ولأن هذا الشيء الجهنمي الذي يدعى (تويتر) كالمقبرة لا ترد ميتا، ولأن الأموات لا يملكون سوى الكتابة بلغة ميتة، هي إعلان عن موت صاحبها جسدياً وفكرياً، ولأنك تجد في (تويتر) كل شيء يجعل أي تمثال حجري يضحك ويبكي، من الحنفية والمفتاح، والقفل والليمونة، والقافية والنعاس، والحرير، وكيف تمسك بذيل الهدهد، وتفرك أسنانك بالخزامى، وكيف تتعافى من الكورونا بعصير القصب والرمان، قرر صبي ثري حائر ممارسة ولدنته، فأخذ يصول ويجول في ساحه (تويتر) تتبعه ثلة من المطبلين، المتحذلقين، من شلته وموظفيه، ممن هم رديئي الذوق والسليقة، قرر المناضل في الأيام القليلة الماضية، استعراض ذوقه في النساء، والذين هم همه الأول والأخير منذ غرد، ورقص، فعبر وفي بهرجة ملحمية، أنه يفضل النحيلة ذات الجسد المتناسق، والوجه المبتسم على ترفع يليق بمقامه، والعينين المسحونتين بغنج صارخ، ويرفض (الفيول) جمع تكسير للفيل أبو زلومة، المرأة الممتلئة ونعتها بأقذر الصفات التهكمية، واستطرد الحاكم بأمر الغوية المستبدة، يصف حركات يد النحيلة وقدميها، وعجزها وشفتيها، وانعكاس الضوء على الأسنان اللؤلؤ، لقطة أفقية عامودية ذات جميع الأبعاد، المغرية، لا يراها شخص هكذا، إلا إذا كان جالساً في أحد الملاهي ومزود بمنظار الرؤية الليلية العسكرية، واختتم الراكض وراء غزالة الصيف البرية، تغريدته قائلاً إنه يريدها صورة من (كليوباترا) توقفت عند عبارة الجنرال المزركش بالتفاهة والنقود، فصورة (كليوباترا) والتي وجدها علماء أثار بريطانيون، مصكوكة على عمله قديمة، استنتجوا عنها، أنها كانت قبيحة جداً، وهؤلاء العلماء أنفسهم الذين سكروا مرة وإلى الأبد بالحضارة المصرية وأثارها، وتحولت لديهم إلى ما يشبه الهوس الذي لم تنته فصوله وحتى اليوم، أثبتوا أن (كليوبترا) لم تكن حسب اكتشافهم تشبه (باربي) أو تطابق عارضات الأزياء، ومقاييسهن العالمية في النحافة والضعف، حيث إن التماثيل في بلاد بين الرافدين وفنيقا، تشهد على سمنة المرأة، ولقد شهدت فنون النحت والرسم في أوروبا ذاتها نماذج لنساء بدينات، ذات رقبة ثخينة، ماذا عن جبهة (الموناليزا) ورقبتها، بغض النظر عن ابتسامتها...اللغز! ومن قال إن يوليوس قيصر، ومارك انطونيو الرومانيين كانا يقيمان اعتبار لجسد المرأة كونه نحيفا، حقيقي أن الرومانيين واليونانيين عموما كانوا يهتمون بجسد الرجل من حيث تقاطيعه وأهليته الرياضية الحربية، وإذا نظرنا بعد ذلك الى الأدب العربي والشعر العربي على الخصوص، لوجدنا مفردات غزل تتحدث عن المرأة (البهكنة) والمرأة (العبل) والتي أعتقد أن عطب الجهاز التعبيري والثقافي (عند صاحبنا ) لا يرتقي لمعرفة معنى تلك الصفات، ولكم من الآهات أطلقتها مع الاعتذار (لأم كلثوم) وأنا أتابع تلك التغريدات العبثية تحت مظلة سوقية لا تحتمل، ولغة بالغة البلادة، صدئة كصحون ترمي من عل، (تويتر) ما غيره من يفسح المجال لهذه البطولة الخراب، وبشاعة اللغة وبعض البشر، فالإنسان كائن لغوي، يستخدم اللغة ليستمر وهج الحياة وصيرورتها اللانهائية، لا يهرم أفق إلا ليجد آخر، ولا يتحول معمار إلى أنقاض، إلا لينبت عليه عشب أكثر نضارة، ثمة معاهد كثيرة اليوم لتعليم اللغات، وقيادة السيارات، وفنون الطبخ، وتنسيق الزهور، ورعاية الطيور، ما رأيكم في إضافة خجولة لمعهد يعلم الذوق وحسن المنطق والأدب، أن حدث ذلك، سأتكفل بنفقات تعليم المذكور كل ذلك، وعلى نفقتي، فالكلمة السيئة تجرح كضربة السيف، فزين اسمك بكلمة تليق بك، إن غردت، فالوقاحة لا تجعلك استثنائيا، فأنت في فضاء عام وليس في محادثة شخصية على (الواتساب) مع مجموعتك، تويتر مساحة العري والتعري الصارخ، وكل تغريدة هي تحت الشمس، وثمة سم في الهواء، والمطر يغير الحسابات، انتبه....انتبه أيها النساج الأعمى أن يفلت الخيط، وتضيع منك كل الجهات، ويأتي من يوقظك يوما قبل الصباح، يدعوك إلى طعام البقاء، في مكان بارد...كالقفص!
كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com
كاتب سعودي
fouad5azab@gmail.com