-A +A
محمد الساعد
هل لبنان ذو تأثير إستراتيجي على السعودية؟؟

هذا سؤال يجب أن يوجه لكل اللبنانيين العالقين في لبنان أو المهاجرين منه أو ممن يشكلون الجالية في السعودية ويقدر عددهم بـ350 ألفا، الذين يعتقدون أنهم يشكلون ثقلا في الإقليم.


الجواب: لبنان ليس مهماً وإذا كانت له أهمية فهو في آخر سلم الأولويات ولا يأخذ أكثر من 1 على عشرة، ولذلك تستطيع الرياض أن تدير فضاءها السياسي في المنطقة بدون وجود لبنان على الخريطة، بل إن إهماله وعدم النظر إليه لا يغير في المعادلات السعودية شيئا.

على الرغم من أن بيروت تحولت ملاذا للمنظمات الإرهابية ومعقلا لقوى اليسار ومطبعة لكل منشور أساء للمملكة وقادتها ووصولا لكل أعدائها منذ الستينات الميلادية وحتى اليوم، إلا أن الرياض لم تلتفت لكل ذلك وبقيت تتعامل بالأخوة والمعروف وحسن الظن.

منذ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 إثر انتقال المنظمات الفلسطينية من الأردن إلى بيروت واستقرارها وتوحشها وتحولها إلى سلطة تفوق الحكومة اللبنانية، والسعوديون يحاولون إطفاء الحرائق في لبنان التي استمرت مشتعلة إلى عام 1990 بسبب فتيل يصنعه اللبناني ويشعله الفلسطيني تارة والإيراني تارة والسوري تارة أخرى، لم يجبر أحد اللبنانيين على فعل لم يقبلوه ويحتضنوه وتحولوا إلى تجار حروب لا همّ لهم إلا استمرار المال المتدفق من العواصم العربية والخليجية بالذات إلى جيوبهم.

مع نهاية عام 1976 وبمبادرة سعودية، انعقد مؤتمر قمة سداسي في الرياض، شارك فيه زعماء السعودية ومصر وسوريا والكويت ولبنان إضافة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في محاولة لإيقاف بوادر حرب أهلية تحققت بالفعل لاحقا بين اللبنانيين أنفسهم وبين اللبنانيين والفلسطينيين.

الوضع في لبنان حينها كان مربكا ومرتبكا، بسبب تغول القضية الفلسطينية وهيمنتها حتى على المشاعر الوطنية، إضافة الى محاولة بعض العواصم العربية اختطاف تلك القضية لتحقيق مصالحها.

حاولت الرياض وقف إطلاق النار وإنهاء الاقتتال في كل الأراضي اللبنانية، واستعانت في ذلك بتشكيل قوات أطلق عليها «قوات الردع العربية» على أن تكون تحت إمرة الرئاسة اللبنانية لفرض القانون والسيطرة على الاقتتال.

كانت «الردع العربية» مُشكّلة من الجيش السعودي والسوري، -السعوديون انسحبوا لاحقا- ليتحول الجيش السوري من قوة لمساعدة لبنان إلى قوة احتلال لم تخرج إلا بعد مقتل الحريري 2005م.

مع كل ذلك لم تتوقف الرياض عن بذل محاولات أخرى لإنقاذ اللبنانيين من أنفسهم أولا، عندما أوكل الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، الأمير بندر بن سلطان للقيام بجولات مع الدبلوماسي الأمريكي فيليب حبيب في مساع للتخفيف عن لبنان عبء الموت والاقتصاد المنهار. تلك الجهود أسفرت في ما بعد عن اتفاق تاريخي في الفترة 1989 – 1990، حين دعت الرياض لعقد اجتماع استثنائي لمجلس النواب اللبناني في مدينة الطائف وتم فيه إقرار وثيقة الوفاق الوطني اللبناني المعروفة باسم اتفاق الطائف، ذلك الاتفاق هو الذي بنى لبنان الحديث الذي استمر إلى أن اغتالته إيران وسوريا وحزب الله وقطر عام 2005 بعد قتلهم للرئيس رفيق الحريري.

صحيح أن الاتفاق هو الذي حقق الاستقرار للبنان، لكن استغله العنصر المسيحي المتنمر والساعي لتحقيق دولة مسيحية خالصة تحالفت مع الإيراني، وكلاهما يعاديان العرب. هل نسينا المحاولة الانقلابية التي قام بها الجنرال عون في تلك المرحلة، ذلك لم يكن تحالفا «إسلاميا شيعيا مع مسيحي ماروني» لمصالح خاصة بينهم، بل كان تحالفا ضد المشروع السعودي في المنطقة.

كان حزب الله هو سفير إيران، وأصبح عون وكيل طائفة سفراء «المارون» الساعين لبناء دولة مسيحية تستعيد أحلامهم في الشام، وما هذا التحالف بين عون ونصر الله، الذي بدأ بناؤه عام 2005 واكتمل مع تتويج عون رئيسا للجمهورية، إلا تأكيد لذلك التطابق الذي وضع السعودية في مرمى العداء. وعلى اللبنانيين المتضررين من تحالف زعاماتهم مع طهران الاستمتاع بالفستق الإيراني ونثر الزعفران على الكبة اللبنانية.