-A +A
بدر بن سعود
ليبيا تعتبر منجم ذهب للأتراك والروس معاً، وقد نقل الطرفان حربهما من سوريا إلى ليبيا، وفي سوريا كانت الحرب على الأدوار والأوراق التفاوضية، ولم تكن هناك مصالح اقتصادية مؤثرة يمكن الخروج بها، ويبدو المشهد أكثر وضوحاً في ليبيا، فالدولة في حوزتها أكبر احتياطي نفطي على مستوى القارة، ولديها ساحل طوله ألفا كيلومتر على البحر الأبيض المتـوسط، بالإضافة إلى أن مدينة سرت الليبية تمثـل أضخم مركز بحـري في العالم لمصائد التونة ومبايض الأسماك، وبمداخيل سنوية تقارب ثمانية مليارات دولار، والكلفة الإجمالية لحرب ليبيا أقل من سوريا في ميزان المصروفات والعوائد المتوقعة، مع أن أجور المرتزقة السوريين أكثر وتتراوح ما بين الألف والألفي دولار لكل شهر، مقارنة بسبعين دولاراً تدفع لمن يتقاتلون لحساب أطراف الصراع في الأراضي السورية.

الأوضاع الاقتصادية والصحية سيئة جداً في ليبيا، وتعتبر الفترة التي يعيشها الليبيون هذه الأيام من أصعب فتراتهم منذ بداية الأزمة في سنة 2011، والكفة قد تميل لمصلحة بوتين بالنظر لمكاسبه في سوريا، فنظام الأسد لا زال قائماً، وهو بالتأكيد يشكل انتصاراً سياسياً وعسكرياً لموسكو على أنقرة، والسيناريو في ليبيا مرشح لنتيجة مشابهة، فالروس أقدر على إدارة الملفات المعقـدة من نظام أردوغان، والرئيس التركي منشغـل بإرثه العثماني ولم يسجل حزبه نجاحات تذكر منذ أكثر من 18 سنة، أو من اليوم الأول لدخول حزب العدالة والتنمية إلى مؤسسة الحكم التركية.


أردوغان سيغادر المسرح السياسي غير مأسوف عليه، بشهادة المعارضة التركية واستطلاعات الرأي الموثوقة، فالناخبون الأتراك لا يفضلونه في الوقت الحالي، وهم يستندون في حساباتهم إلى مسائل براغماتية وليست عقائدية أو قومية، فقد زاد الفقر في تركيا نتيجة لكورونا، وارتفعت معدلات البطالة بصورة متسارعة، وتنازلت الدولة التركية عن دورها كحاضنة اجتماعية لمواطنيها، ولن تفيد أردوغان مليشيا حراس الأحياء أو (البيكشي) بالتركية، والتي يحاول تطوير صلاحياتها ورفع أعدادها لتكون بمثابة (باسيج تركي) يستخدمها في قمع من يختلفون معه.

تركيا تحاول استدعاء تجربة القذافي، ولكنها تريد تمثيلاً واقعياً وليس رمزياً، عن طريق السيطرة على قرار الأفارقة السياسي والعسكري واحتكار مواردهم الطبيعية، وذلك بإبرام العقـود طويلة الأجل، أو ربما غير المحددة بمدة، وبناء القواعد العسكرية، وهو ما حدث ويحدث في السودان وغامبيا وتشاد والسنغال والجزائر والصومال وغيرها.

الليبيون لا يثقون في الأترك استناداً لإرثهم القديم وتاريخهم غير المشرف، فلم يطور العثمانيون في ليبيا إلا قبور قادتهم بتحويلها إلى مساجد يجبر الناس على الصلاة فيها، وسلموها لإيطاليا بدم بارد، وفي لييبا من يكسب الزعامات القبلية يحسم معركة الدولة لصالحه، وهو احتمال يميل إلى المشير حفتر والجيش الوطني الليبي.

BaderbinSaud@