بتطواف عابر على مجمل التنظيرات الفلسفية العديدة حول مفهوم «حقوق الإنسان» نخلص إلى أن هذا المفهوم «مصطلح سائل»، يجري على الألسنة والفهوم وفق تقديراتها المبنية على مكوناتها الثقافية والاجتماعية وشروط حياتها المتباينة، بما يكسب المفهوم ديناميكية وحيوية في المنظور الإيجابي، وحيرة والتباسًا لمن ينشدون قوالب لفظية جامعة تؤصّل لهذا المفهوم بخاصة وأنه أصبح مصطلحًا عولميًا منذ تشكيل عصبة الأمم المتحدة، وصدور توصية الجمعية العامة للعام 1948 بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بهذا الإعلان دخلت شعوب العالم أجمع مرحلة جديدة مع مصطلح حقوق الإنسان بحيث تواطأت على اعتباره مبادئ أخلاقية ومعايير اجتماعية تقر بحق الإنسان في التمتع بالعديد من الحقوق الأساسية، التي تهدف في مجملها إلى صون كرامته، وضمان عيشه.
ولم تكن المملكة العربية السعودية منذ ملحمة التوحيد بمعزل عن الاتساق والتماهي الإيجابي مع الأسرة الدولية في هذه المبادئ النبيلة وهي في ذلك إنما تسلك مسلكًا طبيعيًا، عرف به إنسان الجزيرة العربية أزلاً وتعمّق بصورة أكبر بشرف احتضان الرسالة الإسلامية وما تنطوي عليه من أرقى معاني حقوق الإنسان، وصيانة نفسه وماله وعرضه، وكل ما يتصل بحياته، وقد أرسى نبي الأمة قواعد المساواة ووصف الناس بأنهم كأسنان المشط لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، وأن النساء شقائق الرجال، وأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، ويقول الحق سبحانه: «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وقولة تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين». وأنه لا إكراه في الدين، وغيرها كثير في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فمن الجائز القول بأن المملكة صاحبة قدم راسخ في مفهوم الحقوق الإنسانية ورعايتها، من قبل أن يعرفها العالم أجمع بمفهومها الحديث استقتها من الشريعة الإسلامية.
ولو تجاوزنا الشواهد التاريخية على ذلك في ما سلف من العصور، وقصرنا النظر والتأمل في جهود المملكة مع المجتمع الدولي لترسيخ وتأصيل وتوطين مفاهيم حقوق الإنسان، بما يشكل حالة انسجام تام فلنا في النظام الأساسي للحكم الذي أصدره الملك المؤسس -طيّب الله ثراه- مندوحة وكفاية، حيث نصّت إحدى مواد هذا النظام على أن «تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية»، وعلى هذا النهج سارت مسيرة المملكة بوصفها عضوًا مؤسسًا لهيئة الأمم المتحدة منذ إنشائها.
هذا الانتماء المبكّر كانت محصلته إسهام المملكة في تأسيس العديد من المنظمات الدولية والإقليمية الهادفة إلى تحقيق الأمن والسلام والعدل، لحماية حقوق الإنسان، في كافة أنظمتها الحقوقية والقضائية وأنظمة العمل، والصحة، والتعليم، والتأمينات الاجتماعية وغيرها، بما تضمنته من أحكام تفصيلية للمبادئ الواردة في النظام الأساسي للحكم، وبوسع أي راغب في التفاصيل أن يقف عليها في مظانها على مواقع البحث المعروفة، حيث سيقف على تفاصيل أنظمة عديدة، مثل: نظام الحماية من الإيذاء، ونظام حماية الطفل، ونظام رعاية المعوقين، ونظام المطبوعات والنشر، ونظام مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، ولائحة عُمَّال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، ولم يقف الأمر عند هذه الأنظمة المعمول بها حيث ظلت الأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء تصدر متى دعت الحاجة لتأصيل وترسيخ مبدأ من مبادي حفظ حقوق الإنسان وصيانة مكتسابته، ونشير فقط إلى الضوابط الخاصة بعلاقة صاحب العمل بالعامل الوافد، التي أقرها مجلس الوزراء قبل عقدين من الزمن، والتوصيات المتعلقة بحقوق المرأة، كما كان لإنشاء هيئة حقوق الإنسان في العام 2005م، ومنحها كافة الصلاحيات لأداء مهامها باستقلالية وحرية رسالة بليغة للمجتمع الدولي، ونسف لكافة الادعاءات المغرضة التي ظلت تروّج لها بعض المنظمات العميلة لتمرير أجندات سياسية معادية للمملكة باستغلال واضح لنافذة حقوق الإنسان..
