك الرغبة اهتماما، وعدت إحدى مناورات السادات السياسية التي اشتهر بها.
الإسرائيليون لم يتركوها لتمضي، فقد وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن يوم 16 نوفمبر دعوة رسمية للسادات لزيارة إسرائيل.
في اليوم التالي رد السادات على الدعوة وحدد يوم 19 نوفمبر موعدا للزيارة، وإلى يوم الزيارة لم يكن أحد مصدقا أنه سيقوم بها.
أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن مرسوما بأن يستقبل الرئيس أنور السادات كرئيس دولة حليفة ومقربة.
غداة وصوله ألقى السادات كلمته الشهيرة في مقر الكنيست الإسرائيلي في القدس الغربية، معربا عن أمله في تحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي وهو ما حصل لكامل سيناء بعد مقتله بعام واحد على أيدي متطرفين إسلامويين، لقد أثبت السادات أنه لم يكن رقما سهلا في سلسلة القيادة المصرية وأكد للعالم أجمع أن مصلحة الأوطان تحتاج إلى مخاطرات كبرى.
* كاتب سعودي
massaaed@