ما أسهل «تشخيص» وتنظير «الوضع اللبناني»، وما يشبهه، وما أصعب تنفيذ ما ينبغي تبنيه، وما يجب أن يكون على الأرض، باعتبار العقبات الداخلية والخارجية الكأداء المعروفة، أمام العلاج. لذلك، أصبح المأمول/المفقود (الاستقرار السياسي الحقيقي) قريبا بعيدا. قلنا في المقال السابق لهذا: لن يستقر لبنان، أو أي بلد مشابه له (عربي أو غيره) إلا إذا «طبع» وضعه السياسي، وأقام نظاما برلمانيا حقيقيا، يتجسد في دستور لبناني لا طائفي جديد.. يؤكد سيادة الشعب، ويسمح بتكوين الأحزاب السياسية، وفق الأصول المتعارف عليها عالميا، ويمنع أي حزب من تشكيل ميليشيا خاصة به، وتحتكر الدولة (ممثلة بالحكومة اللبنانية) كل وسائل الإكراه العام. وهذا يستوجب تحويل ما يسمى بـ«حزب الله» الإرهابي إلى حزب سياسي عادي، منزوع السلاح، حتى لا يكون «دولة داخل دولة». فلبنان كما هو الآن مريض سياسيا، ولن تشفيه إلا هذه الوصفة، التي يجمع عليها كل «أطباء» السياسة.
واليوم نحاول توضيح الآليات الممكنة لجعل المريض يتجرع العلاج الناجع، أي تبني الحل الذي توصي به هذه الوصفة. فعند التأمل في «الوضع اللبناني»، يبرز تساؤل هام ومصيري، ألا وهو: كيف يتم التمهيد لـ«تطبيع» الوضع السياسي اللبناني، ومن ثم إقامة (فرض) النظام المأمول، والذي يعتبر هو «العلاج» الناجع، والذي يضمن استقرار لبنان، وما شابهه من دول مضطربة غير مستقرة، في المدى الطويل؟!
****
هناك، في الواقع المحلي والاقليمي والعالمي، طريقان، أو وسيلتان ممكنتان... لتحقيق هذا الهدف العزيز. الوسيلة السلمية التي تعني التفاوض فيما بين الأطراف (الطوائف) اللبنانية الرئيسة -بوساطة دولية نزيهة- والقبول والاتفاق على تبني هذا الحل المنطقي، الذي أخذت به دول عدة مشابهة، وثبت جدواه، ونجاحه (ماليزيا، وسويسرا، مثلا). أو وسيلة القوة والإكراه على تناول البلسم الشافي.
فهنا لا بد من «قوة نزيهة» تستولي على السلطة عنوة، وتزيح الأحزاب الطائفية ورموزها، وتقيم النظام المأمول، وتسلمه (مشكورة مقدرة) للشعب. وهذا البطل المرجو لابد أن تتوفر فيه خصيصتان: القوة التي تمكنه من إزاحة عصابات الإرهاب والاستبداد والطائفية والفساد، والنزاهة التي تحتم عليه وتلزمه بإقامة النظام المأمول، والرحيل... وعدم إقامة حكم القلة العسكرية الدائم، أو ما شابه ذلك. لذا، يمكن أن نقول اليوم: سيستقر لبنان، إما سلما، عبر التفاوض والتفاهم، لتبني الحل السليم، فيما بين مكوناته الثمانية عشر، بإشراف وساطة دولية نزيهة، أو حربا، عبر: استيلاء قوة لبنانية نزيهة (من الجيش اللبناني) على السلطة، وإزاحة طغاة الطائفية، وإقامة النظام السياسي المناسب، ثم الرحيل.
ولن يكون البطل المخلص، بالتأكيد، هو إحدى الطوائف، أو أحد قادة الأحزاب الطائفية. إنه -في رأينا- «الجيش اللبناني». فرغم ما يقال إن الطائفية قد اخترقته هو الآخر، فإن كثيرا من الشواهد تشير إلى أن هذا الجيش ما زال «وطنيا»، كما يدعي قادته. لذلك، يظل هو الأقرب ليكون «البطل» النزيه المنتظر. لا أحد يتمنى انقلابا عسكريا على الطريقة العربية التي تستبدل مستبد بمستبد آخر، وتسلم البلاد لحكم العسكر الأكثر استبدادا وظلما وفسادا. فهل يكون الجيش اللبناني هو البطل الاستثنائي، ليدخل التاريخ السياسي لبلاده وللعرب من أوسع الأبواب، وأنبلها؟! قد يحصل هذا التطور السعيد، لاسيما وهناك شعب (لبناني) واع، ومثقف، ولا يقبل الاستبداد.
