كان (أبو حيان التوحيدي) يسخر من العصر الذي عاش فيه، والذي انقلبت فيه المعايير والموازين، وانعدمت فيه القيم، ويقول (هذا زمن القرود)، على اعتبار أن القرد يرمز إلى الدهاء والشهوة والخطيئة والمحاكاة، والضحك الماكر والتهليس والاستخفاف والانفلات، ولا شك أنه عندما يعتلي هذا القرد كتف أحد البشر، فمعنى ذلك أنه يحركه في اتجاه كل الخصال السلبية السابقة، عكس ذلك عندما يوضع القرد في سلسلة، فإن ذلك يرمز إلى التغلب على الخطيئة وكل الخصال السلبية السابقة.
مع احترامي لنظرية (داروين) والمقتنعين بها، إلا أنني لا أعتقد بصحة النشوء والتطور، ولا أعتقد أن أصل الإنسان قرد، وإذا كان بعض البشر يشبهونه ويتصرفون مثله، فهذا مجرد صدفة محضة لا أكثر، فهناك أشخاص طوال القامة يشبهون الزرافات، لكن ذلك لا يقودنا إلى الاعتقاد بأن الإنسان أصله زرافة، وإذا كان مستوى الذكاء محدودا جدا لدى بعض البشر فإن هذا لا يبرر الادعاء بأن الإنسان أصله حمار مثلا، رغم كل ذلك، إلا أنني لا أستطيع أن أخفي دهشتي واستغرابي في اعتلاء (رامز جلال) كتف بعض القنوات الفضائية كالقرد، والتقافز من فوقها كدرويش في غابة والشيطان في أعقابه، وتركه يمثل بضحاياه من الفنانين واللاعبين المرموقين، مثل قرش ماجن أخبله الدم، مصوراً السادية في أسوأ أشكالها، يتلذذ بإذلالهم، ويستمتع بإهانتهم، والانتقاص منهم، وكسر مقامهم، رجل مريض وجد برنامجا، يجعله أكثر مرضا وقسوة في قواعد لعبة تستبيح المنطق والمعقول والمألوف والمقنع والصحيح، لكل داء دواء يستطيب به إلا (الحماقة) أعيت من يداويها.
تذكرت ذلك البيت من تراثنا العربي، وأنا أتابع قلة الأدب والوقاحة والمسخرة وفلتان اللسان وقلة الذوق والخروج على قواعد وآداب الإعلام والأخلاق والعرف وقيم المجتمعات، ووجدت نفسي أضع كلمة (الوقاحة) بدلا من (الحماقة)، مع أن العلاقة بين الكلمتين وثيقه جدا، وتساءلت وأنا أستعد لكتابة هذا المقال، ولماذا ألوم (رامز جلال) فقط!
أليس هناك زعماء سياسيون يمارسون الوقاحة أيضاً؟
حيث بعضهم يوجه في خطبه وأحاديثه ورسائله عبر موقع (تويتر) أقذع الشتائم والإهانات لشعوب بأكملها، ولرؤساء دول ولشخصيات عامة ناجحة ومحبوبة ولامعة وقديرة، في مجالات الصحافة والسياسة والفن، فيصف مثلاً أحد منافسيه السياسيين مثلا بأنه (بليد)، والآخر (حقير).
ولقد قامت البروفيسورة (أنجيلا سميث) أستاذة اللغات والثقافة في جامعة (ساندرلاند) وزميلاتها (ميشيل هيبجنز) بدراسة عن حالة التدهور الأخلاقي وقلة الذوق والتنمر والوقاحة في البرامج التلفزيونية، ورصدت الدراسة هذه الظاهرة، وأبرزتها كوباء انتشر في أواخر التسعينات وواصل انتشاره وبشكل مضطرد في بداية القرن الواحد والعشرين، وقدمت عينات حديثة لمظاهر التدهور وقلة الذوق، وهبوط الأخلاق وميل بعض البرامج إلى السوقية والعدوانية والتجريح وإهانة الضيوف والتعامل معهم كغريم، هذا ولقد تم عزل مقدم البرامج (جيرمي كيلي) بعد أن أقدم أحد ضيوف برنامجه وعمره فوق الستين عاما بالانتحار بجرعة زائدة من “المورفين”، لمشاعر الإهانة والاحتقار التي أصابته، بعد أن تمادى مقدم البرنامج في وقاحته وتنمره، ولا أعتقد بأي حال من الأحوال أن هناك إهانة وسوقية وتجريحا وعدوانية ووقاحة وتنمرا أكثر مما يفعله (رامز جلال) تجاه ضيوفه.
