تحولت القارة العجوز خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى بؤرة جائحة فيروس كورونا بعد أن ضرب الوباء بعنف إيطاليا ثم انتقل سريعاً إلى إسبانيا وفرنسا، حتى وصل إلى بريطانيا، خلال أيام قليلة انقلبت حياة الأوروبيين رأساً على عقب وتحولت العواصم الكبرى مثل روما ومدريد وباريس ولندن إلى مدن أشباح، هرب الناس من الموت المتربص بهم على أبواب منازلهم وفي مقابض الأبواب ومن حيث لا يحتسبون. أصاب الوباء الحواضر الأوروبية بالشلل وتعطلت الحياة الاقتصادية. شدة الوباء وقوته لم تترك للحكومات الغربية حرية الخيار بين صحة المواطنين والأوضاع الاقتصادية، فحتى لا تنهار الدول ولا يتكرر سيناريو الأنفلونزا الإسبانية في عشرينات القرن الماضي أو الموت الأسود (الطاعون) في نهاية العصور الوسطى، اضطرت الحكومات إلى فرض الحجر الصحي وفرض حظر التجول في عديد المدن الأوروبية، بالرغم من أن المصيبة من الناحية الصحية كارثية فعشرات الآلاف من الضحايا التي تضج بهم المستشفيات فرضت أزمات لم تكن تخطر في بال صانع القرار الأوروبي منها على سبيل المثال كيف يتم دفن موتى كورونا وما هي إجراءات الجنازات المسموح بها بحيث تتم المحافظة على الكرامة الإنسانية. للأسف أوروبا فشلت في هذا الاختبار، فالأخبار صادمة حول دور المسنين التي تركها موظفوها وحول الجثث التي بقيت لأيام دون أن يهتم بها أحد، لا بل إن عائلات كثيرة ممن مات أحباؤها رفضت المشاركة في تشييعهم. إنه كابوس تتمنى الدول الأوروبية أن تستيقظ منه سريعاً.
بالرغم من فداحة الخسائر إلا أن الحجر الصحي نجح في الحد من الوباء وباتت الحكومات مجبرة على النظر إلى اقتصاد الدول الذي انهار أو يكاد. الحكومات تدرك أن أي يوم آخر في الحجر الصحي يعني مزيداً من الخسائر الاقتصادية ويعني أن قوت الناس أصبح على المحك. لذلك تريد الدول الأوروبية الخروج سريعاً ولكن كيف؟ إدوارد فيليب رئيس الوزراء الفرنسي قال في آخر تصريحاته: (لن تعود حياتنا إلى ما كانت عليه قبل الحظر الصحي) وما قاله فيليب يكاد ينطبق على كل الدول، فطالما لا يوجد هناك علاج فعال وطالما لم تنجح البشرية في الوصول إلى لقاح فلا يوجد هناك خيار سوى التعايش مع الفيروس، وهذا يتم بالمرونة مع الحجر الصحي وليس إلغاؤه، في فرنسا لن يتم فتح المطاعم ولن يتم استئناف التظاهرات الرياضية الجماهيرية، وسوف يتم فرض ارتداء الكمامات في الأماكن العامة. باختصار حياتنا لن تعود كما كانت حتى إيجاد اللقاح الذي لا يتوقع أن يحدث سوى بعد سنة ونصف أو أكثر. الحكومات الأوروبية أمام اختبار صعب للغاية وهو الموازنة الدقيقة بين إجراءات تحفظ حياة الناس وتحد من الوباء وبين السماح بالنشاط الاقتصادي مما يحفظ الحد الأدنى من ديمومة الحياة. الأيام القادمة حبلى بالإجابات المختلفة عن هذا الاختبار في القارة العجوز وفي غيرها.
* باحث سياسي
ramialkhalife@
بالرغم من فداحة الخسائر إلا أن الحجر الصحي نجح في الحد من الوباء وباتت الحكومات مجبرة على النظر إلى اقتصاد الدول الذي انهار أو يكاد. الحكومات تدرك أن أي يوم آخر في الحجر الصحي يعني مزيداً من الخسائر الاقتصادية ويعني أن قوت الناس أصبح على المحك. لذلك تريد الدول الأوروبية الخروج سريعاً ولكن كيف؟ إدوارد فيليب رئيس الوزراء الفرنسي قال في آخر تصريحاته: (لن تعود حياتنا إلى ما كانت عليه قبل الحظر الصحي) وما قاله فيليب يكاد ينطبق على كل الدول، فطالما لا يوجد هناك علاج فعال وطالما لم تنجح البشرية في الوصول إلى لقاح فلا يوجد هناك خيار سوى التعايش مع الفيروس، وهذا يتم بالمرونة مع الحجر الصحي وليس إلغاؤه، في فرنسا لن يتم فتح المطاعم ولن يتم استئناف التظاهرات الرياضية الجماهيرية، وسوف يتم فرض ارتداء الكمامات في الأماكن العامة. باختصار حياتنا لن تعود كما كانت حتى إيجاد اللقاح الذي لا يتوقع أن يحدث سوى بعد سنة ونصف أو أكثر. الحكومات الأوروبية أمام اختبار صعب للغاية وهو الموازنة الدقيقة بين إجراءات تحفظ حياة الناس وتحد من الوباء وبين السماح بالنشاط الاقتصادي مما يحفظ الحد الأدنى من ديمومة الحياة. الأيام القادمة حبلى بالإجابات المختلفة عن هذا الاختبار في القارة العجوز وفي غيرها.
* باحث سياسي
ramialkhalife@