-A +A
سطام بن هدباء
جاءني بالأمس «تركي» الطفل، ذو الخمسة أعوام، وقال: يا خال سأحكي لك قصة «القرد الطماع»، فتبسمت وقلت أنا متشوق لسماعها.. فسرد قائلا: كانت هناك قطّتان اختلفتا على قسمة جبن، فذهبتا إلى القرد؛ ليحكم بينهما، فقسم القرد القطعة إلى قطعتين، ثقيلة وخفيفة، ووضع كل قطعة في كفة من الميزان؛ فرجحت القطعة الثقيلة فأكل منها ثم وضعها في الميزان مرةً أخرى فرجحت الأخرى فأكل منها، وكرر ذلك حتى أكل القطعتين ولم يبق للقطتين شيئا، فرجعتا خائبتين. انتهت القصة.

أخذ بعدها يسألني بعض الأسئلة: كان سؤاله الأول: على ماذا اختلفت القطتان؟ فأجبته على قسمة قطعة الجبن. ثم سأل الثاني: لم ذهبتا إلى القرد؟ فأجبته: ليحكم بينهما. ففكر ثم سأل سؤاله الأخير وبأي شيء رجعتا إذن؟ فأجبته: بلا أي قطعة جبن.


ثم حان الوقت لأحكي له عن قصة مشابهة بعنوان «قردوغان»، وقد يكون شبيها ببطل قصته التي حكاها لي، فكان يستغل أي اختلاف ليأكل منه وأي قضية لينال منها دراهم معدودة، وكان أيضاً يحكي للقطط عن أحلامه وطموحاته بأنه سيكون ملك الغابة وأن أجداده كانوا أسوداً ونموراً في الماضي وأنه يجب أن يعيد أمجاد أجداده فكانت القطط تحييه وتصفق له وتهتف باسمه، ولأنها قطط غبية وضعيفة فهي تعلق الآمال عليه كثيرا، وكان كل مرة يعترض طريق الأسد «ملك الغابة» يصفعه على وجهه فيعود خائباً، وإذا رجع إلى القطط مجّدوه وأطلقوا القصص الكاذبة والخيالية، بأنه استطاع إيقاف الأسد وأن الأسد انشغل عن حكم الغابة ويفكر فيه كثيرا فتعود أحلامه إلى مخه الصغير ويفتري بحكمه على القطط الحمقاء ويأخذ قوت يومهم ابتزازا وغصبا، ويعود مرة أخرى إلى الأسد منتشيا بدعم وهتاف وشعارات القطط الحمقى فينال صفعته المعهودة فيعود خائباً.

بقي على هذه الحال، حتى صادفه سنجاب على نفس الشجرة التي ينام فيها «قردوغان» فقال له السنجاب إليك مني نصيحة فأنا أعلم عنك الكثير وقد رأيتك مع القطط ورأيتك مع الأسد، فقال قردوغان هات ما عندك: فأنا أجهل ما أنا عليه. فقال السنجاب: أنت لا تصلح ملكاً للغابة لأن حكم الغابة يحتاج للقوي الصادق الذي لا يخلف الوعود ولا ينكث العهود فلماذا لا تكون زعيم عصابة لأنك انتهازي مراوغ وجبان طماع وأفراد عصابتك هي القطط فهم يصدقونك ويمجدونك وتكون دولتك هذه الشجرة تحكمها كيف تشاء وتستغل قوت القطط لكي لا تنام بلا عشاء، وهنا صعق قردوغان وفاق من حلمه وأصبح في وعيه وأيقن أنه يعيش أكذوبة على نفسه وشعر ببرودة في جسده ورعشة في عينيه فخر مغشياً عليه ولَم يصحُ...

هنا نام طفلنا البريء دون أن أسأله من ذلك القرد ومن تلك القطط؟

* كاتب سعودي

binhadba@