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com
مع احترامي لنظرية (داروين) والمقتنعين بها، إلا أنني لا أعتقد بصحة النشوء والتطور، ولا أعتقد أن أصل الإنسان قرد، وإذا كان بعض البشر يشبهونه ويتصرفون مثله، فهذا مجرد صدفة محضة لا أكثر، فهناك أشخاص طوال القامة يشبهون الزرافات، لكن ذلك لا يقودنا إلى الاعتقاد بأن الإنسان أصله زرافة، وإذا كان مستوى الذكاء محدودا جدا لدى بعض البشر فإن هذا لا يبرر الادعاء بأن الإنسان أصله حمار مثلا، رغم كل ذلك، إلا أنني لا أستطيع أن أخفي دهشتي واستغرابي في اعتلاء (رامز جلال) كتف بعض القنوات الفضائية كالقرد، والتقافز من فوقها كدرويش في غابة والشيطان في أعقابه، وتركه يمثل بضحاياه من الفنانين واللاعبين المرموقين، مثل قرش ماجن أخبله الدم، مصوراً السادية في أسوأ أشكالها، يتلذذ بإذلالهم، ويستمتع بإهانتهم، والانتقاص منهم، وكسر مقامهم، رجل مريض وجد برنامجا، يجعله أكثر مرضا وقسوة في قواعد لعبة تستبيح المنطق والمعقول والمألوف والمقنع والصحيح، لكل داء دواء يستطيب به إلا (الحماقة) أعيت من يداويها.
تذكرت ذلك البيت من تراثنا العربي، وأنا أتابع قلة الأدب والوقاحة والمسخرة وفلتان اللسان وقلة الذوق والخروج على قواعد وآداب الإعلام والأخلاق والعرف وقيم المجتمعات، ووجدت نفسي أضع كلمة (الوقاحة) بدلا من (الحماقة)، مع أن العلاقة بين الكلمتين وثيقه جدا، وتساءلت وأنا أستعد لكتابة هذا المقال، ولماذا ألوم (رامز جلال) فقط!
أليس هناك زعماء سياسيون يمارسون الوقاحة أيضاً؟
حيث بعضهم يوجه في خطبه وأحاديثه ورسائله عبر موقع (تويتر) أقذع الشتائم والإهانات لشعوب بأكملها، ولرؤساء دول ولشخصيات عامة ناجحة ومحبوبة ولامعة وقديرة، في مجالات الصحافة والسياسة والفن، فيصف مثلاً أحد منافسيه السياسيين مثلا بأنه (بليد)، والآخر (حقير).
ولقد قامت البروفيسورة (أنجيلا سميث) أستاذة اللغات والثقافة في جامعة (ساندرلاند) وزميلاتها (ميشيل هيبجنز) بدراسة عن حالة التدهور الأخلاقي وقلة الذوق والتنمر والوقاحة في البرامج التلفزيونية، ورصدت الدراسة هذه الظاهرة، وأبرزتها كوباء انتشر في أواخر التسعينات وواصل انتشاره وبشكل مضطرد في بداية القرن الواحد والعشرين، وقدمت عينات حديثة لمظاهر التدهور وقلة الذوق، وهبوط الأخلاق وميل بعض البرامج إلى السوقية والعدوانية والتجريح وإهانة الضيوف والتعامل معهم كغريم، هذا ولقد تم عزل مقدم البرامج (جيرمي كيلي) بعد أن أقدم أحد ضيوف برنامجه وعمره فوق الستين عاما بالانتحار بجرعة زائدة من “المورفين”، لمشاعر الإهانة والاحتقار التي أصابته، بعد أن تمادى مقدم البرنامج في وقاحته وتنمره، ولا أعتقد بأي حال من الأحوال أن هناك إهانة وسوقية وتجريحا وعدوانية ووقاحة وتنمرا أكثر مما يفعله (رامز جلال) تجاه ضيوفه.
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com