تلتهب ساحة تويتر بحرب حول النسوية استُخدم فيها الدين والتخوين وغيرهما من وسائل التشويه بين طرفين متشاكسين يمثلان أطياف المعادلة الفكرية، وهذا السجال الثقافي ليس بدعا؛ ففي الغرب ما يقاربه لكنه يخلو من التخوين، فالتخوف من النسوية يمتد إلى المجتمعات الغربية لكن بدوافع مختلفة (علمية أو منهجية) ولا يُقبل فيه تشويه السمعة. وسننقل بعض المخاوف العلمية من الأدبيات الغربية.
كان ظهور النسوية في الغرب في مجالات الفكر والثقافة واللغة والاقتصاد موضع ترحيب من البعض وموضع رفض من آخرين، والسبب في ذلك يعود إلى أنها مسمى واحد يضم طيفا من المفاهيم والتصورات التي لا يتفق حولها المتناقشون.
فتبدأ جهة اليمين من الدعوة إلى تمكين المرأة والمطالبة بحقوقها المشروعة وطرح أسئلة حول التغيير الاجتماعي والتنوع والمساواة الاقتصادية وإزالة ما يمكن تسميته بالطبقية الجنسية.. وتهتم بالتغيير من مهمشين ومستبعَدين (النساء) إلى إزاحة الفئة المسيطرة المحتكرة أوتوماتيكيا (الرجال) ومراعاة وضع النساء في الحياة.
وهذه المطالبات جاءت نتيجة استياء من تسلط الذكور وعدم إسهام الوضع القائم في العدالة الاجتماعية والتنمية. وتهتم هذه المطالبات بإعادة تشكيل المجتمع وألا يكون حكرا على النخبة (المبنية على الجنس)، وأن تزول جميع مظاهر القهر واستخدام المرأة سلعة مادية إلى المشاركة الفاعلة والقضاء على النظرة إلى الجنس على أنه قوة مركزية.
أعتقد أن هذا الموقف لا يختلف حوله المعارضون والمؤيدون؛ إلا أن الإشكال نابع من أن من يعارض النسوية لا ينظر إلى هذا الطيف؛ بينما خصمه ينظر إليه ويركز عليه.
ثم تتباين المواقف والمطالبات ما بين حصول على حقوق طبيعية إلى مسألة يراها المناوئون للنسوية تمردا وانحلالا (لاحظ اللفظتين لدى الرافضين) وسطوا على إمبرياليتهم (لاحظ اللفظة لدى المؤيدين) واحتكارهم الذي ينبغي أن يتغير ولا يستمر.
وتتباين المواقف إلى من يرى تحديد ظروف وسياقات معينة للمرأة لنصل إلى الموقف المتشدد أو المتطرف أو الراديكالي (Radical feminism). وهذا الموقف الذي أزعم أن المناوئين للنسوية في مجتمعنا (المحافظين) يركّزون عليه وينظرون إليه في النقاش مع خصومهم المؤيدين للنسوية بينما لا يعنيه مؤيدو النسوية عندنا بالضرورة.
تنطلق النسوية الراديكالية من إلغاء القيود المفروضة على المرأة لتصل إلى إلغاء دور الذكر وإلى ما يمكن أن يعتبره الكثيرون انحلالا للقيم والتقاليد المرتبطة بالمجتمع أو بالدين. أي أن النسوية تنظر إلى جنس الأنوثة بوصفه مصدرًا لاضطهاد المرأة، وهذا الاضطهاد سببه الأبوية أو الذكورية ولا تقرّه العادات ولا الأديان بالضرورة؛ ولهذا يرى النسويون الراديكاليون الإطاحة بالنظام الأبوي الذكوري عبر معارضتهم لأدوار الجنسين وإعادة تنظيم المجتمع لأنهم يرون أن المرأة بوضعها الحالي ينظر إليها على أنها مُنتَج مادي وليس فاعلا ولا متفاعلا.
في المقابل يرى باحثون أن الترويج لفكرة تُغيّر المجتمع وتقلب الموازين فيه (مثل النسوية) ينبغي ألا تتحول من نقد لتركيبة الاتجاه السائد إلى صيغة نقد وممارسة أيضا وبناء مناقض للبناء القائم يهدف إلى استبدال وضع بآخر مختلف عنه. وينبّه آخرون من أن تتحول النسوية إلى إنتاج وإعادة الإنتاج وتحدي السيطرة الذكورية بكافة أشكالها. وهذا التحذير ربما يبرر خوف المحافظين لدينا الذين لا بد أن نتفهم وجهة نظرهم؛ لأنهم يرون النسوية (تمردا وانقلابا) على ما ألفوه وما يعدونه من مكتسباتهم الممنوحة لهم دينا أو عادات وتقاليد....
