-A +A
فهيم الحامد
في الوقت الذي التزم فيه الإعلام الدولي في العديد من الدول بالمصداقية والتركيز في الوقاية من فايروس كورونا، لجأت وسائل إعلام في دول أخرى إلى نشر الأكاذيب والتهويل من الفايروس وانتشاره، مدفوعة بحجة السبق الإعلامي، الأمر الذي أدى للنشر والترويج لتقارير مغلوطة.. وليس هناك شك أن منظومة الإعلام الرسمي وكافة هيئاتها ومنصاتها الرقمية كانت أمام اختبار حقيقي وصعب كونها تتعامل مع الإعلام الوبائي للمرة الأولى؛ في الوقت الذي أصبح الإعلام العالمي هو الذي يقود الجائحة ويرسم بوصلتها في عصر الوباء الذي غير ملامح كوكب الأرض، وحوّله لقرية تطبيقية إعلامية صغيرة على الجوال.. وكمراقب يمكنني القول إن منظومة الإعلام الرسمية استطاعت تجاوز الصدمة الأولى التي حدثت للمجتمعات في العالم والمجتمع السعودي كونه جزءاً منه، هذه الصدمة التي تمحورت في القلق وحالة عدم الاتزان في الوهلة الأولى في طبيعة التصدي لجائحة عالمية؛ بيد أنها أعادت تموضعها سريعاً من خلال إعطاء جرعات من الطمأنة بقدرة الدولة في التعامل مع الأزمة وتوفيرالاحتياجات الصحية والغذائية، وإبراز المحفزات التي قدمت للقطاع الخاص وتنفيذ الإجراءات الاحترازية بحزم.

إن معيار النجاح الأساسي للمنظومة الإعلامية تمحور في الشفافية والمصداقية وسرعة نشر البيانات عن الجائحة فضلاً عن الترتيب لإيجاز إعلامي، الأمر الذي ساهم في وصول المعلومة إلى الداخل والخارج وتم دعم ذلك من خلال المنصات الرقمية والإعلام الجدبد، خصوصاً أن ترجمة الإيجاز باللغة الإنجليزية كان خطوة لاستهداف المقيمين.


ومقارنة بأداء المنظومة الإعلامية الرسمية منذ سنوات والتموضع الجديد في زمن الجائحة؛ الذي كان حتماً المحرك الرئيسي في تكامل عمل المنظومة الإعلامية لمواجهة الوباء العالمي؛ حيث أظهرت حراكاً مختلفاً رغم عدم وجود تجربة لها في مجال التعامل مع الإعلام الوبائي؛ إلا أنه تم تسخير الإمكانيات؛ وحشد كل الجهود لإبراز هدف الدولة الإستراتيجي وهو الحفاظ على صحة وقيمة الإنسان بلا تمييز، وهو الذي يحتم استثماره كاملاً في الخارج وشرح كيفية إدارة المملكة، وتوظيف ذلك في تعزيز صورتها وتقوية رأس المال المعنوي للمنظومة السعودية في الخارج. على الضفة الأخرى، أظهرت الجائحة مخرجات وإضافات نوعية في المشهد الإعلامي. فمنذ 13 مارس الماضي وحتى اليوم ظهرت شخصيات سعودية مشرفة في قنوات التلفزيون السعودية بانتظام؛ للحديث عن تطورات الفايروس؛ حتى أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من البرنامج اليومي للمجتمع السعودي؛ لتحديث الأرقام والإحصائيات بشفافية؛ إلى جانب تسليط المعطيات التي تتعلق بالوضع الأمني بمنع التجول، فضلاً عن إعطاء الصورة الكلية عن أوضاع السوق التموينية والغذائية، في خطوة عكست التكامل بين القطاعات وتطلبت توحيد الرسائل الإعلامية، إلى جانب ظهور عشرات المراسلين والمراسلات في القنوات السعودية في عمل إعلامي ميداني مهني رائع.. وليس هناك رأيان أن كلاً من متحدث وزارة الصحة محمد عبدالعالي، ومتحدث وزارة الداخلية المقدم طلال الشلهوب ومتحدث وزارة التجارة عبدالرحمن الحسين، نجحوا بامتياز في أداء أدوارهم وتصدروا المشهد الإعلامي، إلى جانب المتحدثين من الوزارات الأخرى.. وأيضاً الجنود المجهولون الذين عملوا على مدار الساعة في المركز الإعلامي وخارجه من كل قطاعات الدولة بصمت وهدوء بعيداً عن أنظار الكاميرا، حيث كان هدفهم الالتزام بالشعار «كلنا مسؤول» فتحية لهؤلاء الأبطال وشكراً لاتكفيهم.

المهمة لم تنته بعد؛ فإعلام مرحلة الإغلاق على وشك الانتهاء. وتبدأ نظرية الإعلام الوبائي الحقيقي في نشاطها الأصعب في زمن العودة التي يختلف التعامل معها جذرياً في مرحلة الإغلاق.. فلنتذكر معاً مصطلح الإعلام الوبائي الذي يجب الاستفادة من تجربة الإعلاميين وتوظيف قدراتهم التي حققت تجارب تراكمية وصناعة جيل إعلامي متخصص في الإعلام الوبائي والبيولوجي..

وكما بدأنا بالحيادية ننهي بالقول على المنظومة الإعلامية الرسمية، استكشاف مناطق الضعف في المنظومة وتقويتها ومناطق القوة وتعزيزها، وليس هناك عمل كامل والزيادة والنقص وارد جداً.. وتبقى التجارب التي تذكي وتصقل القدرات.. ومن أولويات المرحلة التركيز على كيفية نقل قصص النجاح التي تحققت في زمن الجائحة إلى العالم؛ فضلاً عن التحرك في المحيط الإقليمي والإسلامي والعالمي حاملين رسالة قيم الإنسان والإنسانية التي برهنت الدولة أنها حاملة المشعل في العالم قولاً وفعلاً.. ونحتاج بشفافية تغيير الخريطة الوراثية للتعامل مع الإعلام الدولي.. إذا تصدرت المكاشفة.. نجحت المهمة.. حتى لو كانت مستحيلة.

كاتب سعودي

falhamid2@