بمثل ما شكّلت العديد من الحوادث التاريخية علامة فارقة، ونقاط انقلاب في مسيرة التاريخ باتجاهات متعددة، كالحربين العالميتين، وموجة الانهيار الاقتصادي، والثورة الصناعية، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر وغيرها؛ فمن المؤكّد أن جائحة كورونا تمثّل مفترقاً جديداً في مسيرة التأريخ.
فلن يكون العالم بعدها هو ذات العالم الذي قبلها، بما أحدثته من انقلابات عدة بالغة التأثير على الحاضر المعيش، والمستقبل المنظور.
ولعل ما يبعث على الفخر والاعتزاز ما أظهرته المملكة من تعاضد ومساندة مؤثرة للمجتمع الدولي، ومشاركتها في كافة المحافل الدولية الباحثة عن ترياق يشفي من هذه الجائحة، ولقاح يقي من شرها لاحقاً.
وكان إسهام المملكة المادي الأوفر والأعلى في دفاتر التبرع بملايين الدولارات، ولعل آخرها القمة الدولية الافتراضية للتحالف العالمي للقاحات والتحصين، ودعم المملكة لها بخمسين مليون دولار فضلاً عن تبرعات أخرى قدمتها خلال هذه الأزمة الإنسانية.
هناك جانب آخر أكثر أهمية لابد من إظهاره، وهو ما يتعلّق بالجوانب العلمية التي تسهم بها المملكة في مجال الأبحاث المتعلقة بفايروس كورونا وغيره.
وأجدها فرصة للتأكيد على ضرورة أن نعي بحتمية التغيير التي لابد أن تحدث في طريقة تفكيرنا، بما يؤدي تلقائياً إلى تجاوز الصورة النمطية عن المملكة.
فمشاركتنا يجب أن لا تقتصر على الدعم المالي، بما يرسخ الصورة الذهنية بأننا مركز للثروات، وسوق مفتوح للاستهلاك، ومجتمع عاطل عن المساهمات العلمية والصناعية والفكرية.
هذه الصورة لابد أن تتغير ونحن نستقبل عالم ما بعد كورونا الذي بدت نذر وبوادر «التجارة العلمية» تتشكل من خلال حرص الجميع على احتكار اللقاحات، والاستئثار بمنتجيها حصراً وتقييداً، بما يحتّم علينا أن ندير بوصلة البحث والاجتهاد ناحية معاملنا ومراكز أبحاثنا وقدرات علمائنا من أبناء المملكة.
فكل شيء متاح، ولسنا عطلاً من القدرات العلمية، ولسنا مفتقرين للعقول المنتجة والقادرة على إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية.
ولنا في مركز أبحاث مستشفى الملك فيصل التخصصي المثل والنموذج بما ظل يقدمه من علاجات وأبحاث مميزة.
فقد استطاع مؤخراً أن يطور اختباراً تشخيصياً لفايروس كورونا المستجد حيث يعتمد الاختبار على فحص (البلمرة الجزئية) بقيادة الدكتورين أحمد القحطاني وفاطمة الهملان، عالمَي أبحاث في علم الميكروبات في مركز أبحاث تخصصي الرياض الذي يضم نخبة مميزة من العلماء والباحثين.
استطاع هذان العالمان تصميم وتطوير هذا الاختبار ما يمكن المستشفى من إجراء الفحوصات للعينات المخبرية من كورونا اعتمادا على المنتج المحلي.
أشاد باكتشافهما معالي المشرف العام التنفيذي الدكتور ماجد الفياض الذي أكد بفخر على جاهزية التخصصي لإنتاج البادئات للمختبرات المحلية ومشاركة البروتوكول مع باقي المختبرات محليا وخليجياً.
كما تم تقديم أحد عشر بحثاً من مراكز أبحاث المستشفى خلال جائحة كورونا المستجد.
كما أن مركز أبحاث التخصصي له أبحاث عديدة في مختلف الأمراض فعلي سبيل المثال استطاع إجراء تعديل جيني لخلايا سرطان القولون والمستقيم كتقنية جديدة في علاج هذا النوع من الأورام.
كما تمكن فريق من الباحثين في الأمراض الوراثية من تقديم خدمة منع توريث بعض الأمراض من الوالدين لأبنائهم بعد تحديد الجين المتسبب في ٣٥٠ مرضاً وراثياً وتم إنجاب ٢٣٧ طفلا سليماً لعائلات مصابة بأمراض وراثية باستخدام تقنية التشخيص الجيني للأمراض الوراثية في الجنين قبل الانغراس، وغيرها من الأبحاث التي غيرت من وجه الأمراض لصالح الإنسان.
