تشهد تونس، هذه الأيام، وضعاً سياسياً غير مستقر. لما يقربُ من عامٍ يفشلُ السياسيون والأحزابُ، ومؤسساتُ الحكم، في تشكيلِ حكومةٍ قابلةٍ للاستمرار، قادرةٍ بفاعليةٍ وكفاءةٍ القيامَ بمسؤوليتِها السياسيةِ والتعامل مع مشاكلِ البلادِ المزمنة. هناك ما يقربُ من 20 حزباً وتياراً سياسياً، بالإضافةِ إلى أكثرِ من 10 نوابٍ مستقلين يتقاسمون جميعاً مقاعدَ مجلسِ نوابِ الشعبِ (217 مقعداً).
تكمن مشكلةُ الحكمِ في تونس، هذه الأيام بالذات، في نظام الحكمِ الجديد الذي اختارته البلاد، بعدَ أحداثِ يناير 2011، أملاً في تحولٍ ديمقراطيٍ يقومُ على الإرادةِ الشعبية، بآليةِ التداولِ السلميِ للسلطة. إلا أن هذا النظامَ البرلمانيَ لم يثبت جدارتَه على الاستقرارِ والتخلص من حالةِ الاستقطابِ الحادِ بين النخبِ السياسيةِ المكونة لخريطةِ التعدديةِ السياسيةِ للمجتمعِ التونسي، بين قوى ما قبلَ الثورةِ (المحافظة).. وتلك، المسماة بالثورية.
قوى الثورةِ، بالرغم من اتفاقِها حول ضرورةِ التحولِ الديمقراطي، إلا أنها تتقاذفها اختلافاتٌ أيدلوجيةٌ حادة، علمانية وأخرى دينية، تفشلُ، كما هو في دورةِ البرلمان الحالي، في تشكيل ائتلافٍ حكومي، يتمتعُ بالحدودِ الدنيا من الوفاقِ السياسي.
ما تمر به تونسُ، هذه الأيام من أعراضِ عدمِ الاستقرارِ، يرجعُ في معظَمِهِ لنظامِ حكمِ، ما بعد الثورة، أكثرَ منه أي متغير آخر، بما فيه المتغيرُ الخارجي، الذي يكثرُ لومه... وإن كان الأول فتح المجال للثاني، لحدٍ كبير.
مشكلةُ النظامِ البرلماني أن مركزَ ثقلِهِ السياسيِ يكمنُ في السلطة التشريعيةِ (البرلمان). لكي تتمكنَ السلطةُ التنفيذيةُ (الحكومة) من ممارسةِ مهامِها، لا بد من اعتمادها على ثقةِ البرلمانِ، بتمتعها، دوماً، بالأغلبية المطلقة (50% + 1 من مقاعدِ البرلمان). متى تفقدُ الحكومةُ هذا النصابَ، تفقد معها ثقةَ البرلمانِ فيها، وتسقط.
نظرياً وواقعياً: الأنظمة البرلمانية المستقرة، هي تلك التي تأخذ بنظام الحزبين، حيث تُتداول السلطةُ بين حزبين رئيسيين، يتناوبان الحُكْمَ وموقعَ المعارضةِ (بريطانيا). أو القدرة على تشكيل ائتلافٍ حكوميٍ، قابلٍ للاستمرارِ طيلةَ دورة البرلمان (ألمانيا).. أو وجودُ حزبٍ واحدٍ تواترَ تاريخياً حصولُه على الأغلبية، ليحتكرَ الحكمَ لفترةٍ طويلة (اليابان).
عدا هذه الحالات الثلاث، يصعبُ ضمانُ استقرار النظامِ البرلماني، خاصةً في البلدانِ حديثة الأخذ بالممارسةِ الديمقراطية، مثل تونس... وإن كان العالمُ العربي، لم يخل تاريخياً، من النظم «شبه» البرلمانية، يستند ما يبدو من استقرارها على متغيراتٍ غير آليةِ النظامِ البرلمانيِ، نفسه.
