هيمنت قضية الإرهاب بعد تفجيرات 11 سبتمبر على اهتمامات صناع القرار والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية العالمية؛ كون الحادث الإرهابي مثّل صدمة للبشرية؛ الأمر الذي تطلب من المجتمع الدولي إعادة التعامل مع ملف الإرهاب وأصبح الهاجس الأمني والاستخباراتي هو المسيطر على السياسة العالمية.
وبعد اجتياح وباء كورونا العالم وتداعياته الاقتصادية والنفطية والسياسية والصحية الخطيرة، وانعكاساته غير المسبوقة على أمن واستقرار العالم، الذي أصبح مشلولا ودخل حالة الموت السريري والإغلاق القسري؛ طرحت تساؤلات جدية حول ما إذا كان ينبغي شمول الأمن الوبائي والصحي العالمي في منظومة الأمن العالمي والإقليمي والوطني، بحيث يصبح جزءا لا يتجزأ من الأمن الإستراتيجي، بكيان مستقل وعقول ومخازن للتفكير والبحوث والدراسات الجرثومية والأوبئة البيولوجية والفايروسية على مستوى عالمي من التقنية..
وليس هناك رأيان على أن التعامل مع ملف الأوبئة العالمية أصبح مُلحاً؛ كونها تشكل خطورة على بقاء الدول ووجوب إعطاء أولوية قصوى لها في البحث والتمحيص وتهيئة الموارد المادية والبشرية لها لمجابهة أي وباء قد يهاجم العالم فجأة على غرار (كوفيد-١٩) الذي داهم العالم وأعاد خارطته، رأسا على عقب، الأمر الذي يتطلب من المنظومة الأمنية والسياسية حتمية التعامل مع التهديدات الوبائية، إضافة إلى مصادر التهديدات ذات الأولوية؛ وهي الإرهاب والحروب والهجمات الإلكترونية وتضاف لها حروب الأمن الوبائي والحروب البيولوجية التي تعتبر أخطر من الحروب السيبرانية والنووية. ومن المؤكد أن صناع القرار في المؤسسات الأمنية في العالم بدأوا فعليا في إعطاء أولوية لهذا الملف الحيوي، ومن الضروري إدخال تغييرات جذرية في سياقات عمل المنظومات التي تعتمد السبل الاستخبارية التكنولوجية، وتطوير أجهزة جديدة لتحري الأوضاع الصحية والبحث عن التهديدات البيولوجية التي لا تعتبر جديدة على العالم، ففي حقبة الحرب الباردة كان الغرب والاتحاد السوفيتي يتسابقان من أجل فهم ما هي الأسلحة الجرثومية والبيولوجية. وفي المستقبل القريب سيكون التركيز على اللقاحات الوبائية أكثر منه على الأسلحة النووية والصواريخ البالستية وحاملة الطائرات البحرية؛ باعتبار أن عالم ما بعد الجائحة سيرسم مستقبلا مختلفا تماما عما قبله في استخدام قواعد المعلومات الوبائية والفايروسية والبيولوجية؛ أكثر تقدما، مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي والتنبؤ بمسارات الأوبئة الفايروسية واحتمالات استخداماتها لتدمير البشرية، فضلا عن اكتشاف تقنيات عالية في الرصد السكاني لمواجهة أي انتشار للفايروس والسيطرة على تحركات السكان من أجل منع انتشاره، خصوصا أن الوباء الفايروسي قد يقلص قدرات الجيوش والأسلحة النووية، وهو ما حدث تماما في (كوفيد- ١٩) عندما أصبح العتاد العسكري العالي التقنية غير ذي قيمة، وأصبحت الجيوش تتفرج على تدمير العالم دون أن تحرك ساكنا.. ووصل الفايروس إلى دول العالم المتطورة التي كانت تزعم أن لديها نظاما صحيا عالميا إلا أن الواقع والعواقب للوباء أثبتت عكس ذلك، وما بالنا بالمجتمعات والدول الفقيرة التي افتقدت للعلاج والغذاء معا. وما من مقولة تجسد أهمية الأمن الغذائي لأي دولة كمقولة ألفريد هنريلويس (1906) إن «تسع وجبات فقط هي المسافة التي تفصل البشرية بين التحضر والفوضى والهمجية الكاملة». وليس هناك أخطر من الجوع والفايروس في قدرته على تدمير المجتمع، لذا فإن وضع خطة استجابة لتفشي أي وباء عالمي والتعامل معه كأولوية للأمن الوطني والعالمي تتناسب مع التهديد الذي يمثله للأمن والاستقرار العالميين. ومن الأهمية بمكان تعزيز نظام الإنذار والاستجابة المبكر لدعم الأمن الصحي والوبائي على المستويين العالمي والإقليمي..
إنّ المجال ما زال مفتوحاً لإنتاج مفهوم الأمن الوبائي فالآفات والأزمات والأمراض في هذا العالم الذي اعتقدنا لسنين أنّه آمن، تبيّن أنّه ليس آمناً وسيواجه بسببها الكثير من التهديدات، والتحسب لها وصياغة مفاهيم صحيحة للتعامل مع الأمن الوبائي.
ومن المؤكد أن المملكة التي استطاعت بحمد الله إدارة أزمة (كوفيد-١٩) حريصة على التعامل مستقبلاً مع الأمن الوبائي بآليات عالمية لتثبت مجددا أنها دولة تتحمل مسؤولياتها وتتهيأ استباقيا لأي أزمات لا قدر الله.
