لم تعرف دول العالم اختبارا مصيريا وامتحانا صعبا لقدرة حكومات تلك الدول على اتخاذ وصناعة القرارات المناسبة في وقتها كما هو اختبار جائحة كورونا.
ما بين التعامل الأفقي والتعامل الرأسي مع جائحة كورونا من قبل حكومات دول العالم، يمكن القول إن القرار الصحي الخاطئ أو المتأخر، لا يمكن أن يتحمله القرار الاقتصادي ولا يتحمله القرار السياسي، لكن جائحة كورونا خلطت الأوراق. فالقرارات الصحية الخاطئة أو المتأخرة أصبح يترتب عليها قرار اقتصادي خاطئ في بعض الأحيان، والقرارات الصحية والاقتصادية مجتمعة انعكست سلبا وإيجابا أصبحت تلقي بظلالها على القرارات السياسية. وكل هذا أصبح ينعكس على الفاتورة الإنسانية والصحية والاقتصادية والسياسية لكل دولة من دول العالم.
يمكن القول إن الفاتورة في دول العالم الثالث ومنها دولنا العربية لم تكن باهظة مثلما هي الفاتورة في الدول الصناعية الغربية المتقدمة أو ما يعرف بالدول الرأسمالية، ما تسبب بعاصفة من الانتقادات الحادة التي لم تهدأ حتى الآن للنظم الليبرالية والنيوليبرالية التي ذهب بعضها بعيدا في تشييء الإنسان وتسليعه من خلال التعامل مع جائحة كورونا وقبلها من خلال خصخصة كل الخدمات المقدمة للمواطن بما فيها النظم الصحية والنظم التعليمية وتغيير نظم التقاعد، والتي كانت قضية نضال الحركات اليسارية والنقابات العمالية ضد توحش برامج الخصخصة في العديد من قطاعات الدولة وتوجيه الانتقادات لتخلي الدولة عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها في بعض الدول الصناعية. وذلك بتغليب الحسابات المالية والاعتبارات الاقتصادية فوق الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية.
في المقابل، قدمت دول اشتراكية وشبه اشتراكية نماذج لافتة من البرامج الإنسانية والمساعدات على المستويين الوطني والعالمي، رغم ما يوجه لها من انتقادات من ناحية الشفافية والمصداقية. فالصين الاشتراكية سياسيا وغير الديموقراطية وروسيا حديثة العهد بالديموقراطية والرأسمالية أصبحتا مبعث الأمل للعديد من دول العالم بما فيها الدول الأوروبية الراسخة بالديموقراطية وحقوق الإنسان!
العالم الآن يقف في مفترق طرق، وهو بالتأكيد على مشارف حقبة جديدة إما أن يعيد التاريخ نفسه ومعه تعيد الاشتراكية والرأسمالية إنتاج نفسيهما وبذلك ستشتد صراعات الحرب الباردة الفكرية والاقتصادية والسياسية والأيديولوجية وربما العسكرية، أو أننا على أعتاب نظام دولي جديد يتجاوز الرأسمالية والاشتراكية وكل محاورهما وأحلافهما، ليشهد إعادة تموضع كثير من الدول وفقا لما بعد جائحة كورونا ووفقا لكل المتغيرات التي يمر بها العالم.
إن بناء النظام العالمي الجديد حتما سيتم تشكيله على أنقاض عالم مثقل بالمشكلات الاقتصادية،عالم تتسع فيه الفجوة بين قلة من الأغنياء أمام جيوش من الفقراء، عالم تضرب به البطالة أطنابها بين الجنسين بسبب ما أنتجته التقنية والذكاء الصناعي وبسبب سوء استغلال الموارد البشرية، عالم ينوء بالتحديات البيئية والتغير المناخي وشح الموارد المائية، عالم يعج بالنزاعات والحركات الشعبوية والقومية والإثنية على حساب الديموقراطيات، عالم منهك بالحروب والحركات العنصريات والجماعات الإرهابية خاصة منطقتنا، عالم تناهز فيه أعداد اللاجئين والنازحين والمهاجرين والمهجرين ثلث سكان الكرة الأرضية، عالم لا وجود فيه للقانون الدولي، عالم تآكل أغلب ما تحقق له من العولمة والتجارة الدولية.
