• الأسبوع الماضي، في أوج الاحتجاجات العارمة، التي وصلت إلى محيط البيت الأبيض، لمقتل المواطن الأمريكي الأسود (جورج فلويد)، على يد أفراد من شرطة مدينة منيابوليس، بولاية مينيسوتا، سرت شائعات تزعم: أن الرئيس ترمب لجأ إلى المخبأ الحصين، في قبو البيت الأبيض.
كانت احتجاجات المتظاهرين، التي عمت معظم الولايات المتحدة، في بدايتها منصبة على سلوك قوات الأمن العنيف، ضد المتظاهرين. ما لبث غضب المتظاهرين أن تحول إلى مؤسسات الدولة ورموزها، طلباً للعدالة القانونية والاجتماعية، ضد مظاهر العنصرية والتفرقة، ذات الخلفية الفاشية للبيض، ذوي الأصول الأنجلو سكسونية البروتيستانتية (WASP).
الرئيس ترمب، الذي غلبه طموحه الزائد في إعادة انتخابه، حاول استغلال الأزمة للخروج من أزمة الأداء الضعيف لإدارته في التعامل مع تفشي جائحة كورونا.. وكذا استغلال الأزمة لدعم جهود إعادة انتخابه، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة البلاد واستقرارها، كما اتهمه معارضون لعهده، من بينهم رموزٌ في المؤسسة العسكرية، وحتى من حزبه.
اتصف أداءُ الرئيس ترمب لمواجهة الأزمة، بالتخبط، الذي غلبت عليه الاعتبارات السياسية، بعيداً عن أيِ تبصرٍ رشيدٍ لما قد تؤول إليه الأمور، من انقسامٍ خطيرٍ بين شعبٍ، من أهم علامات تميزه، وكذا هشاشته، تعدده العرقي والديني والاجتماعي. اختار الرئيسُ ترمب الانحياز لـ«عشيرته» من الجناح المتطرف في أقصى اليمين الجمهوري، ليعبّر عما يراه البعضُ من عنصريةٍ بغيضة، ما زالت تجري في دماءِ مؤسسات الدولة، كما هي في الحقيقةِ تجري في عروقِ طيفِ التعدديةِ الطائفية والدينية والعرقية، للمجتمعِ الأمريكي.
لقد اختار الرئيسُ ترمب جانب مناوئي حق التظاهر السلمي، الذي كفله الدستور، ليركز على قضيةِ الأمنِ وتبرير استخدامِ العنفِ ضدَ المتظاهرين، لدرجةِ التهديدِ بنشرِ الجيش، متجاوزاً صلاحيات الحكومة الفيدرالية، التي حرص الدستورُ على النصِ بمحدوديةِ سلطاتها الأمنية.. وحَرّمَ إنزالَ الجيش، لمواجهةِ المواطنين، إلا في ظروفٍ استثنائيةٍ ضيقة وبطلبٍ من حكومات الولايات المحلية. لم يكتفِ الرئيسُ ترمب بذلك، لكنا نراه يستدعي قضايا دينية حساسة، تنال من علمانية الدولة ومدنيتها.
في استعراضٍ، من أجلِ «لقطةٍ» تلفزيونيةٍ، شَقَّ الرئيس ترمب طريقه بالقوةِ وسط المتظاهرين، إلى كنيسةِ سانت جون المواجهة للبيتِ الأبيض، ويصطف وأركان إدارته الأمنيون والعسكريون، ليلتقط معهم صورةً وهو يلوحُ بالإنجيل! كما ظهرَ لاحقاً، لم يكن يعرف الكثيرون بنيةِ الرئيسِ ترمب هذه، وسرعان ما تبرأوا منها، مثل ما فعل وزير الدفاع مارك إيسبر.