إن سجل المملكة المحلي والإقليمي والعالمي مع حقوق الإنسان حافل بالشواهد والمنجزات المضيئة التي تقف شاهدًا على حرص المملكة قيادة وشعبًا على الذود عن هذه الحقوق وصيانتها، والتفاعل الإيجابي مع العالم أجمع في هذا المجال، وفقاً للمعايير الدولية، وفي ضوء أحكام الشريعة الإسلامية.
إن تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمان الأسري، ومجلس شؤون الأسرة، والعديد من مؤسسات حقوق الإنسان الحكومية وغير الحكومية، فضلاً عن مساهماتها في اتفاقيات الأمم المتحدة الرئيسية لحقوق الإنسان، ومنها اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، هي جهود ومواقف ستشغل صفحات التاريخ، بما يحملنا إلى القول بأن مفهوم حقوق الإنسان راسخ في المملكة ومتجذر ببعدين: إنساني وديني.. وكلا البعدين لا ينفصلان عن بعضهما سواء على مستوى السلوك الجمعي أو اللوائح والأنظمة الضابطة لهما.
واليوم على العالم أن يعقد المقارنة بين من جعلوا من قضية حقوق الإنسان شعارات ترفع، ونظريات يحاكمون الناس بها، ولا يحتكمون إليها في أول اختبار حقيقي، فما أظهرته جائحة كورونا من تداعيات محّصت أصحاب الادعاءات، كما أنها جلّت مواطن الوعي الراسخ بقيمة الإنسان، من حيث هو إنسان، وحفظ كرامته، وصيانة حقوقه. لتؤكد قيادة المملكة أنها راعية حقوق الإنسان فعلاً لا قولاً، وإن قيادتها من رجاحة العقل، ونبل المقصد وسمة الهمة، ما يجعل صنيعها مثالاً للجميع، ونموذجًا للعالم أجمع، فقدمت رياحين الحياة وغيث الخصوبة لكل من يعيش على هذه الأرض ونجحت بامتياز في وثيقة حقوق الإنسان.
كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
ولم تكن المملكة العربية السعودية منذ ملحمة التوحيد بمعزل عن الاتساق والتماهي الإيجابي مع الأسرة الدولية في هذه المبادئ النبيلة وهي في ذلك إنما تسلك مسلكًا طبيعيًا، عرف به إنسان الجزيرة العربية أزلاً وتعمّق بصورة أكبر بشرف احتضان الرسالة الإسلامية وما تنطوي عليه من أرقى معاني حقوق الإنسان، وصيانة نفسه وماله وعرضه، وكل ما يتصل بحياته، وقد أرسى نبي الأمة قواعد المساواة ووصف الناس بأنهم كأسنان المشط لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، وأن النساء شقائق الرجال، وأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، ويقول الحق سبحانه: «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وقولة تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين». وأنه لا إكراه في الدين، وغيرها كثير في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فمن الجائز القول بأن المملكة صاحبة قدم راسخ في مفهوم الحقوق الإنسانية ورعايتها، من قبل أن يعرفها العالم أجمع بمفهومها الحديث استقتها من الشريعة الإسلامية.
ولو تجاوزنا الشواهد التاريخية على ذلك في ما سلف من العصور، وقصرنا النظر والتأمل في جهود المملكة مع المجتمع الدولي لترسيخ وتأصيل وتوطين مفاهيم حقوق الإنسان، بما يشكل حالة انسجام تام فلنا في النظام الأساسي للحكم الذي أصدره الملك المؤسس -طيّب الله ثراه- مندوحة وكفاية، حيث نصّت إحدى مواد هذا النظام على أن «تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية»، وعلى هذا النهج سارت مسيرة المملكة بوصفها عضوًا مؤسسًا لهيئة الأمم المتحدة منذ إنشائها.