إن ميلاد النظام العالمي الجديد أمر يكاد يكون جليا، لكن السؤال هو هل ستكون ولادة طبيعية، أم ستكون قيصرية من خلال حرب عالمية ثالثة؟
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
ما بين التعامل الأفقي والتعامل الرأسي مع جائحة كورونا من قبل حكومات دول العالم، يمكن القول إن القرار الصحي الخاطئ أو المتأخر، لا يمكن أن يتحمله القرار الاقتصادي ولا يتحمله القرار السياسي، لكن جائحة كورونا خلطت الأوراق. فالقرارات الصحية الخاطئة أو المتأخرة أصبح يترتب عليها قرار اقتصادي خاطئ في بعض الأحيان، والقرارات الصحية والاقتصادية مجتمعة انعكست سلبا وإيجابا أصبحت تلقي بظلالها على القرارات السياسية. وكل هذا أصبح ينعكس على الفاتورة الإنسانية والصحية والاقتصادية والسياسية لكل دولة من دول العالم.
يمكن القول إن الفاتورة في دول العالم الثالث ومنها دولنا العربية لم تكن باهظة مثلما هي الفاتورة في الدول الصناعية الغربية المتقدمة أو ما يعرف بالدول الرأسمالية، ما تسبب بعاصفة من الانتقادات الحادة التي لم تهدأ حتى الآن للنظم الليبرالية والنيوليبرالية التي ذهب بعضها بعيدا في تشييء الإنسان وتسليعه من خلال التعامل مع جائحة كورونا وقبلها من خلال خصخصة كل الخدمات المقدمة للمواطن بما فيها النظم الصحية والنظم التعليمية وتغيير نظم التقاعد، والتي كانت قضية نضال الحركات اليسارية والنقابات العمالية ضد توحش برامج الخصخصة في العديد من قطاعات الدولة وتوجيه الانتقادات لتخلي الدولة عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها في بعض الدول الصناعية. وذلك بتغليب الحسابات المالية والاعتبارات الاقتصادية فوق الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية.
في المقابل، قدمت دول اشتراكية وشبه اشتراكية نماذج لافتة من البرامج الإنسانية والمساعدات على المستويين الوطني والعالمي، رغم ما يوجه لها من انتقادات من ناحية الشفافية والمصداقية. فالصين الاشتراكية سياسيا وغير الديموقراطية وروسيا حديثة العهد بالديموقراطية والرأسمالية أصبحتا مبعث الأمل للعديد من دول العالم بما فيها الدول الأوروبية الراسخة بالديموقراطية وحقوق الإنسان!
العالم الآن يقف في مفترق طرق، وهو بالتأكيد على مشارف حقبة جديدة إما أن يعيد التاريخ نفسه ومعه تعيد الاشتراكية والرأسمالية إنتاج نفسيهما وبذلك ستشتد صراعات الحرب الباردة الفكرية والاقتصادية والسياسية والأيديولوجية وربما العسكرية، أو أننا على أعتاب نظام دولي جديد يتجاوز الرأسمالية والاشتراكية وكل محاورهما وأحلافهما، ليشهد إعادة تموضع كثير من الدول وفقا لما بعد جائحة كورونا ووفقا لكل المتغيرات التي يمر بها العالم.
إن بناء النظام العالمي الجديد حتما سيتم تشكيله على أنقاض عالم مثقل بالمشكلات الاقتصادية،عالم تتسع فيه الفجوة بين قلة من الأغنياء أمام جيوش من الفقراء، عالم تضرب به البطالة أطنابها بين الجنسين بسبب ما أنتجته التقنية والذكاء الصناعي وبسبب سوء استغلال الموارد البشرية، عالم ينوء بالتحديات البيئية والتغير المناخي وشح الموارد المائية، عالم يعج بالنزاعات والحركات الشعبوية والقومية والإثنية على حساب الديموقراطيات، عالم منهك بالحروب والحركات العنصريات والجماعات الإرهابية خاصة منطقتنا، عالم تناهز فيه أعداد اللاجئين والنازحين والمهاجرين والمهجرين ثلث سكان الكرة الأرضية، عالم لا وجود فيه للقانون الدولي، عالم تآكل أغلب ما تحقق له من العولمة والتجارة الدولية.
إن ميلاد النظام العالمي الجديد أمر يكاد يكون جليا، لكن السؤال هو هل ستكون ولادة طبيعية، أم ستكون قيصرية من خلال حرب عالمية ثالثة؟
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org