إن مؤسسة الملك فيصل التخصصي في رؤيتها المستقبلية تحاول أن تتوسع في تقديم خدماتها العلاجية التخصصية وأن تدعم من مراكزها البحثية، للانسجام مع رؤية المملكة 2030 التي رفعت سقف الطموح إلى غايات بعيدة وأن نعي أننا مقبلون على عالم لا يحتمل الكسل الذهني، وتعطيل القدرات، والركون إلى حدود الوظائف التي تتقزم فيها الطموحات، وتتقاصر فيها الهمم دون القمم، من بعد كورونا نحن مطالبون بتوطين كافة الصناعات الثقيلة، فضلاً عن الخفيفة، وأن ندخل عالم التكنولوجيا بروح المبتكر، لا بعقلية المستهلك.
وذلك ليس حلماً مستحيلاً، وليس ضرباً من الخيال الذي لا واقع يسنده، يجب أن ننسج رؤى مستقبلنا، وهي خطوات تتطلب تغيير الروح الاستهلاكية التي تقيد خطوات مجتمعنا وانتهاج أساليب تعليمية قائمة على تحريك عقول الطلاب نحو الابتكار والبحث، بعيداً عن هواجس الاختبارات، ونتائج التقويم التي لم تقدم شيئاً يذكر.
من الضروري أن يغامر رجال الأعمال بدعم مشاريع البحث العلمي ورعايتها وتخصيص مبالغ تدعمها وتخرجها للعالم من وطن قال للعالم (اقرأ) ولعل مركز أبحاث التخصصي نقطة مضيئة في وطني يحتاج إلى دعم وتعاون القطاع الخاص ورجال الأعمال لابد أن نحرّك هذا الساكن الذي رتّب حياتنا على إيقاع بطيء رتيب، وأن فعل الخير مجاله واسع يتعدى بناء الجامع.
إننا في مسيس الحاجة من بعد كورونا أن ننزل رؤية المملكة 2030 إلى أرض الواقع بما يتناسب وطموحها العالي، واستشرافها للأفق البعيد، وأن لا تقتصر مشاركتنا للعالم على الماديات فقط وإنما أيضاً على مخرجات مراكزنا البحثية وما تقدمه للإنسانية.
كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
فلن يكون العالم بعدها هو ذات العالم الذي قبلها، بما أحدثته من انقلابات عدة بالغة التأثير على الحاضر المعيش، والمستقبل المنظور.
ولعل ما يبعث على الفخر والاعتزاز ما أظهرته المملكة من تعاضد ومساندة مؤثرة للمجتمع الدولي، ومشاركتها في كافة المحافل الدولية الباحثة عن ترياق يشفي من هذه الجائحة، ولقاح يقي من شرها لاحقاً.
وكان إسهام المملكة المادي الأوفر والأعلى في دفاتر التبرع بملايين الدولارات، ولعل آخرها القمة الدولية الافتراضية للتحالف العالمي للقاحات والتحصين، ودعم المملكة لها بخمسين مليون دولار فضلاً عن تبرعات أخرى قدمتها خلال هذه الأزمة الإنسانية.
هناك جانب آخر أكثر أهمية لابد من إظهاره، وهو ما يتعلّق بالجوانب العلمية التي تسهم بها المملكة في مجال الأبحاث المتعلقة بفايروس كورونا وغيره.
وأجدها فرصة للتأكيد على ضرورة أن نعي بحتمية التغيير التي لابد أن تحدث في طريقة تفكيرنا، بما يؤدي تلقائياً إلى تجاوز الصورة النمطية عن المملكة.
فمشاركتنا يجب أن لا تقتصر على الدعم المالي، بما يرسخ الصورة الذهنية بأننا مركز للثروات، وسوق مفتوح للاستهلاك، ومجتمع عاطل عن المساهمات العلمية والصناعية والفكرية.
هذه الصورة لابد أن تتغير ونحن نستقبل عالم ما بعد كورونا الذي بدت نذر وبوادر «التجارة العلمية» تتشكل من خلال حرص الجميع على احتكار اللقاحات، والاستئثار بمنتجيها حصراً وتقييداً، بما يحتّم علينا أن ندير بوصلة البحث والاجتهاد ناحية معاملنا ومراكز أبحاثنا وقدرات علمائنا من أبناء المملكة.