* كاتب سعودي
falhamid2@
وبعد اجتياح وباء كورونا العالم وتداعياته الاقتصادية والنفطية والسياسية والصحية الخطيرة، وانعكاساته غير المسبوقة على أمن واستقرار العالم، الذي أصبح مشلولا ودخل حالة الموت السريري والإغلاق القسري؛ طرحت تساؤلات جدية حول ما إذا كان ينبغي شمول الأمن الوبائي والصحي العالمي في منظومة الأمن العالمي والإقليمي والوطني، بحيث يصبح جزءا لا يتجزأ من الأمن الإستراتيجي، بكيان مستقل وعقول ومخازن للتفكير والبحوث والدراسات الجرثومية والأوبئة البيولوجية والفايروسية على مستوى عالمي من التقنية..
وليس هناك رأيان على أن التعامل مع ملف الأوبئة العالمية أصبح مُلحاً؛ كونها تشكل خطورة على بقاء الدول ووجوب إعطاء أولوية قصوى لها في البحث والتمحيص وتهيئة الموارد المادية والبشرية لها لمجابهة أي وباء قد يهاجم العالم فجأة على غرار (كوفيد-١٩) الذي داهم العالم وأعاد خارطته، رأسا على عقب، الأمر الذي يتطلب من المنظومة الأمنية والسياسية حتمية التعامل مع التهديدات الوبائية، إضافة إلى مصادر التهديدات ذات الأولوية؛ وهي الإرهاب والحروب والهجمات الإلكترونية وتضاف لها حروب الأمن الوبائي والحروب البيولوجية التي تعتبر أخطر من الحروب السيبرانية والنووية. ومن المؤكد أن صناع القرار في المؤسسات الأمنية في العالم بدأوا فعليا في إعطاء أولوية لهذا الملف الحيوي، ومن الضروري إدخال تغييرات جذرية في سياقات عمل المنظومات التي تعتمد السبل الاستخبارية التكنولوجية، وتطوير أجهزة جديدة لتحري الأوضاع الصحية والبحث عن التهديدات البيولوجية التي لا تعتبر جديدة على العالم، ففي حقبة الحرب الباردة كان الغرب والاتحاد السوفيتي يتسابقان من أجل فهم ما هي الأسلحة الجرثومية والبيولوجية. وفي المستقبل القريب سيكون التركيز على اللقاحات الوبائية أكثر منه على الأسلحة النووية والصواريخ البالستية وحاملة الطائرات البحرية؛ باعتبار أن عالم ما بعد الجائحة سيرسم مستقبلا مختلفا تماما عما قبله في استخدام قواعد المعلومات الوبائية والفايروسية والبيولوجية؛ أكثر تقدما، مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي والتنبؤ بمسارات الأوبئة الفايروسية واحتمالات استخداماتها لتدمير البشرية، فضلا عن اكتشاف تقنيات عالية في الرصد السكاني لمواجهة أي انتشار للفايروس والسيطرة على تحركات السكان من أجل منع انتشاره، خصوصا أن الوباء الفايروسي قد يقلص قدرات الجيوش والأسلحة النووية، وهو ما حدث تماما في (كوفيد- ١٩) عندما أصبح العتاد العسكري العالي التقنية غير ذي قيمة، وأصبحت الجيوش تتفرج على تدمير العالم دون أن تحرك ساكنا.. ووصل الفايروس إلى دول العالم المتطورة التي كانت تزعم أن لديها نظاما صحيا عالميا إلا أن الواقع والعواقب للوباء أثبتت عكس ذلك، وما بالنا بالمجتمعات والدول الفقيرة التي افتقدت للعلاج والغذاء معا. وما من مقولة تجسد أهمية الأمن الغذائي لأي دولة كمقولة ألفريد هنريلويس (1906) إن «تسع وجبات فقط هي المسافة التي تفصل البشرية بين التحضر والفوضى والهمجية الكاملة». وليس هناك أخطر من الجوع والفايروس في قدرته على تدمير المجتمع، لذا فإن وضع خطة استجابة لتفشي أي وباء عالمي والتعامل معه كأولوية للأمن الوطني والعالمي تتناسب مع التهديد الذي يمثله للأمن والاستقرار العالميين. ومن الأهمية بمكان تعزيز نظام الإنذار والاستجابة المبكر لدعم الأمن الصحي والوبائي على المستويين العالمي والإقليمي..
إنّ المجال ما زال مفتوحاً لإنتاج مفهوم الأمن الوبائي فالآفات والأزمات والأمراض في هذا العالم الذي اعتقدنا لسنين أنّه آمن، تبيّن أنّه ليس آمناً وسيواجه بسببها الكثير من التهديدات، والتحسب لها وصياغة مفاهيم صحيحة للتعامل مع الأمن الوبائي.
ومن المؤكد أن المملكة التي استطاعت بحمد الله إدارة أزمة (كوفيد-١٩) حريصة على التعامل مستقبلاً مع الأمن الوبائي بآليات عالمية لتثبت مجددا أنها دولة تتحمل مسؤولياتها وتتهيأ استباقيا لأي أزمات لا قدر الله.
* كاتب سعودي
falhamid2@