****
لقد تغنى المفكرون السياسيون بالديمقراطية... مع تأكيد بعضهم بأن الديكتاتورية الاستبدادية المصلحة ضرورية في حالات ثلاث فقط، هي: إنشاء دولة من عدم؛ إنقاذ دولة من انهيار وشيك؛ إصلاح دولة بالغة الفساد. أما في حالة صلاح الدولة، وعودة الحياة فيها إلى الوضع الطبيعي، فإن الحكم التمثيلي هو الأنسب والضامن للاستقرار السياسي والازدهار الحضاري، في المدى الطويل.
ويستحسن تذكر هذه النظريات العلمية المعتمدة عند تحليل الوضع السياسي العام الراهن للأقطار العربية المضطربة وغيرها، ووضع الحلول الممكنة لهذه الإشكالية السياسية الخطيرة التي تعاني منها هذه الدول الآن (سوريا، العراق اليمن، ليبيا، وغيرهم). فمعظم الدول العربية في الهم لبنان. وغالبا لن نجد أفضل من وصفة الديكتاتورية المصلحة، لا سيما وقد تواجدت كل الحالات الثلاث، بهذه الدول في الوقت الحاضر، ونشأت ضرورة وجود «قادة» أقوياء (ينفردون بالسلطة مؤقتا) لتجاوز أزمة هذه الدول. كأن ينهض قائد جيش، أو حزب وطني، في كل منها، ويستولي على السلطة، معيداً الأمن والاستقرار إلى ربوع بلاده، وبدء العملية السياسية التي تضمن، في نهاية الأمر، تسليم السلطة لأطراف منتخبة، وفق دستور مقبول.
وكما هو معروف، فإن غالبية الشعب اللبناني، بكل طوائفه، خرجت تطالب الآن برحيل النظام، وتغييره لما هو «أفضل». وهم يقصدون «كل النظام»، وليس أفرادا أو طائفة بعينها. وهذا، ولا شك، يمثل دعما هائلا لـ«قوة التغيير النزيهة» المرجوة، التي يؤمل منها تغيير السلطة الاستبدادية التي جثمت على صدره لأكثر من ستة عقود، واستبدالها بالنظام المناسب. وكل محبي لبنان يتمنون الآن، أن يتم هذا «الانتقال» المرجو، سلما، ودون أي استخدام للعنف.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com
واليوم نحاول توضيح الآليات الممكنة لجعل المريض يتجرع العلاج الناجع، أي تبني الحل الذي توصي به هذه الوصفة. فعند التأمل في «الوضع اللبناني»، يبرز تساؤل هام ومصيري، ألا وهو: كيف يتم التمهيد لـ«تطبيع» الوضع السياسي اللبناني، ومن ثم إقامة (فرض) النظام المأمول، والذي يعتبر هو «العلاج» الناجع، والذي يضمن استقرار لبنان، وما شابهه من دول مضطربة غير مستقرة، في المدى الطويل؟!
****
هناك، في الواقع المحلي والاقليمي والعالمي، طريقان، أو وسيلتان ممكنتان... لتحقيق هذا الهدف العزيز. الوسيلة السلمية التي تعني التفاوض فيما بين الأطراف (الطوائف) اللبنانية الرئيسة -بوساطة دولية نزيهة- والقبول والاتفاق على تبني هذا الحل المنطقي، الذي أخذت به دول عدة مشابهة، وثبت جدواه، ونجاحه (ماليزيا، وسويسرا، مثلا). أو وسيلة القوة والإكراه على تناول البلسم الشافي.
