-A +A
عبدالرحمن الجديع
عاش العالم مفاعيل وباء كورونا (كوفيد19) رعباً وتغيراً، وأصبحت تداعيات هذه الجائحة من الأمور المسلّم بها في مسارات حياتنا اليومية التي يتعين أن نتعايش معها ومع إكراهاتها.

أصبح العالم بقضّه وقضيضه متأثراً بمفاعيل هذا الوباء، ومنشغلاً بكيفية التعامل معه. من هنا جاء قرار الاستغناء عن خدمات السائق في منزلي، واسترداد سلطة البيت، والحفاظ على سيادته الذاتية. وربما يثور التساؤل حول علاقة ذلك بالسيادة الذاتية على المنزل، وهذ ما سأجيب عنه ها هنا.


لا بد من القول، أولاً، إنّ الدول الخليجية عامة، والمملكة خصوصاً، بحكم حجمها واتساع رقعتها والتحديات التنموية التي هي بصددها، بحاجة إلى العمالة الأجنبية؛ للمساهمة في النماء والبناء، وهذه من المسلّمات. هذه الخدمات يجب ألا يُقلَّل من شأنها، لا سيما بالنسبة للدول التي تتعامل مع متطلبات التنمية المستدامة وشؤونها. لذا علينا احترام الأجنبي الذي ترك أهله وذويه بقصد طلب الرزق، كما يتعيّن التعامل معه بالاحترام المطلوب، بعيداً عن الشوفينية، أو «الزينوفوبيا»؛ رهاب الأجانب، وبعيداً عن عقدة الخواجة التي عفى عليها الدهر.

ورغم الإقرار بذلك، إلا أنه ينبغي التنويه إلى أنّ الشعور بالمسؤولية هو نتيجة التّماس مع ما تشهده البلاد من تطورات أثرت على طبيعة وأسلوب الحياة، وبالتالي على النموذج السعودي الجديد في التعاطي مع الوقائع الراهنة. فالموشرات الإيجابية التي تمخضت عن التبدلات والتحولات التي شهدها المجتمع أسهمت في إيقاظ الحس الوطني لدى الشباب والشابات السعوديات، فتولّى هؤلاء زمام المبادرة في العمل في مختلف المجالات، وأثبتوا من خلال المشاركة الفاعلة قدراتهم الخلاقة فكراً وإبداعاً، حتى أصبحت القوى العاملة والقدرات الوطنية السعودية مما يعتمد عليه الوطن والمواطنون في الكثير من متطلبات حياتهم اليومية واحتياجاتهم الغذائية والطبية والصناعية، وأمسى هؤلاء قناديل مضيئة في حاضرالمملكة، وأملاً مرموقاً للمستقبل.

هذه الريادة السعودية ليست وليدة الصدفة، إنما هي نتيجة وثمرة مواكبة لرؤية المملكة 2030 لولي العهد، وإشراف من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظهما الله، وهذا ما فجّر في الروح السعودية ينابيع الأمل والطموح والاستبشار بوطن يعمّه الازدهار، وينبض بالحيوية، ويمور بالعطاء؛ وطن يعتمد على الذات بدءاً بالفرد والعائلة.

من هذه المنطلقات، قررتُ أن أتولى المسؤوليات التي يقوم بها السائق، وهنا قد يتساءل المرء عن هذه المسؤوليات، وهي في الحقيقة مسؤوليات تضاءلت أهميتها في ضوء الانفتاح التي تشهده المملكة، والسماح للمرأة بقيادة السيارة واعتمادها على نفسها، إضافة إلى وجود شركات للإيجار تأتي إليك متى شئت في الوقت الذي ترغب، مثل أوبر وأخواتها. أضف إلى ذلك، أنّ مسؤولية شراء مستلزمات البيت، أو تنظيف السيارات، أو سقيا الحديقة، لم تعد تستدعي وجود سائق، خصوصاً بالنسبة للمتقاعدين الذين يجدون متعة في أداء هذه الأمور.

بعد تسريح السائق أصبح البيت مشاعاً للتحرك العائلي دون احتراز، فزوجتي تولّت الحديقة، وابنتي استطابت زراعة النعناع والورود، وشقيقتها الأخرى وجدت الحرية في ممارسة هواية الرياضة في ساحة المنزل، بعيداً عن عين الرقيب الأجنبي، هذا فضلاً عن توفير مبلغ المرتب الشهري الذي تم توجيهه للإنفاق على مصاريف البيت.

الاعتماد على الذات يتطلب التكيف مع معطيات الواقع الجديد، في إطار المسؤولية الجماعية للأسرة؛ لأنّ ذلك أسلوب حياة يأخذ بالمفاهيم الجديدة، ويساير الانتماء للأمم الراقية التي لا تعتمد في تدبّر شؤون حياتها اليومية على مساعدة الآخرين.

ربما ما حدث معي يوحي بأنّ عهد ذلك الاسترخاء قد ولى دون رجعة، ما لم يكن هناك ضرورة قصوى لتواجد السائق في البيت، وهذه الضرورة نطاقها ضيّق، وبالتالي «ما حكّ جلدك مثل ظفرك، فتولّ أنت جميع أمرك».

كاتب سعودي

AGdaia@