الروائية البولندية «أولغا توكارتشوك» والحائزة على جائزة نوبل للأدب لعام ٢٠١٨، والتي قدمت «بولندا» رحلات مجانية بالنقل الجماعي لمدمني القراءة، بشرط أن يكون حاملاً لأحد أعمال الكاتبة والتي فازت أيضاً بأفضل رواية لعام ٢٠١٤، وفازت بالبوكر في عام ٢٠٠٩ وتحولت روايتها «سر بمحراثك فوق عظام القتلى» إلى فيلم، وتُرجمت أعمالها إلى ٢٥ لغة، كتبت واحدة من أجمل النصوص الذي تناول وباء «الكورونا» والذي هز العالم منذ أشهر، وجعل البشر ينفقون كالبهائم ويدفنون كالغرباء، كتبت مقالتها من مدينة «فروتسواف» غرب بولندا، من مدينة تغفو على كتف نهر «أودر» مدينة غارقة في بعدها، مدينة من القرميد النبيذي، تحيط بها الغابات الملونة بأجنحة العصافير، نصا بديعا بالبولندية، ترجم إلى عدة لغات، ونشر في صحف ومجلات عالمية، وحظي برواج في أوسط القراء، لما يحمل من نظرة مختلفة إلى قضية هذا الوباء، تجمع في المقال بين المقارنة الذاتية والتحليل العميق، والجرأة في قول الحقيقة، وفضح الملابسات التي أحاطت بظروف الوباء، والتي تشكل مادة سجال عالمي واجتماعي وثقافي، قرأت وصفها البديع في صحيفه «الإندبندنت» الإنجليزية، عن مدينتها التي أصبحت بعد «كورونا» غيمة سوداء، الشوارع فيها تحمل الخوف والبكاء والفقد، تجلس «أولغا» بهدوء إلى جوار نافذة غرفتها، تلملم شعرها العسلي فوق رأسها، وتسترخي على الكنبة، تريح ظهرها على المسند الطري، وتصف الطريق الخالي أمامها إلا من شجرة التوت البيضاء المفتونة بها، وامرأة منزوية تدخن سيجارتها وتعتصم بظهرها عن الريح، وكلب عجوز يرقد في الأرض الموحلة بعد المطر، كان المطر قد كف، ولكن رائحته كانت لا تزال باقية في الهواء، الذي ازدادت رطوبته، تصف مشاعرها، تجاه إغلاق دور السينما، وإغلاق مركز التسويق أن ذلك لم يحظ باهتمامها، بالقدر الذي يقلقها الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، تقوم وهي في الأسر المعنوي، بترتيب خزانة ملابسها، تخرج الصحف المكدسة التي قرأتها وتضعها في سلة إعادة التدوير، ترتب الزهور، وتستعيد دراجتها، من المحل حيث تم تصليحها، تفعل كل ذلك، وتعاود تأمل الأشجار التي تنمو على ضفاف الخوف في حياة بدون مجال، حيث ترى ألوان الصباح لونا واحدا، لون أسود يخلو من كل شيء، كما الجرة الفارغة عندما تنكسر، لا يتدفق منها شيء، أيضاً الحياة تكون فارغة، إذا خلت من البشر، والضجيج، ومن ضوء الشمس المنعكس على جباه الأطفال الراكضين إلى مدارسهم، تقول إن الفيروس، أثبت أننا مخلوقات ضعيفة للغاية، نتكون من أكثر المواد هشاشة، وإننا كائنات مرتبطة ببقية الكائنات الأخرى، عبر خيوط غير مرئية، من التبعية والتأثر، بغض النظر عن المسافات القائمة بين البلدان التي ننحدر منها، أو اللغات التي نتكلم بها، أو لون بشرتنا، فإننا نعاني في النهاية من المرض نفسه، ونتقاسم المخاوف نفسها، ونموت بالطريقة نفسها، وإن هذا الفيروس جعلنا ندرك أننا محاطون أيضاً، بأشخاص أكثر ضعفا منا، وإن مساعدتنا لهم ضرورية وتصنف في خانة الواجب، آباؤنا وأجدادنا والمتقدمون في السن، ومدى حاجتهم لرعايتنا، وطرح علينا هذا الفيروس سؤالا نادرا، ما كان لدينا الجرأة على طرحه على أنفسنا من قبل وهو، ما هو تحديدا ما نواصل البحث عنه في حياتنا؟ تواصل في مقالها حديثها فتقول، لقد نبهنا هذا الفيروس، إلى حقيقة قديمة أخرى وهي إلى أي مدى نحن كبشر غير متساوين، فبينما سافر بعضنا من الأثرياء في طائرتهم الخاصة إلى منازل يملكونها في جزر نائية، بقي آخرون في المدن كي يديروا مرافق الحياة، ويخاطروا بحياتهم من خلال عملهم في المستشفيات وحفظ الأمن، تضيف أن هذا الوباء سيجعل من البعض أثرياء، أو قد يزيدهم ثراء، وسيخسر آخرون كل ما يملكون من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وسيرفع هذا الفيروس أناسا من تحت خط الفقر إلى خط الفقر، ومن شأن هذه الأزمة أن تقوض كل المبادئ التي كانت تبدو متينة جدا للبعض، وتشير أيضاً إلى أن هناك عدة بلدان لن تتمكن من إدارة هذه الأزمة وستسقط، وفي مقابل سقوطها، سوف تنهض بلدان أخرى، كما هو الحال غالبا في كل الأزمات، وتنهي نصها قائلة، نحن نعتقد أننا نلزم المنازل ونقرأ الكتب، ونشاهد التلفزيون، ولكن في الواقع، نحن نعد أنفسنا، لمعركة حول واقع جديد، لا يمكننا تخيله، مدركين بهدوء أن لا شيء سيعود كما كان، وأن زمنا جديدا يقترب منا، أشياء كثيرة تجعلني أنزف من التعب كالضوء في المنزل المهجور يتعذب، تهزني، تطرد النوم عني، وهذا شيء طبيعي فالخائف لا ينام!! انتهى.. ورأيي ورزقي على الله على قول المرحوم الحبيب ثامر الميمان، أن من ينتظر أن تمر أزمة «كورونا» كي ترجع حياته كما كانت، فقد فاته الدرس كله.. ويا أمان الخائفين!!
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com
* كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com