لقد ظن الجميعُ أن الرئيسَ ترمب كان يريد أن يواجهَ المتظاهرين ليهدئ من غضبهم، إلا أنه في الحقيقة انتهى به الأمر ليصب مزيداً من الزيتِ على نارٍ مشتعلة، وصلت ألسنتها إلى محيط البيت الأبيض. لن يتخلص الرئيسُ ترمب من تبعاتِ هذا الاستعراض البائس للقوة، الذي انتهى بـ«لقطةٍ» تلفزيونيةٍ، قد تكلفه طموحَ إعادة انتخابه.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
كانت احتجاجات المتظاهرين، التي عمت معظم الولايات المتحدة، في بدايتها منصبة على سلوك قوات الأمن العنيف، ضد المتظاهرين. ما لبث غضب المتظاهرين أن تحول إلى مؤسسات الدولة ورموزها، طلباً للعدالة القانونية والاجتماعية، ضد مظاهر العنصرية والتفرقة، ذات الخلفية الفاشية للبيض، ذوي الأصول الأنجلو سكسونية البروتيستانتية (WASP).
الرئيس ترمب، الذي غلبه طموحه الزائد في إعادة انتخابه، حاول استغلال الأزمة للخروج من أزمة الأداء الضعيف لإدارته في التعامل مع تفشي جائحة كورونا.. وكذا استغلال الأزمة لدعم جهود إعادة انتخابه، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة البلاد واستقرارها، كما اتهمه معارضون لعهده، من بينهم رموزٌ في المؤسسة العسكرية، وحتى من حزبه.
اتصف أداءُ الرئيس ترمب لمواجهة الأزمة، بالتخبط، الذي غلبت عليه الاعتبارات السياسية، بعيداً عن أيِ تبصرٍ رشيدٍ لما قد تؤول إليه الأمور، من انقسامٍ خطيرٍ بين شعبٍ، من أهم علامات تميزه، وكذا هشاشته، تعدده العرقي والديني والاجتماعي. اختار الرئيسُ ترمب الانحياز لـ«عشيرته» من الجناح المتطرف في أقصى اليمين الجمهوري، ليعبّر عما يراه البعضُ من عنصريةٍ بغيضة، ما زالت تجري في دماءِ مؤسسات الدولة، كما هي في الحقيقةِ تجري في عروقِ طيفِ التعدديةِ الطائفية والدينية والعرقية، للمجتمعِ الأمريكي.
لقد اختار الرئيسُ ترمب جانب مناوئي حق التظاهر السلمي، الذي كفله الدستور، ليركز على قضيةِ الأمنِ وتبرير استخدامِ العنفِ ضدَ المتظاهرين، لدرجةِ التهديدِ بنشرِ الجيش، متجاوزاً صلاحيات الحكومة الفيدرالية، التي حرص الدستورُ على النصِ بمحدوديةِ سلطاتها الأمنية.. وحَرّمَ إنزالَ الجيش، لمواجهةِ المواطنين، إلا في ظروفٍ استثنائيةٍ ضيقة وبطلبٍ من حكومات الولايات المحلية. لم يكتفِ الرئيسُ ترمب بذلك، لكنا نراه يستدعي قضايا دينية حساسة، تنال من علمانية الدولة ومدنيتها.
في استعراضٍ، من أجلِ «لقطةٍ» تلفزيونيةٍ، شَقَّ الرئيس ترمب طريقه بالقوةِ وسط المتظاهرين، إلى كنيسةِ سانت جون المواجهة للبيتِ الأبيض، ويصطف وأركان إدارته الأمنيون والعسكريون، ليلتقط معهم صورةً وهو يلوحُ بالإنجيل! كما ظهرَ لاحقاً، لم يكن يعرف الكثيرون بنيةِ الرئيسِ ترمب هذه، وسرعان ما تبرأوا منها، مثل ما فعل وزير الدفاع مارك إيسبر.
لقد ظن الجميعُ أن الرئيسَ ترمب كان يريد أن يواجهَ المتظاهرين ليهدئ من غضبهم، إلا أنه في الحقيقة انتهى به الأمر ليصب مزيداً من الزيتِ على نارٍ مشتعلة، وصلت ألسنتها إلى محيط البيت الأبيض. لن يتخلص الرئيسُ ترمب من تبعاتِ هذا الاستعراض البائس للقوة، الذي انتهى بـ«لقطةٍ» تلفزيونيةٍ، قد تكلفه طموحَ إعادة انتخابه.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com