-A +A
محمد الساعد
خلال أسبوعين فقط انتقلت المدن الأمريكية من أرض الأحلام إلى أرض الاحتجاجات والفوضى والخلل الأمني، وإلى ما يشبه الشوارع السورية والليبية والتونسية خلال ما سمي بالربيع العربي، شبان ملثمون غاضبون يتحركون كالدمى بلا هدف، حرائق في الزوايا سرقات واعتداءات على المحلات والمصارف، الوحيد المختلف أن قناة الجزيرة كانت أكثر حذراً في التعاطي مع هذه الاحتجاجات، ليس مهنيةً بل خوفٌ من تداعياتها «الترامبية» عليها وعلى أبوها القابع في قصر الوجبة، لكن الجزيرة أوكلت تلك المهمة القذرة إلى قناة السي إن إن الأمريكية التي حرضت كل تيار اليسار ومؤيدي الفوضى للخروج مدججين بالفوضى والاعتداءات الجسيمة.

نفس القصة، نفس الخديعة، نفس الصور المنتقاة والمقصودة، وبالتأكيد نفس الفوضى المروعة، ضخ إعلامي مكثف قصد منه تعبئة الجماهير للخروج إلى الشوارع وشرعنة الفوضى، وهو ما حصل.


في 2010 كان شاب تونسي، وفي 2020 كان رجل أمريكي من أصول أفريقية، عقد من الزمن تشابهت فيه المتشابهات واختلفت معه النهايات، أما المتهم سيئ السمعة المطارد وصاحب صحيفة سوابق متخمة بالجرائم بسبب اعتدائه على امرأة حامل وسرقات وتعاطي مخدرات، فقصته ونهايته كلها مشبوهة لكن ذلك ما حدث، وهي تقريباً قصة خالد سعيد الشاب المصري المتهم ببيع وترويج وتعاطي المخدرات، والذي قتل على أيدي الشرطة المصرية.

رواية أخرى غير رواية البوعزيزي تم توظيفها سياسياً وعاطفياً؛ للحصول على مكاسب شعبوية وانتهازية ليس لها علاقة بحياته المهدرة بقدر إحراق فرص ترمب في الانتخابات القادمة، كما أهدرت فرصة العالم العربي في التعافي والتقدم.

وكأننا أمام حسني مبارك وبن علي، والغنوشي ومرسي العياط، فخلال السنوات العشر السابقة لتنحي مبارك وبن علي كان إعلام الإخوان واليساريين يهيئ الرأي العام للحظة السيولة التي فجرت الشوارع، تلك التهيئة شبيهة جداً بما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى أربع سنوات هي عمر ولاية الرئيس دونالد ترمب، والتي شن فيها إعلام اليسار والنخب الديموقراطية حرباً لا هوادة فيها لاغتياله معنوياً وتجهيز الشارع لاحتجاجات حدثت بالفعل لكن سرعان ما ماتت سريعاً.

السؤال الكبير بعد انقشاع الغبار وإطفاء الحرائق: من سيكون المنتصر في المعركة الأمريكية ومن خسر الصندوق الانتخابي؟!

الكثير من الندم بدأ يظهر من بعض نخب الأقلية السوداء التي اكتشفت أن «عصابات السياسة» في واشنطن وفلول اليسار الأوبامي في نيويورك وهوليود استخدمتهم ووظفت غضبهم في معركتهم ضد ترمب.

أما الغالبية الأمريكية الصامتة التي ستحسم الاقتراع في نوفمبر القادم، فقد بقيت في بيوتها منتظرة انحسار غبار ثورة غير حقيقية رافقها انتهاك للحرمات والأموال والسرقات وإحراق المرافق العامة والخاصة وإجبار الأبرياء على الركوع في الطرقات وتقديم اعتذارهم مرغمين عن فواتير عبودية لم يرتكبوها.

لقد كان خروج «حزب الكنبة» الأمريكي بسلاحهم للدفاع عن أسرهم وبيوتهم وممتلكاتهم مشهداً مؤثراً ودليلاً على تقديم أمنهم على أمنيات وأجندات اليسار، ذلك السلاح كان بديلاً لسقوط الدولة وهيبتها المؤقت، لكنه مؤشر على خيارات وطريق لا رجعة فيه مع أول رصاصة تنطلق منه، ولن تكون النيويورك تايمز ولا السي إن إن قادرتين على إرجاع عجلة الزمن للوراء ولا تطييب الجروح والدماء إذا سالت.

كاتب سعودي

massaaed@