-A +A
نجيب يماني
ما أروع عطاء وطني وما أعظم قيادته الراشدة رؤية، والباصرة وعياً وإلهاماً.. ثابتة كالطود الأشمّ في وجه عاصفة زلزلت أعتى الأنظمة الاقتصادية.. وراسخة رسوخ «طويق» في وجه الجائحة، التي أربكت حسابات الجميع، وعصفت بنظمها الصحية والاقتصادية، والاجتماعية.. وبقيت المملكة وحدها في وجه الطوفان، تدير الأزمة بأعلى مقامات الإنسانية؛ صوناً للأنفس بدرء مخاطر الجائحة عنها، وشأنها شفافية تقدير الوضع الصحي، وحسن تدبير في الإجراءات الاحترازية والوقائية.. وفوق ذلك كله ترميم للآثار والتداعيات التي خلّفتها الجائحة، وبخاصة على المستوى الاقتصادي..

ففي الوقت الذي رفعت فيه المنظمات الأممية، والبيوتات الاقتصادية العالمية صوت النذير بكارثة اقتصادية سترج العالم رجّاً؛ أثناء، وبعد «كورونا المستجد»، بما يترتّب عليها فقدان ملايين الناس لوظائفهم، وتعرّض بلدان لفقر مدقع، وتشرد مواطنيها بغير مأوى أو مداخيل تعينهم على أوصاب الحياة.. في هذا المناخ الملبد بغيوم الحيرة والخوف من مجهول يتربّص ميقات وقوعه.. ظل الحال في المملكة مغايراً له تماماً؛ أمن غذائي بوفرة، اقتصاد قوي ومضطرد النمو.


تتوالى البشارات من سلمان العطاء ومحمد الخير لشعبهما الوفي، بالأمس القريب حزمة من القرارات الاقتصادية، والتوجيهات الإدارية التي استهدفت التأمين الاقتصادي لأبناء وبنات هذا الوطن، والمقيمين على ترابه الغالي، سواء بسواء، في تجسيد عملي لمفاهيم حقوق الإنسان.. واليوم جاءت المبادرات الإضافية التي أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- وتمثّلت في دعم وإعفاء وتعجيل سداد مستحقات القطاع الخاص، وكذلك دعم الأفراد السعوديين العاملين في نشاط الأجرة العامة والعاملين في نشاط النقل بالحافلات وتخصيص المليارات لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فهذه المبادرات وغيرها لا يمكننا النظر إليها بمعزل عن سابقتها، كما لا يمكننا أن نفصلها عن السياق العام الذي تعاملت به المملكة حيال هذه الجائحة وتداعياتها منذ أول ظهورها، وهي مبادرات سيجد فيها المشتغلون بالاقتصاد براحاً من النظر، ومتسعاً من القراءة في ريث وتؤدة، وسيذهبون عميقاً لاستقصاء واستكناه بُعد النظر الذي تنطوي عليه، بما يترتب على صيانة وترميم القطاع الخاص، ودعمه حتى يظل حاضراً في ميدان التنمية المستمرة والمستدامة، وهذه ميزة ستفتقدها كثير من دول العالم الأول في المستقبل القريب -ناهيك عن الدول النامية وما دونها- حين تجرد حساباتها بعد القضاء على كورونا المستجد بإذن الله، ويومها ستحلّق المملكة بعيداً في فضاءات النمو والتطور الاقتصادي على مدارج رؤيتها المستشرفة لآفاق العام 2030..

كما سيجد دارسو علم الاجتماع وسع المساحة متراحباً أمامهم في مرآة هذه المبادرات، ليقرأوا ما انطوت عليه من قيم ومعانٍ، تُقدّم الإنسان قبل كل شيء، وتصون كرامته، وتحفظ أمنه، وتعلي قيمته..

أما المشتغلون بالسياسة وشؤونها، فسيكون نموذج قيادتنا الرشيدة ممثلاً بولي العهد الأمين محمد الخير حاضراً في مراجعاتهم، فما سطّرته قيادة المملكة من مواقف ومشاهد إبّان هذه الجائحة العالمية، أكّد رسوخ قدمها، وعلو مكانتها، فوق ما هو مؤكد سلفاً، فها هي تقود ركب مجموعة العشرين مستنفرة كل ما تملك من إمكانيات وجهد من أجل تقديم العون المادي والرؤيوي والمعنوي، متصدرة مشهد التكامل العالمي في مواجهة جائحة كورونا، وراسمة آفاق الحل بما تقدمه من مبادرات لها وزنها القيّم في مثقال الرجحان والمبادأة..

من حقي أن يعلو صوتي افتخاراً بوطني، ويتناغم طرباً مع نشيد الاعتزاز بقيادته.. فقد أعطت وما استبقت من الحنو والأبوّة الحانية شيئاً.. وبقي الدور علينا، نحن أبناء وبنات هذا الوطن العزيز أن نكون عوناً لقيادتنا والمسؤولين، من أنيطت بهم هذه الأعباء الثقال، فلا أقل من الالتزام الحرفي بكل ما يصدر من تعليمات، والابتعاد عن الشائعات التي تنسف كل هذه الجهود المباركة..

وهمسة في أذن القطاع الخاص: ينتظرك غد واعد بالجهد، فقد استوفيت الرعاية كاملة، وننتظر ثمارك الناضجات في سلال اقتصادنا المتوثّب لقمة النمو، وديمومة العطاء. فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

* كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com