أطلقت وزارة الصناعة والثروة المعدنية في المملكة مؤخرا، حزمة من المبادرات تستهدف النهوض بالقطاع الصناعي وإسناد الصناعيين للحيلولة دون تأثر هذا القطاع الحيوي بتداعيات وباء كورونا. كما أن الوزارة تعكف على العديد من المبادرات في قطاع التعدين لإطلاقها في المرحلة المقبلة. فهل تكفي هذه المبادرات والبرامج للتنبؤ بإرهاصات وميلاد ثورة صناعية سعودية قادمة مبنية على عوامل ذاتية وعلى الدمار الذي ألحقته جائحة كورونا في دول العالم ومنها الدول الصناعية؟
يحدثنا التاريخ الأوروبي أن الجوائح والأوبئة التي هزت أركان وأساسات المجتمعات الأوروبية، هي السبب الجوهري بقلب الموازين وإحداث ما بات يعرف لاحقا بالثورة الصناعية، التي غيرت وجه العالم، فضلا عن تغييرها لأوروبا نفسها. فما هي حظوظنا في العالم العربي بشكل عام والمملكة بشكل خاص من تلك الثورة الصناعية المتوقعة والمنتظرة بعد جائحة كورونا؟
فهل ستنطلق الثورة الصناعية العربية من الريف أم من حواضر المدن العربية؟ وهل ستكون الجامعات العربية حاضنة لولادة هذه الصناعات العربية المنتظرة ؟ وهل حظوظ هذه الثورة الصناعية العربية في الدول المستقرة أم في الدول التي تشهد حروبا وانهيارات في بناها التحتية وأنظمتها؟
هل ستكون حظوظ الثورة الصناعية العربية المنتظرة في دول الموارد البشرية أم في دول الموارد المالية أم في دول الموارد الطبيعية؟ وهل ستكون ولادة عصر الصناعات العربية والازدهار طبيعية أم قيصرية؟
يقول روبرت جوفتفريد في كتابه الشهير الموت الأسود... جائحة طبيعية وبشرية في عالم العصور الوسطى، إنه خلال الجائحة الثانية للطاعون التي امتدت ما بين 1348 و1722 مات حوالى 25 مليون شخص، واستغرقت أوروبا قرابة 200 عام حتى يعود عدد السكان إلى معدله الطبيعي، وهذا ما سرع في حدوث النهضة الأوروبية والتحول من أوروبا المتخلفة إلى أوروبا الحديثة، لأن هناك علاقة مباشرة بين تطور التقنية والانحدار السكاني، حيث أدى الطاعون أو «الموت الأسود» إلى الدفع بتطور التقنية الصناعية وتسريع تطوير أنظمة التعليم المدني لقيادة الإصلاح.
في الحقيقة هناك عدة دول عربية مهيأة لإطلاق ثورتها الصناعية ودخول عصر الازدهار، بينها المملكة. لكن المملكة بما لديها من سوق كبير لمنتجاتها، وما لديها من بنية تحتية حديثة، فضلا عما توفره مواردها الطبيعية والمالية والبشرية من ميزة، تعد ربما الأوفر حظا في أن تكون رائدة بين الدول الصناعية المنتظرة والمتوقعة في المنطقة. فالمملكة تمتاز بالإضافة إلى كل ما سبق بأن لديها رؤية واضحة وهي رؤية 2030.
لكن الطريق لا تزال طويلة أمام وزارة الصناعة، والوزارة رغم أهمية ما تقدمه من مبادرات، لا تزال بعيدة عن الثقافات المجتمعية الصناعية المستندة إلى حاضنة ثقافية صناعية تغذي المرحلة القادمة للتحول الصناعي في المملكة.
مبادرات الصناعة تنطلق إما من رأس المال أو من الموارد الطبيعية، وأغفلت الصناعات التي تنطلق من الثقافات المحلية. لا بد لوزارة الصناعة من أن تصل لقاع المجتمع، من خلال ثقافات العمل السائدة في كل مجتمع من مجتمعات المملكة. على سبيل المثال، لا بد من استهداف المجتمعات والثقافات الزراعية بمبادرة صناعات زراعية ودوائية، واستهداف المجتمعات والثقافات البحرية بمبادرة صناعات بحرية، واستهداف المجتمعات والثقافات الصحراوية بصناعات الزجاج ومواد البناء وهكذا مع بقية المجتمعات والثقافات المحلية. على أن تكون هناك شراكات تعقدها الوزارة مع الجامعات السعودية في كل منطقة من المناطق ذات الهوية الصناعية. كما أن على الغرف التجارية الصناعية أن تطلق ذراعها الصناعية، بجانب ذراعها التجارية.
كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
يحدثنا التاريخ الأوروبي أن الجوائح والأوبئة التي هزت أركان وأساسات المجتمعات الأوروبية، هي السبب الجوهري بقلب الموازين وإحداث ما بات يعرف لاحقا بالثورة الصناعية، التي غيرت وجه العالم، فضلا عن تغييرها لأوروبا نفسها. فما هي حظوظنا في العالم العربي بشكل عام والمملكة بشكل خاص من تلك الثورة الصناعية المتوقعة والمنتظرة بعد جائحة كورونا؟
فهل ستنطلق الثورة الصناعية العربية من الريف أم من حواضر المدن العربية؟ وهل ستكون الجامعات العربية حاضنة لولادة هذه الصناعات العربية المنتظرة ؟ وهل حظوظ هذه الثورة الصناعية العربية في الدول المستقرة أم في الدول التي تشهد حروبا وانهيارات في بناها التحتية وأنظمتها؟
هل ستكون حظوظ الثورة الصناعية العربية المنتظرة في دول الموارد البشرية أم في دول الموارد المالية أم في دول الموارد الطبيعية؟ وهل ستكون ولادة عصر الصناعات العربية والازدهار طبيعية أم قيصرية؟
يقول روبرت جوفتفريد في كتابه الشهير الموت الأسود... جائحة طبيعية وبشرية في عالم العصور الوسطى، إنه خلال الجائحة الثانية للطاعون التي امتدت ما بين 1348 و1722 مات حوالى 25 مليون شخص، واستغرقت أوروبا قرابة 200 عام حتى يعود عدد السكان إلى معدله الطبيعي، وهذا ما سرع في حدوث النهضة الأوروبية والتحول من أوروبا المتخلفة إلى أوروبا الحديثة، لأن هناك علاقة مباشرة بين تطور التقنية والانحدار السكاني، حيث أدى الطاعون أو «الموت الأسود» إلى الدفع بتطور التقنية الصناعية وتسريع تطوير أنظمة التعليم المدني لقيادة الإصلاح.
في الحقيقة هناك عدة دول عربية مهيأة لإطلاق ثورتها الصناعية ودخول عصر الازدهار، بينها المملكة. لكن المملكة بما لديها من سوق كبير لمنتجاتها، وما لديها من بنية تحتية حديثة، فضلا عما توفره مواردها الطبيعية والمالية والبشرية من ميزة، تعد ربما الأوفر حظا في أن تكون رائدة بين الدول الصناعية المنتظرة والمتوقعة في المنطقة. فالمملكة تمتاز بالإضافة إلى كل ما سبق بأن لديها رؤية واضحة وهي رؤية 2030.
لكن الطريق لا تزال طويلة أمام وزارة الصناعة، والوزارة رغم أهمية ما تقدمه من مبادرات، لا تزال بعيدة عن الثقافات المجتمعية الصناعية المستندة إلى حاضنة ثقافية صناعية تغذي المرحلة القادمة للتحول الصناعي في المملكة.
مبادرات الصناعة تنطلق إما من رأس المال أو من الموارد الطبيعية، وأغفلت الصناعات التي تنطلق من الثقافات المحلية. لا بد لوزارة الصناعة من أن تصل لقاع المجتمع، من خلال ثقافات العمل السائدة في كل مجتمع من مجتمعات المملكة. على سبيل المثال، لا بد من استهداف المجتمعات والثقافات الزراعية بمبادرة صناعات زراعية ودوائية، واستهداف المجتمعات والثقافات البحرية بمبادرة صناعات بحرية، واستهداف المجتمعات والثقافات الصحراوية بصناعات الزجاج ومواد البناء وهكذا مع بقية المجتمعات والثقافات المحلية. على أن تكون هناك شراكات تعقدها الوزارة مع الجامعات السعودية في كل منطقة من المناطق ذات الهوية الصناعية. كما أن على الغرف التجارية الصناعية أن تطلق ذراعها الصناعية، بجانب ذراعها التجارية.
كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org