-A +A
حمود أبو طالب
بجسده النحيل المنهك وسماعته الطبية المعلقة على رقبته بشكل شبه دائم وحقيبته العتيقة التي يجوب بها بيوت الفقراء أكثر من أربعة عقود، أصبح الطبيب المصري محمد مشالي -رحمه الله- أحد أيقونات هذا الزمن وأصبحت قصته تشبه الأساطير، لأن هذا النموذج يكاد يدخل ضمن المستحيلات في العالم المادي الذي نعيشه، والذي نهش كل القيم والمبادئ الجميلة، وسلب كثيراً من المهن طابعها الإنساني وبعدها الأخلاقي، ومنها للأسف مهنة الطب التي حولها البعض إلى لهاث وسباق محموم من أجل الاستزادة من المال.

الطبيب الذي درس وتدرب وتخصص لسنوات طويلة من حقه الكسب المشروع من مهنته والعيش في مستوى حياة جيد، لا خلاف على ذلك أبداً، ولكن أن يلهث معظم ساعات اليوم من عيادة لأخرى، وأن يبالغ في رسوم الكشف أو الإجراءات الطبية، أو يثقل المريض بفحوصات زائدة عن الحاجة لتصبح الفاتورة كبيرة، فإنه بذلك يمارس تصرفاً خارجاً عن أخلاق المهنة، يُتعب نفسه ويؤذي مريضه، وتصبح مسألة الصحة بمجملها سوقاً يفتقد النزاهة كغيره من المجالات المشبوهة.


وليس مطلوباً أبداً من كل طبيب أن يكون نسخة طبق الأصل للدكتور محمد مشالي الذي غادر الدنيا بسلام قبل يومين وأصبح حديث العالم بعد رحيله، ولكن سيكون الطبيب أجمل في عيون الناس وأقرب إلى الله، لو خصص نسبةً بسيطة من مراجعيه لكشف منخفض التكاليف، أو ساهم بنسبة بسيطة من تكاليف التحاليل والعلاج لغير القادرين، بعد إجراء استبيان بسيط لحالتهم الاجتماعية ودخلهم المادي. ولو وضع كل مستشفى خاص برنامجاً للعلاج الخيري يشارك فيه بجزء من التكلفة مع فاعلي الخير موجهاً للفقراء الذين لا يجدون علاجاً في المرافق الصحية الحكومية أو يحتاجون تدخلاً سريعاً، لو حدث ذلك فلن يؤثر على دخل المستشفى وستكون الحياة أجمل ويصبح للمسؤولية الاجتماعية معنى حقيقي جميل.

الرحمة من أنبل وأسمى الصفات، والراحمون يرحمهم الله، فارحموا الناس يزيدكم الله من فضله، ويمنحكم خير الدنيا والآخرة.