ويؤكّد المنهج العلمي على أن انتقاد الوضع القائم يتطلب أن تكون ناقدا لما تطالب به أيضا، أي تقوم بعملية تقييم وجهات النظر المتعددة حول موضوع ما (مثل النسوية).. ولا تلتزم أيديولوجيا بمنظور واحد والمطالبة بخلق واقع بديل وفرضه؛ لأنه سيكون نسخة معدلة على توجهك الناقد الذي هو بطبيعته متحيز؛ فنكون بذلك أقمنا تسلطا مكان آخر. ولا بد من التحذير من امتلاك اليقين حول الصحة، وهذا ما يطلق عليه: (التحذير من غواية النقد).
وهناك إشكالية «عن أخلاقيات من نتحدث؟» وأن من ينتقدون وضعا ويطالبون بتغييره، مثل المبشر أو الواعظ، الواثقين بأنهم أعرف بالأصلح لهم ولغيرهم! فهم في الواقع ينكرون التعددية ويفرضون نسختهم الخاصة للواقع؛ وبذلك يمارسون التسلط الذي يدّعون إنكاره؛ فالتغيير الناقد غالبا يدعو للتقيد بموقف أيديولوجي معين، ويدّعي الحياد وهو يروج رؤية محددة جدا للعالم (بناء على قناعاته ومعتقداته). فقد ينتج عن تفكيك علاقات القوة المهيمنة الملحوظة إنتاج نمذجة (تنميط) لواقع مضاد يصبح في النهاية ذا سلطة وهيمنة واحتكار النفوذ؛ ولهذا فلا بد لكل رأي من أن يُراجَع ويُمتحَن على ضوء مناظير ورؤى متنافسة..
ومن جهة أخرى، يثير باحثون آخرون قضية (النسبية ووجهة النظر الخاصة بالتحليل الثقافي)، وأنه يندر وجود المحايدة والموضوعية أو حتى السعي إلى ذلك لأن الطبيعة البشرية والإنسانية منحازة إلى موقف معين.
ويمكن أن نشير إلى بعض المواقف المتزنة التي تحذّر من أن تتحول النسوية من (رغبة في حق ومساواة) إلى (رغبة في تسلط). ويرى آخرون أن معظم الإناث لسن ضحايا القمع والاحتكار الذكوري مسلوبات الحول والقوة، بل الهوية الجنسية معقدة، تتبدل، وتتفاوت باستمرار ما بين القوة والضعف.
فالمناوئ للنسوية قد ينظر إلى طرفها الراديكالي المتحرر والمنحلّ (من وجهة نظره) ويلحّ عليه في نقاشه؛ بينما المؤيد ينظر إلى طرفها الآخر المشروع (من وجهة نظره)؛ وبهذا يكون الحوار بين أطرشين!دص
كان ظهور النسوية في الغرب في مجالات الفكر والثقافة واللغة والاقتصاد موضع ترحيب من البعض وموضع رفض من آخرين، والسبب في ذلك يعود إلى أنها مسمى واحد يضم طيفا من المفاهيم والتصورات التي لا يتفق حولها المتناقشون.
فتبدأ جهة اليمين من الدعوة إلى تمكين المرأة والمطالبة بحقوقها المشروعة وطرح أسئلة حول التغيير الاجتماعي والتنوع والمساواة الاقتصادية وإزالة ما يمكن تسميته بالطبقية الجنسية.. وتهتم بالتغيير من مهمشين ومستبعَدين (النساء) إلى إزاحة الفئة المسيطرة المحتكرة أوتوماتيكيا (الرجال) ومراعاة وضع النساء في الحياة.
وهذه المطالبات جاءت نتيجة استياء من تسلط الذكور وعدم إسهام الوضع القائم في العدالة الاجتماعية والتنمية. وتهتم هذه المطالبات بإعادة تشكيل المجتمع وألا يكون حكرا على النخبة (المبنية على الجنس)، وأن تزول جميع مظاهر القهر واستخدام المرأة سلعة مادية إلى المشاركة الفاعلة والقضاء على النظرة إلى الجنس على أنه قوة مركزية.
أعتقد أن هذا الموقف لا يختلف حوله المعارضون والمؤيدون؛ إلا أن الإشكال نابع من أن من يعارض النسوية لا ينظر إلى هذا الطيف؛ بينما خصمه ينظر إليه ويركز عليه.
ثم تتباين المواقف والمطالبات ما بين حصول على حقوق طبيعية إلى مسألة يراها المناوئون للنسوية تمردا وانحلالا (لاحظ اللفظتين لدى الرافضين) وسطوا على إمبرياليتهم (لاحظ اللفظة لدى المؤيدين) واحتكارهم الذي ينبغي أن يتغير ولا يستمر.
