تلقيت هذا الصباح تلفوناً من الصديق «نجيب عصام يماني» كان صوته مكتوم النشيج ومضطرباً، وحزيناً، وباكياً، حتى راح صوته، أعطيته كل الأصغاء وأنا لا أدري، سر التلفون، قال لي بصوت خفيض، كان يحبك، ويحترمك، ويتابعك، ويعلق على ما تكتب، لكنه راح، اعتدلت في جلستي ولم أكن أعلم عمن يتكلم «أبو أحمد» غير أنه ألقى بقنبلة لم أتوقعها، «الدكتور عاصم حمدان» مات، قلت له يبدو أنه الوداع الأخير بيني وبينه، كان يحدثني يوم الأربعاء، صدقت قلبي وهو يحدثني أنه بخير، وقريبا سينتصر على أمراضه، قريبا ستصبح تلك الأيام مجرد ذكريات، لم أكن أتخيل أنه الوداع الأخير، خاب ظني مرة أخرى، ربما تحايل هذه المرة قلبي من شدة حبي «لأبي أحمد» عاصم حمدان، فإذا به يغادر دنيانا إلى عالم أكثر تسامحاً، وودا وحبا، عالم طيب أهله، أقدر على إدراك قيمة إنسان بحجم طيبة ونقاء وتسامح «عاصم» ولكن لماذا الاستعجال يا حبيبي، وماذا أقول عن غيابك المفاجئ هذا، أما فكرت «يابو أحمد» أن تنتظر حتى تعرف نتائج «آدم» حفيدي في الثانوية، كنت تسأل عنه بالأمس القريب، أما كنت تريد أن ترى كتابي الأول، يكتمل وأنت من كان يحرضني على استكماله على عجل، ألا ترى أن الوقت ما زال يكفي لكتابة قصة مشتركة، غير صالحة للنشر، وربما سنلتقي ثانية وثالثة «ونشربها في صفحة النسيان» لكنك كما عرفتك دائما تستعجل أحلامك كما تستعجل أن تكون أول المغادرين لمجلس الوجيه «أبو الشيماء» وكنت أول الحاضرين، ها أنت تترك فراغا في صحيفه «المدينة» لا يمكن نكرانه أو التنكر له! أريد أن أصدق مرة واحدة يا «عاصم» أنك تأخرت عن موعدنا أكثر مما ينبغي، وأنت الوفي في مواعيدك حقا، لا أحد يصدق أن هذا الإنسان المسالم الهادئ البسيط المبدع الملتزم، قد ذهب دون سلام ولا تحية ولا كلمة، من يدري ربما سافرت إلى «المدينة المنورة» خلسة لزيارة حبيبك وأحبابك، كعادتك يومين وترجع!! ربما تعود!! ونذهب إلى «النخيل» نتسامر ونتحدث في ذكرى صديقنا الذي غاب «أبوغنوة» محمد صادق دياب.. ربما!! لكن المهم يا «أبو أحمد» المهم حقا، أن نسمع صوتك أو إن شئت صدى صوتك، يأتي في وحشه الليل، أو في ظهيرة النهار، سأنتظرك، هذه الليلة، وسأعرف كل شيء منك في جلسة واحدة، سأعرف أنك ما زلت مفلسا، لأنك لا تستطيع أن ترى صاحب حاجة على باب بيتك وتخذله، وأنك ما زلت تقرأ وتكتب وتحاضر وتسعى في الخير، وأن بيتك الحالي الذي انتقلت إليه أفضل حالاً مما كنت فيه، سأعرف أن «الدكتور عدنان اليافي» قال بأنه سيأتي متأخرا، وأن «نجيب يماني» سيأتي ومعه كل العقاقير الطبية التي تحتاجها للحد من مرض «الباركنسون»، وسأجد لديك الخليل «عبدالمحسن الحليت» متصدرا مجلس القلب حيث يجب أن يكون، فهو الشقيق الأكبر«لأحمد وسارة» وسأعرف منك آخر أخبار «الشيخ أحمد زكي يماني» صديقك الحميم، سأعرف كل ذلك، ولكن لا أريد أن أعرف أنك غادرتنا وإلى الأبد، مات العشرات من أصدقائي، وأنا بعيدا عنهم يا «أبا أحمد» مات عبدالله الجفري، ومحمد صادق دياب، وعبدالله أبو السمح، وأمي أيضا، رحمهم الله، واليوم وبعد أن قطعت شهورا في «جدة» أجدني حاضرا عاجزا حتى في الخروج في وداعك، الزمن والقوانين والظروف تحالفوا علي، وكانوا لي بالمرصاد، قانون جاف، قالوا لي لابد أن تكون علاقتك بالفقيد من الدرجة الأولى، لتقف على قبره، قلت لهم علاقتي به تتجاوز ذلك، وأعطيتهم ما يثبت أننا من فصيلة دم واحدة، ولم يشفع لي ذلك بالوقوف في حضرتك لوداعك «يا عاصم» أضحى مزارك بعيدا على قرب، وقريبا على بعد، وداعاً يا عمي وتاج راسي وحبيبي، أنا لا أرثيك الآن، فمن العيب أن نرثي الأحياء، أحتاج إلى وقت طويل حتى أصدق أنك لن تعود، فلا أحد يصدق أنك فعلتها «يا عاصم» حقا ومضيت، سأخرج مثلك كل يوم في ولع بالحياة، وأجلس هادئا بانتظارك حتى تأتي، ربما!!
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com