شيء جميل أن يتصدر الكادر الصحي قائمة اهتمام المجتمعات بعد أن أدرك العالم أهمية هذه الفئة خلال جائحة كورونا، كل مجتمعات العالم عبرت عن امتنانها لهم بعد أن عرفت المعاناة والمخاطر التي يتعرضون لها من أجل إنقاذ حياة الآخرين، ولم نكن هنا استثناء لذلك التقدير فقد بادرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل بالتعبير عن الشكر والامتنان للطواقم الطبية، خصوصاً بعد سقوط عدد منهم ضحايا للوباء كضريبة لعملهم المحفوف بالخطر.
جميل هذا التقدير المعنوي، ولكن هل هذا هو كل ما يستحقه الكادر الصحي، أو كل ما يرجوه، أو كل ما نعتبره واجباً علينا تجاهه؟ إن هذا السؤال في غاية الأهمية خصوصاً بعد أن كشفت الجائحة حاجتنا الماسة لمزيد من الكوادر الصحية في كل تخصصاتها وبأعداد كبيرة لنستطيع مواجهة الأخطار الصحية المحتملة، فضلاً عن تقديم الرعاية الصحية الأساسية، وكذلك تسابق دول العالم لاستقطاب هذه الكوادر بإغراءات مادية ومعنوية كبيرة.
الحقيقة أن مميزات الكادر الصحي الحكومي لدينا مخجلة ولا تليق بهذه المهنة، وهنا أتحدث عن منسوبي وزارة الصحة؛ المقدم الرئيسي للخدمة، وربما أتحدث عن الأطباء كمثال ومن واقع معرفة ومعايشة طويلة سابقة، فأطباء الوزارة من كل الفئات ليس لهم ما يرفع مرتباتهم الضئيلة سوى البدلات، وإذا أردنا الدقة فنحن نتحدث عن بدل واحد مؤكد هو بدل التفرغ، لأن بقية البدلات غير مضمونة وخاضعة لتقديرات المزاج والعلاقات ومستوى الرضى الشخصي للرؤساء دون معايير واضحة وعادلة، وكم هو مهين للطبيب وهو يتوسل الحصول على حقه من بعض الرؤساء اللئام أو الموظفين الجهلة، وفي ما يخص بدل السكن فإنه لم يعد منتظماً كما كان، وإجراءات الحصول عليه لا تقل استفزازاً وذلاً للطبيب من بقية البدلات، ويرى بعض جهابذة الوزارة أنه ترف كبير وهدر أموال غير مبرر.
أما المصيبة الكبرى فإنها تحل على الطبيب عند مغادرته العمل بالتقاعد، فالكادر الصحي أو نظام الخدمة يودعه بأسوأ شكل يمكن تخيله عندما يحسب راتبه التقاعدي بنسبة من راتبه الأساسي -الهزيل أساساً- فقط، وبالطبع لا يمكن لأي طبيب أن يحصل على هذا الراتب الضئيل كاملاً لأنه يستحيل أن يخدم المدة المطلوبة لذلك فنظام التقاعد له بالمرصاد، وبصيغة أوضح فإن هذا الطبيب إذا لم يتدبر أمره بعمل في دكاكين القطاع الخاص كيفما كان أو لم يكن له سند قوي يدعم تمديد خدمته فإنه سينتهي بمرتب تقاعدي مخجل للمهنة ومؤلم لطبيب أمضى عمره دارساً ومتخصصاً وناذراً وقته وجهده لخدمة المرضى بطيب خاطر وقناعة نفس.
الشكر الحقيقي المستحق للكادر الصحي بكل فئاته هو إعادة النظر جذرياً في النظام الوظيفي والتقاعدي الجائر الذي يعاملهم بشكل يفتقد إلى المنطق والعدالة والإنصاف وتلبية متطلبات واحتياجات الوطن. وطالما اكتشفتم الآن أن الكادر الصحي عملة صعبة فعليكم الاحتفاظ بها وإلا فإنها قابلة للتداول ومرحب بها في كل دول العالم.
كاتب سعودي
habutalib@hotmail.com
جميل هذا التقدير المعنوي، ولكن هل هذا هو كل ما يستحقه الكادر الصحي، أو كل ما يرجوه، أو كل ما نعتبره واجباً علينا تجاهه؟ إن هذا السؤال في غاية الأهمية خصوصاً بعد أن كشفت الجائحة حاجتنا الماسة لمزيد من الكوادر الصحية في كل تخصصاتها وبأعداد كبيرة لنستطيع مواجهة الأخطار الصحية المحتملة، فضلاً عن تقديم الرعاية الصحية الأساسية، وكذلك تسابق دول العالم لاستقطاب هذه الكوادر بإغراءات مادية ومعنوية كبيرة.
الحقيقة أن مميزات الكادر الصحي الحكومي لدينا مخجلة ولا تليق بهذه المهنة، وهنا أتحدث عن منسوبي وزارة الصحة؛ المقدم الرئيسي للخدمة، وربما أتحدث عن الأطباء كمثال ومن واقع معرفة ومعايشة طويلة سابقة، فأطباء الوزارة من كل الفئات ليس لهم ما يرفع مرتباتهم الضئيلة سوى البدلات، وإذا أردنا الدقة فنحن نتحدث عن بدل واحد مؤكد هو بدل التفرغ، لأن بقية البدلات غير مضمونة وخاضعة لتقديرات المزاج والعلاقات ومستوى الرضى الشخصي للرؤساء دون معايير واضحة وعادلة، وكم هو مهين للطبيب وهو يتوسل الحصول على حقه من بعض الرؤساء اللئام أو الموظفين الجهلة، وفي ما يخص بدل السكن فإنه لم يعد منتظماً كما كان، وإجراءات الحصول عليه لا تقل استفزازاً وذلاً للطبيب من بقية البدلات، ويرى بعض جهابذة الوزارة أنه ترف كبير وهدر أموال غير مبرر.
أما المصيبة الكبرى فإنها تحل على الطبيب عند مغادرته العمل بالتقاعد، فالكادر الصحي أو نظام الخدمة يودعه بأسوأ شكل يمكن تخيله عندما يحسب راتبه التقاعدي بنسبة من راتبه الأساسي -الهزيل أساساً- فقط، وبالطبع لا يمكن لأي طبيب أن يحصل على هذا الراتب الضئيل كاملاً لأنه يستحيل أن يخدم المدة المطلوبة لذلك فنظام التقاعد له بالمرصاد، وبصيغة أوضح فإن هذا الطبيب إذا لم يتدبر أمره بعمل في دكاكين القطاع الخاص كيفما كان أو لم يكن له سند قوي يدعم تمديد خدمته فإنه سينتهي بمرتب تقاعدي مخجل للمهنة ومؤلم لطبيب أمضى عمره دارساً ومتخصصاً وناذراً وقته وجهده لخدمة المرضى بطيب خاطر وقناعة نفس.
الشكر الحقيقي المستحق للكادر الصحي بكل فئاته هو إعادة النظر جذرياً في النظام الوظيفي والتقاعدي الجائر الذي يعاملهم بشكل يفتقد إلى المنطق والعدالة والإنصاف وتلبية متطلبات واحتياجات الوطن. وطالما اكتشفتم الآن أن الكادر الصحي عملة صعبة فعليكم الاحتفاظ بها وإلا فإنها قابلة للتداول ومرحب بها في كل دول العالم.
كاتب سعودي
habutalib@hotmail.com