ورد بالصحيح هذا الإرشاد النبوي الجذري؛ «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا» وأيضاً بالصحيح أن رجلاً شكا للنبي تركه صلاة الجماعة بسبب تطويل الإمام فيها فلم يغضب النبي من تارك صلاة الجماعة ويوبخه إنما انصب كل غضب النبي على الإمام، قال «ما رأيتُ النَّبي قطُّ أشدَّ غضباً في موعظة منه يومئذ، ثم قال: يا أيُّها النَّاس، إنَّ منكم مُنَفِّرِين». والنفور لغة: الكره المولد للرغبة بالابتعاد عن ما يولد مشاعر وأحوال نفسية وعقلية وواقعية سلبية وبغيضة. وبلغة العلم الحديث تسمى آلية التنفير؛ (ارتباط شرطي سلبي)، وتولد هذا المصطلح ونظريته العلمية من أبحاث العالم الروسي (ايفان بافلوف) على سيلان لعاب الكلاب تجاوباً مع تقديم الطعام لها حيث لاحظ أن الكلاب بعد التعود على روتين محدد لتقديم الطعام لها تضمن إحداث صوت جرس معين ومؤثرات مصاحبة لتقديم الطعام صار لعاب الكلاب يسيل لمجرد سماعها لصوت الجرس أو رؤية الشخص الذي عادة يقدم لها الطعام أو رؤية الطبق الذي يقدم لها فيه الطعام حتى بدون وجود أي طعام، وذلك لأن كل تلك العناصر المتزامنة مع تقديم الطعام باتت بشكل لا واعٍ مرتبطة بحدث تقديم الطعام، وهذا ما سمي بـ(الارتباط الشرطي)؛ أي أن يصبح أمر ما مرتبطاً بأمر آخر لتكرار تزامن حدوثهما معاً، وعلى أرض الواقع نرى أن هذه الآلية هي أكبر قوة مؤثرة في السلوك الفردي والجماعي ومن مظاهرها ونتائجها الفردية أمراض وعلل نفسية وسلوكية؛ كالفوبيا/ الخوف المرضي، العقد النفسية، العصاب وهو فقد التوازن النفسي والموضوعي تجاه أمر ما والقلق المفرط بشأنه، الوسواس القهري، اختزال الرأي عن شخص بالانطباعات الأولية السطحية عنه، وأخطرها الانحرافات النفسية الجنسية الناتجة عن الخبرات الأولية بالصغر، أما بالنسبة للأثر الجماعي للارتباط الشرطي فيتبدى بأنماط كالتعميم/ الأحكام المعممة المسبقة، الصور النمطية السلبية عن الشعوب والفئات المختلفة والتي تنتج عنها أدواء خطيرة كالعنصرية، والميسوجينية: وهي كره ومعاداة واحتقار النساء وافتراض دونيتهن ومعارضة حقوقهن، واعتبار كل المسلمين إرهابيين بسبب الجماعات الإرهابية والحروب، واعتبار كل الأجانب والأقليات سيئين إذا قام أفراد منهم بأفعال سيئة، لكن هناك تطبيقات إيجابية يمكن الاستفادة فيها من آلية الارتباط الشرطي كما في؛ «التأليف/ التحبيب» أي تقديم شيء محبب للشخص بالتزامن مع شيء يراد جعله يحبه وهو لا يحبه بالأصل كإعطاء الطفل حلوى عند قيامه بواجبه، وإهداء الناس لإزالة الضغائن، وبالمثل ربط أمر منفر بشيء يدمنه الشخص ويصعب عليه تركه حتى ينفر عنه.
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com