-A +A
محمد الساعد
إلى عام 2013 كان لايزال لإخوان مصر الكلمة الأعلى داخل التنظيم الدولي، كانت علاقتهم مع بقية الأطراف أقرب ما تكون علاقة السيد بعبيد ليس لهم قيمة، ولطالما حاول التنظيم السوري وهو الأقدم بين التنظيمات والأكثر تأهيلاً من غيره التقدم نحو المربع الأول في مكتب الإرشاد وخاصة وظيفة المراقب العام لكن ذلك اصطدم بتعنت اللوبي المصري وانفراده بالقيادة.

دعونا نفهم منصب المراقب العام وتأثيره وقوة نفوذه داخل التنظيم، ضمن التراتبية السرية التي اعتمدها الإخوان كان للمرشد وظيفة أقرب ما تكون إلى حاكم يأمر وينهى ويُسمع له ويطاع ولا يعصى له أمر، ويكون جميع أفراد التنظيم بين يديه كالميت بين يدي مغسله، لا حول لهم ولا قوة.


لقد كان عضو في مكتب الإرشاد المصري يأمر رئيس دولة -إخواني- في شرق آسيا دون أن يستطيع الرفض، وكان سكرتير في التنظيم المصري يوجه توبيخاً لرئيس وزراء في دولة خارج مصر إذا كان إخوانياً.

بدأ أول مكتب إرشاد أعماله بعد دعوة مؤسس التنظيم حسن البنا نواب فروع الإخوان المسلمين في مصر لعقد مؤتمرهم العام الأول تحت مسمى «مجلس شورى الجماعة» في مدينة الإسماعيلية، 1931م، ونتج عن هذا المؤتمر إنشاء مكتب الإرشاد الأول للجماعة برئاسة حسن البنا وعشرة أعضاء معه.

وطوال تاريخ الجماعة لم تتم إضافة أي عضو غير مصري لمجلس إدارة التنظيم أو ما يطلق عليه مكتب الإرشاد، وبقي حكراً عليهم مع وجود عشرات من المكاتب الفرعية حول العالم، وليصبح اسم كل قائد خارج مصر «المراقب العام» وهو يرجع تنظيمياً لمكتب الإرشاد في مصر، ويشكل المراقبون في ما بينهم جمعية عمومية أو ما يسمى التنظيم الدولي للإخوان.

إلا أن انتقادات مستمرة من الإدارة الإخوانية المصرية وانفرادها بالقرار أحدثت تململاً وتصدعاً صامتاً داخل التنظيم السري، أدى إلى إزاحات متتالية حتى تم إقصاء المصريين مؤخراً.

كان أول من بدأ الانتقاد القاسي العلني للجماعة المصرية واخفاقاتها السياسية، ثعلب الإخوان «راشد الغنوشي» الذي وجه عبارات لاذعة للتنظيم الأم في مصر.

لكن ذلك لم يكن السبب في ضعف التنظيم المصري الذي ظهر وهنه وفقره الإداري والسياسي في أول تجربة حكم استمرت لعام واحد فقط 2012-2013، فمؤشرات السقوط بدأت قبل ذلك بفترة طويلة، عندما بدأ يطفو على السطح صراع صامت داخل بين الصقور القطبيين الذين يمثلهم خيرت الشاطر، وبقايا التنظيم الكلاسيكي، ولأن الشاطر كان هو وزير مالية الإخوان ثبّت أقدامه وسيطر تدريجياً وأصبح رجل الظل الأقوى، ويزيح من طريقه أهم خصومه عبدالرحمن البر، لتكتمل بذلك سيطرة الثلاثي؛ بديع، مرسي وخيرت الشاطر، لم يكن وصولهم مفاجأة لأحد، فطوال خمسة عقود وعلى إثر إعدام سيد قطب انتقل الصراع مع السلطة المصرية إلى صراع داخل البيت الإخواني.

ودشن الصقور القطبيون حملة تجريف قاسية ضد كل من يخالفهم، هذه الموجة الأولى شكلت المشهد الإخواني طوال السبعينات الميلادية، وأفرزت خالد الإسلامبولي ورافقه الذين نفذوا إعداماً علنياً لرأس السلطة المصرية محمد أنور السادات، الموجة الثانية انتجت الظواهري وأسامة بن لادن وعبدالله عزام خلال الفترة من 1980 وحتى عام 2005، ساد خلالها الجهل والتطرف والحاكمية والتكفير والهجرة والتآمر والأخطاء السياسية الفادحة.

لم يكن يرى التنظيم القطبي داخل الجماعة أن الأرض تتآكل من تحت قدميه لصالح إخوان آخرين سيتقدمون الصفوف ويختطفون التنظيم، ولكنهم هذه المرة من خارج اللوبي المصري، عندما جاء إخوان الكويت من الصفوف الخلفية متكئين على ملاءة مالية هائلة ركعت كل من يقف في طريق سيطرتهم.

وكما يقول المثل للمال سلطته ونفوذه الذي لا يقاوم، لقد تسلل المال الإخواني الخليجي شيئاً فشيئاً ليصبح هو صاحب الكلمة العليا، في مقابل استسلام الإخوان المصريين لملذات المال الإخواني الخليجي الذي سيطر على مفاصل الحركة وتوجهاتها وظهر ذلك جلياً بعد سقوط حكم الإخوان المصريين لمصر 2013.

نحن نعيش اليوم العصر الإخواني الكويتي - الخليجي، وهو تنظيم دموي متسرع، والقضاء عليهم أهم من القضاء على إخوان مصر أو تونس أو غيرهم، فهم أصحاب المال السياسي الذي لا يغلبه غالب، متذكرين أن إخوان الخليج يسندون ظهورهم آخر المطاف على أموال الغاز الحرام القطرية منفذين لمشيئتها وأحلامها وحقدها.

كاتب سعودي

massaaed@