هذا الانتماء المبكّر كانت محصلته إسهام المملكة في تأسيس العديد من المنظمات الدولية والإقليمية الهادفة إلى تحقيق الأمن والسلام والعدل، لحماية حقوق الإنسان، في كافة أنظمتها الحقوقية والقضائية وأنظمة العمل، والصحة، والتعليم، والتأمينات الاجتماعية وغيرها، بما تضمنته من أحكام تفصيلية للمبادئ الواردة في النظام الأساسي للحكم، وبوسع أي راغب في التفاصيل أن يقف عليها في مظانها على مواقع البحث المعروفة، حيث سيقف على تفاصيل أنظمة عديدة، مثل: نظام الحماية من الإيذاء، ونظام حماية الطفل، ونظام رعاية المعوقين، ونظام المطبوعات والنشر، ونظام مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، ولائحة عُمَّال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، ولم يقف الأمر عند هذه الأنظمة المعمول بها حيث ظلت الأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء تصدر متى دعت الحاجة لتأصيل وترسيخ مبدأ من مبادي حفظ حقوق الإنسان وصيانة مكتسابته، ونشير فقط إلى الضوابط الخاصة بعلاقة صاحب العمل بالعامل الوافد، التي أقرها مجلس الوزراء قبل عقدين من الزمن، والتوصيات المتعلقة بحقوق المرأة، كما كان لإنشاء هيئة حقوق الإنسان في العام 2005م، ومنحها كافة الصلاحيات لأداء مهامها باستقلالية وحرية رسالة بليغة للمجتمع الدولي، ونسف لكافة الادعاءات المغرضة التي ظلت تروّج لها بعض المنظمات العميلة لتمرير أجندات سياسية معادية للمملكة باستغلال واضح لنافذة حقوق الإنسان..
إن سجل المملكة المحلي والإقليمي والعالمي مع حقوق الإنسان حافل بالشواهد والمنجزات المضيئة التي تقف شاهدًا على حرص المملكة قيادة وشعبًا على الذود عن هذه الحقوق وصيانتها، والتفاعل الإيجابي مع العالم أجمع في هذا المجال، وفقاً للمعايير الدولية، وفي ضوء أحكام الشريعة الإسلامية.
إن تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمان الأسري، ومجلس شؤون الأسرة، والعديد من مؤسسات حقوق الإنسان الحكومية وغير الحكومية، فضلاً عن مساهماتها في اتفاقيات الأمم المتحدة الرئيسية لحقوق الإنسان، ومنها اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، هي جهود ومواقف ستشغل صفحات التاريخ، بما يحملنا إلى القول بأن مفهوم حقوق الإنسان راسخ في المملكة ومتجذر ببعدين: إنساني وديني.. وكلا البعدين لا ينفصلان عن بعضهما سواء على مستوى السلوك الجمعي أو اللوائح والأنظمة الضابطة لهما.
واليوم على العالم أن يعقد المقارنة بين من جعلوا من قضية حقوق الإنسان شعارات ترفع، ونظريات يحاكمون الناس بها، ولا يحتكمون إليها في أول اختبار حقيقي، فما أظهرته جائحة كورونا من تداعيات محّصت أصحاب الادعاءات، كما أنها جلّت مواطن الوعي الراسخ بقيمة الإنسان، من حيث هو إنسان، وحفظ كرامته، وصيانة حقوقه. لتؤكد قيادة المملكة أنها راعية حقوق الإنسان فعلاً لا قولاً، وإن قيادتها من رجاحة العقل، ونبل المقصد وسمة الهمة، ما يجعل صنيعها مثالاً للجميع، ونموذجًا للعالم أجمع، فقدمت رياحين الحياة وغيث الخصوبة لكل من يعيش على هذه الأرض ونجحت بامتياز في وثيقة حقوق الإنسان.
كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com