وتتباين المواقف إلى من يرى تحديد ظروف وسياقات معينة للمرأة لنصل إلى الموقف المتشدد أو المتطرف أو الراديكالي (Radical feminism). وهذا الموقف الذي أزعم أن المناوئين للنسوية في مجتمعنا (المحافظين) يركّزون عليه وينظرون إليه في النقاش مع خصومهم المؤيدين للنسوية بينما لا يعنيه مؤيدو النسوية عندنا بالضرورة.
تنطلق النسوية الراديكالية من إلغاء القيود المفروضة على المرأة لتصل إلى إلغاء دور الذكر وإلى ما يمكن أن يعتبره الكثيرون انحلالا للقيم والتقاليد المرتبطة بالمجتمع أو بالدين. أي أن النسوية تنظر إلى جنس الأنوثة بوصفه مصدرًا لاضطهاد المرأة، وهذا الاضطهاد سببه الأبوية أو الذكورية ولا تقرّه العادات ولا الأديان بالضرورة؛ ولهذا يرى النسويون الراديكاليون الإطاحة بالنظام الأبوي الذكوري عبر معارضتهم لأدوار الجنسين وإعادة تنظيم المجتمع لأنهم يرون أن المرأة بوضعها الحالي ينظر إليها على أنها مُنتَج مادي وليس فاعلا ولا متفاعلا.
في المقابل يرى باحثون أن الترويج لفكرة تُغيّر المجتمع وتقلب الموازين فيه (مثل النسوية) ينبغي ألا تتحول من نقد لتركيبة الاتجاه السائد إلى صيغة نقد وممارسة أيضا وبناء مناقض للبناء القائم يهدف إلى استبدال وضع بآخر مختلف عنه. وينبّه آخرون من أن تتحول النسوية إلى إنتاج وإعادة الإنتاج وتحدي السيطرة الذكورية بكافة أشكالها. وهذا التحذير ربما يبرر خوف المحافظين لدينا الذين لا بد أن نتفهم وجهة نظرهم؛ لأنهم يرون النسوية (تمردا وانقلابا) على ما ألفوه وما يعدونه من مكتسباتهم الممنوحة لهم دينا أو عادات وتقاليد....
ويؤكّد المنهج العلمي على أن انتقاد الوضع القائم يتطلب أن تكون ناقدا لما تطالب به أيضا، أي تقوم بعملية تقييم وجهات النظر المتعددة حول موضوع ما (مثل النسوية).. ولا تلتزم أيديولوجيا بمنظور واحد والمطالبة بخلق واقع بديل وفرضه؛ لأنه سيكون نسخة معدلة على توجهك الناقد الذي هو بطبيعته متحيز؛ فنكون بذلك أقمنا تسلطا مكان آخر. ولا بد من التحذير من امتلاك اليقين حول الصحة، وهذا ما يطلق عليه: (التحذير من غواية النقد).
وهناك إشكالية «عن أخلاقيات من نتحدث؟» وأن من ينتقدون وضعا ويطالبون بتغييره، مثل المبشر أو الواعظ، الواثقين بأنهم أعرف بالأصلح لهم ولغيرهم! فهم في الواقع ينكرون التعددية ويفرضون نسختهم الخاصة للواقع؛ وبذلك يمارسون التسلط الذي يدّعون إنكاره؛ فالتغيير الناقد غالبا يدعو للتقيد بموقف أيديولوجي معين، ويدّعي الحياد وهو يروج رؤية محددة جدا للعالم (بناء على قناعاته ومعتقداته). فقد ينتج عن تفكيك علاقات القوة المهيمنة الملحوظة إنتاج نمذجة (تنميط) لواقع مضاد يصبح في النهاية ذا سلطة وهيمنة واحتكار النفوذ؛ ولهذا فلا بد لكل رأي من أن يُراجَع ويُمتحَن على ضوء مناظير ورؤى متنافسة..
ومن جهة أخرى، يثير باحثون آخرون قضية (النسبية ووجهة النظر الخاصة بالتحليل الثقافي)، وأنه يندر وجود المحايدة والموضوعية أو حتى السعي إلى ذلك لأن الطبيعة البشرية والإنسانية منحازة إلى موقف معين.
ويمكن أن نشير إلى بعض المواقف المتزنة التي تحذّر من أن تتحول النسوية من (رغبة في حق ومساواة) إلى (رغبة في تسلط). ويرى آخرون أن معظم الإناث لسن ضحايا القمع والاحتكار الذكوري مسلوبات الحول والقوة، بل الهوية الجنسية معقدة، تتبدل، وتتفاوت باستمرار ما بين القوة والضعف.
فالمناوئ للنسوية قد ينظر إلى طرفها الراديكالي المتحرر والمنحلّ (من وجهة نظره) ويلحّ عليه في نقاشه؛ بينما المؤيد ينظر إلى طرفها الآخر المشروع (من وجهة نظره)؛ وبهذا يكون الحوار بين أطرشين!دص