فهنا لا بد من «قوة نزيهة» تستولي على السلطة عنوة، وتزيح الأحزاب الطائفية ورموزها، وتقيم النظام المأمول، وتسلمه (مشكورة مقدرة) للشعب. وهذا البطل المرجو لابد أن تتوفر فيه خصيصتان: القوة التي تمكنه من إزاحة عصابات الإرهاب والاستبداد والطائفية والفساد، والنزاهة التي تحتم عليه وتلزمه بإقامة النظام المأمول، والرحيل... وعدم إقامة حكم القلة العسكرية الدائم، أو ما شابه ذلك. لذا، يمكن أن نقول اليوم: سيستقر لبنان، إما سلما، عبر التفاوض والتفاهم، لتبني الحل السليم، فيما بين مكوناته الثمانية عشر، بإشراف وساطة دولية نزيهة، أو حربا، عبر: استيلاء قوة لبنانية نزيهة (من الجيش اللبناني) على السلطة، وإزاحة طغاة الطائفية، وإقامة النظام السياسي المناسب، ثم الرحيل.
ولن يكون البطل المخلص، بالتأكيد، هو إحدى الطوائف، أو أحد قادة الأحزاب الطائفية. إنه -في رأينا- «الجيش اللبناني». فرغم ما يقال إن الطائفية قد اخترقته هو الآخر، فإن كثيرا من الشواهد تشير إلى أن هذا الجيش ما زال «وطنيا»، كما يدعي قادته. لذلك، يظل هو الأقرب ليكون «البطل» النزيه المنتظر. لا أحد يتمنى انقلابا عسكريا على الطريقة العربية التي تستبدل مستبد بمستبد آخر، وتسلم البلاد لحكم العسكر الأكثر استبدادا وظلما وفسادا. فهل يكون الجيش اللبناني هو البطل الاستثنائي، ليدخل التاريخ السياسي لبلاده وللعرب من أوسع الأبواب، وأنبلها؟! قد يحصل هذا التطور السعيد، لاسيما وهناك شعب (لبناني) واع، ومثقف، ولا يقبل الاستبداد.
****
لقد تغنى المفكرون السياسيون بالديمقراطية... مع تأكيد بعضهم بأن الديكتاتورية الاستبدادية المصلحة ضرورية في حالات ثلاث فقط، هي: إنشاء دولة من عدم؛ إنقاذ دولة من انهيار وشيك؛ إصلاح دولة بالغة الفساد. أما في حالة صلاح الدولة، وعودة الحياة فيها إلى الوضع الطبيعي، فإن الحكم التمثيلي هو الأنسب والضامن للاستقرار السياسي والازدهار الحضاري، في المدى الطويل.
ويستحسن تذكر هذه النظريات العلمية المعتمدة عند تحليل الوضع السياسي العام الراهن للأقطار العربية المضطربة وغيرها، ووضع الحلول الممكنة لهذه الإشكالية السياسية الخطيرة التي تعاني منها هذه الدول الآن (سوريا، العراق اليمن، ليبيا، وغيرهم). فمعظم الدول العربية في الهم لبنان. وغالبا لن نجد أفضل من وصفة الديكتاتورية المصلحة، لا سيما وقد تواجدت كل الحالات الثلاث، بهذه الدول في الوقت الحاضر، ونشأت ضرورة وجود «قادة» أقوياء (ينفردون بالسلطة مؤقتا) لتجاوز أزمة هذه الدول. كأن ينهض قائد جيش، أو حزب وطني، في كل منها، ويستولي على السلطة، معيداً الأمن والاستقرار إلى ربوع بلاده، وبدء العملية السياسية التي تضمن، في نهاية الأمر، تسليم السلطة لأطراف منتخبة، وفق دستور مقبول.
وكما هو معروف، فإن غالبية الشعب اللبناني، بكل طوائفه، خرجت تطالب الآن برحيل النظام، وتغييره لما هو «أفضل». وهم يقصدون «كل النظام»، وليس أفرادا أو طائفة بعينها. وهذا، ولا شك، يمثل دعما هائلا لـ«قوة التغيير النزيهة» المرجوة، التي يؤمل منها تغيير السلطة الاستبدادية التي جثمت على صدره لأكثر من ستة عقود، واستبدالها بالنظام المناسب. وكل محبي لبنان يتمنون الآن، أن يتم هذا «الانتقال» المرجو، سلما، ودون أي استخدام للعنف.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com