فكل شيء متاح، ولسنا عطلاً من القدرات العلمية، ولسنا مفتقرين للعقول المنتجة والقادرة على إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية.
ولنا في مركز أبحاث مستشفى الملك فيصل التخصصي المثل والنموذج بما ظل يقدمه من علاجات وأبحاث مميزة.
فقد استطاع مؤخراً أن يطور اختباراً تشخيصياً لفايروس كورونا المستجد حيث يعتمد الاختبار على فحص (البلمرة الجزئية) بقيادة الدكتورين أحمد القحطاني وفاطمة الهملان، عالمَي أبحاث في علم الميكروبات في مركز أبحاث تخصصي الرياض الذي يضم نخبة مميزة من العلماء والباحثين.
استطاع هذان العالمان تصميم وتطوير هذا الاختبار ما يمكن المستشفى من إجراء الفحوصات للعينات المخبرية من كورونا اعتمادا على المنتج المحلي.
أشاد باكتشافهما معالي المشرف العام التنفيذي الدكتور ماجد الفياض الذي أكد بفخر على جاهزية التخصصي لإنتاج البادئات للمختبرات المحلية ومشاركة البروتوكول مع باقي المختبرات محليا وخليجياً.
كما تم تقديم أحد عشر بحثاً من مراكز أبحاث المستشفى خلال جائحة كورونا المستجد.
كما أن مركز أبحاث التخصصي له أبحاث عديدة في مختلف الأمراض فعلي سبيل المثال استطاع إجراء تعديل جيني لخلايا سرطان القولون والمستقيم كتقنية جديدة في علاج هذا النوع من الأورام.
كما تمكن فريق من الباحثين في الأمراض الوراثية من تقديم خدمة منع توريث بعض الأمراض من الوالدين لأبنائهم بعد تحديد الجين المتسبب في ٣٥٠ مرضاً وراثياً وتم إنجاب ٢٣٧ طفلا سليماً لعائلات مصابة بأمراض وراثية باستخدام تقنية التشخيص الجيني للأمراض الوراثية في الجنين قبل الانغراس، وغيرها من الأبحاث التي غيرت من وجه الأمراض لصالح الإنسان.
إن مؤسسة الملك فيصل التخصصي في رؤيتها المستقبلية تحاول أن تتوسع في تقديم خدماتها العلاجية التخصصية وأن تدعم من مراكزها البحثية، للانسجام مع رؤية المملكة 2030 التي رفعت سقف الطموح إلى غايات بعيدة وأن نعي أننا مقبلون على عالم لا يحتمل الكسل الذهني، وتعطيل القدرات، والركون إلى حدود الوظائف التي تتقزم فيها الطموحات، وتتقاصر فيها الهمم دون القمم، من بعد كورونا نحن مطالبون بتوطين كافة الصناعات الثقيلة، فضلاً عن الخفيفة، وأن ندخل عالم التكنولوجيا بروح المبتكر، لا بعقلية المستهلك.
وذلك ليس حلماً مستحيلاً، وليس ضرباً من الخيال الذي لا واقع يسنده، يجب أن ننسج رؤى مستقبلنا، وهي خطوات تتطلب تغيير الروح الاستهلاكية التي تقيد خطوات مجتمعنا وانتهاج أساليب تعليمية قائمة على تحريك عقول الطلاب نحو الابتكار والبحث، بعيداً عن هواجس الاختبارات، ونتائج التقويم التي لم تقدم شيئاً يذكر.
من الضروري أن يغامر رجال الأعمال بدعم مشاريع البحث العلمي ورعايتها وتخصيص مبالغ تدعمها وتخرجها للعالم من وطن قال للعالم (اقرأ) ولعل مركز أبحاث التخصصي نقطة مضيئة في وطني يحتاج إلى دعم وتعاون القطاع الخاص ورجال الأعمال لابد أن نحرّك هذا الساكن الذي رتّب حياتنا على إيقاع بطيء رتيب، وأن فعل الخير مجاله واسع يتعدى بناء الجامع.
إننا في مسيس الحاجة من بعد كورونا أن ننزل رؤية المملكة 2030 إلى أرض الواقع بما يتناسب وطموحها العالي، واستشرافها للأفق البعيد، وأن لا تقتصر مشاركتنا للعالم على الماديات فقط وإنما أيضاً على مخرجات مراكزنا البحثية وما تقدمه للإنسانية.
كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com