عنوان المقال مستوحى من كتاب (الإسلام في الأسر. من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة؟) للكاتب الليبي الدكتور الصادق النيهوم الأستاذ في جامعة جنيف المُتوفى عام ١٩٩٤م.
جاء في أحد فصول الكتاب تحت عنوان «كيف نستطيع أن نكون عرباً ومعاصرين؟» ونحن نستخدم كلمات ومصطلحات بعيدة عن واقعها ونشأتها.
«كلمة الصحافة تعني في وطنها الأصلي أن المنشورات تصدر في بيئة الاقتصاد الحر التي نشأت عن ظهور الديموقراطيات الرأسمالية في غرب أوروبا. فهذه بيئة تقوم أساسًا على حرية النشر والإعلان، وتعتبر الصحافة سلطة دستورية رابعة لها حق القرار والتنفيذ. لكن نقل هذا المصطلح إلى واقع مختلف، يعني أنه كلمة من دون واقع».
ويقول الكاتب: «كلمة ديموقراطية تعني في وطنها أن جميع القرارات يتم اتخاذها بعد إحصاء الأصوات. فالمجتمع الرأسمالي الذي يتداول هذا المصطلح مجتمع قام منذ عصر أثينا على مبدأ تحكيم السوق، وإخضاع الإدارة لرغبات الزبون. وهو مبدأ يعمل تلقائيًا لخدمة رأس المال، ويتجه لاسترضاء الأغلبية بجميع السبل، بما في ذلك سبل التضليل. لكن الكلام عن الديموقراطية في مجتمع من دون عمال، ومن دون رأسمال، مجرد كلام غير ضروري، بين ناس غير ضروريين، لا أحد يريد أن يسترضيهم، ولا أحد يهمه أمرهم، وليس لهم صوت، وليس لصوتهم ثمن».
«كلمة الجامع في الإسلام صيغة أخرى من صيغ السلطة الجماعية. إنه مقر مفتوح يرتاده الناس كل يوم، ولهم حق الاجتماع فيه». ويذهب الكاتب إلى أن الخلط بين وظيفة المسجد وبين وظيفة الجامع هو الذي تسبب في القضاء على هذه الفكرة في مهدها وبداياتها. وأن وظيفة الجامع أصبحت غير مُفعلة ولم يعد الجامع قاعة مناسبات ومكان اجتماع وفعاليات وسمر وفرح وتجمع وصلة بين سكان الحي وإدارة شؤون الحي وثقافة وغير ذلك من وظائف.
في المقابل كثرت المساجد وضاع دور الجامع كما ضاع دور الجماعة بتنوعها وتباينها، وتبدد دورها في الاهتمام بشأنها والسهر على تحقيق غاياتها وأهدافها.
الروحانيات أيضًا غابت بنقائها وحبها وشغفها وإيمانياتها وبعدها الروحي وجمالها وإنسانيتها. كل هذه التفاصيل البعيدة عن الماديات شبه تلاشت وتبقى منها الشكل المادي والطقوس الشكلية التي طغت على الموضوع.
يرى الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (Arthur Schopenhauer) أن الروحانية نوع من تنزيه النفس، والزهد، والاعتراف بارتباط الذات بكل ما حولها أساسات الحياة الأخلاقية.
هذه الروحانيات التي تأخذنا بعيدًا عن الأنانية وعن سلطة الإنسان إلى آفاق أرحب، سُرقت أيضًا كما سُرق الجامع وأصبحت في الأسر.
كاتب سعودي
yamani.osama@gmail.com
جاء في أحد فصول الكتاب تحت عنوان «كيف نستطيع أن نكون عرباً ومعاصرين؟» ونحن نستخدم كلمات ومصطلحات بعيدة عن واقعها ونشأتها.
«كلمة الصحافة تعني في وطنها الأصلي أن المنشورات تصدر في بيئة الاقتصاد الحر التي نشأت عن ظهور الديموقراطيات الرأسمالية في غرب أوروبا. فهذه بيئة تقوم أساسًا على حرية النشر والإعلان، وتعتبر الصحافة سلطة دستورية رابعة لها حق القرار والتنفيذ. لكن نقل هذا المصطلح إلى واقع مختلف، يعني أنه كلمة من دون واقع».
ويقول الكاتب: «كلمة ديموقراطية تعني في وطنها أن جميع القرارات يتم اتخاذها بعد إحصاء الأصوات. فالمجتمع الرأسمالي الذي يتداول هذا المصطلح مجتمع قام منذ عصر أثينا على مبدأ تحكيم السوق، وإخضاع الإدارة لرغبات الزبون. وهو مبدأ يعمل تلقائيًا لخدمة رأس المال، ويتجه لاسترضاء الأغلبية بجميع السبل، بما في ذلك سبل التضليل. لكن الكلام عن الديموقراطية في مجتمع من دون عمال، ومن دون رأسمال، مجرد كلام غير ضروري، بين ناس غير ضروريين، لا أحد يريد أن يسترضيهم، ولا أحد يهمه أمرهم، وليس لهم صوت، وليس لصوتهم ثمن».
«كلمة الجامع في الإسلام صيغة أخرى من صيغ السلطة الجماعية. إنه مقر مفتوح يرتاده الناس كل يوم، ولهم حق الاجتماع فيه». ويذهب الكاتب إلى أن الخلط بين وظيفة المسجد وبين وظيفة الجامع هو الذي تسبب في القضاء على هذه الفكرة في مهدها وبداياتها. وأن وظيفة الجامع أصبحت غير مُفعلة ولم يعد الجامع قاعة مناسبات ومكان اجتماع وفعاليات وسمر وفرح وتجمع وصلة بين سكان الحي وإدارة شؤون الحي وثقافة وغير ذلك من وظائف.
في المقابل كثرت المساجد وضاع دور الجامع كما ضاع دور الجماعة بتنوعها وتباينها، وتبدد دورها في الاهتمام بشأنها والسهر على تحقيق غاياتها وأهدافها.
الروحانيات أيضًا غابت بنقائها وحبها وشغفها وإيمانياتها وبعدها الروحي وجمالها وإنسانيتها. كل هذه التفاصيل البعيدة عن الماديات شبه تلاشت وتبقى منها الشكل المادي والطقوس الشكلية التي طغت على الموضوع.
يرى الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (Arthur Schopenhauer) أن الروحانية نوع من تنزيه النفس، والزهد، والاعتراف بارتباط الذات بكل ما حولها أساسات الحياة الأخلاقية.
هذه الروحانيات التي تأخذنا بعيدًا عن الأنانية وعن سلطة الإنسان إلى آفاق أرحب، سُرقت أيضًا كما سُرق الجامع وأصبحت في الأسر.
كاتب سعودي
yamani.osama@gmail.com