قد يكون المخرجُ، لضمان ممارسةٍ ديمقراطيةٍ مستقرةٍ في تونس التحول للنظامِ الرئاسي (الولايات المتحدة).. أو النظام المختلط أو شبه الرئاسي (فرنسا). كلا النظامين الأخيرين، يضمنان استقلاليةً مؤسساتية للسلطة التنفيذية (الحكومة)... الأمر الذي يضمنُ للحكومةِ مرونةً في الحركةِ، بعيداً عن هيمنةِ البرلمان، ويتبع ذلك استقرارٌ سياسيٌ أكبرُ لمؤسساتِ الحكم.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
تكمن مشكلةُ الحكمِ في تونس، هذه الأيام بالذات، في نظام الحكمِ الجديد الذي اختارته البلاد، بعدَ أحداثِ يناير 2011، أملاً في تحولٍ ديمقراطيٍ يقومُ على الإرادةِ الشعبية، بآليةِ التداولِ السلميِ للسلطة. إلا أن هذا النظامَ البرلمانيَ لم يثبت جدارتَه على الاستقرارِ والتخلص من حالةِ الاستقطابِ الحادِ بين النخبِ السياسيةِ المكونة لخريطةِ التعدديةِ السياسيةِ للمجتمعِ التونسي، بين قوى ما قبلَ الثورةِ (المحافظة).. وتلك، المسماة بالثورية.
قوى الثورةِ، بالرغم من اتفاقِها حول ضرورةِ التحولِ الديمقراطي، إلا أنها تتقاذفها اختلافاتٌ أيدلوجيةٌ حادة، علمانية وأخرى دينية، تفشلُ، كما هو في دورةِ البرلمان الحالي، في تشكيل ائتلافٍ حكومي، يتمتعُ بالحدودِ الدنيا من الوفاقِ السياسي.
ما تمر به تونسُ، هذه الأيام من أعراضِ عدمِ الاستقرارِ، يرجعُ في معظَمِهِ لنظامِ حكمِ، ما بعد الثورة، أكثرَ منه أي متغير آخر، بما فيه المتغيرُ الخارجي، الذي يكثرُ لومه... وإن كان الأول فتح المجال للثاني، لحدٍ كبير.
مشكلةُ النظامِ البرلماني أن مركزَ ثقلِهِ السياسيِ يكمنُ في السلطة التشريعيةِ (البرلمان). لكي تتمكنَ السلطةُ التنفيذيةُ (الحكومة) من ممارسةِ مهامِها، لا بد من اعتمادها على ثقةِ البرلمانِ، بتمتعها، دوماً، بالأغلبية المطلقة (50% + 1 من مقاعدِ البرلمان). متى تفقدُ الحكومةُ هذا النصابَ، تفقد معها ثقةَ البرلمانِ فيها، وتسقط.
نظرياً وواقعياً: الأنظمة البرلمانية المستقرة، هي تلك التي تأخذ بنظام الحزبين، حيث تُتداول السلطةُ بين حزبين رئيسيين، يتناوبان الحُكْمَ وموقعَ المعارضةِ (بريطانيا). أو القدرة على تشكيل ائتلافٍ حكوميٍ، قابلٍ للاستمرارِ طيلةَ دورة البرلمان (ألمانيا).. أو وجودُ حزبٍ واحدٍ تواترَ تاريخياً حصولُه على الأغلبية، ليحتكرَ الحكمَ لفترةٍ طويلة (اليابان).
عدا هذه الحالات الثلاث، يصعبُ ضمانُ استقرار النظامِ البرلماني، خاصةً في البلدانِ حديثة الأخذ بالممارسةِ الديمقراطية، مثل تونس... وإن كان العالمُ العربي، لم يخل تاريخياً، من النظم «شبه» البرلمانية، يستند ما يبدو من استقرارها على متغيراتٍ غير آليةِ النظامِ البرلمانيِ، نفسه.
قد يكون المخرجُ، لضمان ممارسةٍ ديمقراطيةٍ مستقرةٍ في تونس التحول للنظامِ الرئاسي (الولايات المتحدة).. أو النظام المختلط أو شبه الرئاسي (فرنسا). كلا النظامين الأخيرين، يضمنان استقلاليةً مؤسساتية للسلطة التنفيذية (الحكومة)... الأمر الذي يضمنُ للحكومةِ مرونةً في الحركةِ، بعيداً عن هيمنةِ البرلمان، ويتبع ذلك استقرارٌ سياسيٌ أكبرُ لمؤسساتِ الحكم.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com