-A +A
طلال صالح بنان
من أهم مكونات الدولة القومية الحديثة، متغير السيادة. ميثاق الأمم المتحدة رفع من قيمة السيادة للدول الأعضاء لمرتبة عليا، تتجاوز حتى التزامات العضوية، نفسها. بل إن ميثاق الأمم المتحدة نفسه، يرى العضوية في الأمم المتحدة وسحبها، هو شأن سيادي (مقدس)، خاص بالأعضاء من الدول.

من الناحية النظرية: سيادة الدول مطلقة. للدولة، على سبيل المثال: أن تعترف بغيرها من الدول.. وأن تعقد اتفاقات ومعاهدات مع غيرها من الدول والكيانات الإقليمية والدولية.. كما أن لها أن تدخل في تحالفات وروابط صداقة وتعاون... ولها أن تأخذ باستراتيجية الحياد، بل وتلزم الآخرين، باحترام خيارها هذا، حتى في أوقات الحروب.


لكن، من الناحية العملية، سياسياً وقانونياً وأخلاقياً، سيادة الدولة، ليس بهذا الإطلاق النظري. الدولة، وإن كان لها (سيادياً) الحرية، في حركة وتوجه مؤسساتها الرسمية، إلا أنها ملزمة، بضبط سلوكها، وفقاً لالتزاماتها المعلنة، التي تكون طرفاً فيها مع الأطراف الخارجية، التي تشترك معها في اتفاقات ثنائية.. أو تنظيمات وتكتلات دولية مشتركة.

داخلياً: الدولة، وإن كان لها مطلق الحرية، في اختيار نظام الحكم، الذي تراه مناسباً، إلا أننا نجدها مختارة لا تجاهر بمخالفتها، لاتباع قواعد وتعهدات، سواء كانت طرفاً فيها أم لا، في مواضيع لها أبعاد أممية تشكل ما يرقى لقانون أعلى يتجاوز دعاوى السيادة. مثل ما هو الحال في قضايا حقوق الإنسان والتنمية والبيئة والتجارة والتعرفة الجمركية والحقوق الفكرية، وحتى التسلح.. وغيرها من المتغيرات الداخلية، التي لها علاقة باستقرار الدولة نفسها... بل وتمتعها بمتغير السيادة الإيجابي.

يتسع مجال محدودية قيمة السيادة وحركتها، على المستوى الخارجي، مما قد يمس مباشرةً، بالسيادة. من أهم: محددات السيادة، التزامات الدولة نفسها لمسوغات العضوية الإقليمية والدولية. عضوية الدولة في الأمم المتحدة، وإن كانت في الأساس عملاً سيادياً بامتياز، إلا أنها تفرض التزمات، تصل محاولات عدم الالتزام بها، لحد احتمال الإضرار بسيادة الدولة نفسها. الدولة، بانضمامها لعضوية الأمم المتحدة، عليها أن تعكس إرادتها السياسية الحرة، في احترام الميثاق.. والإعلان صراحةً، كونها دولة محبة للسلام.. وتلتزم بكل ما يعنيه هذا الإعلان من تمسكٍ حقيقيٍ وتصرفٍ واعٍ، يُعَبِّرُ عن إرادةٍ سياديةٍ حرة.

ما يترتب على عضوية الأمم المتحدة، يترب على عضوية الدولة في التكتلات الإقليمية، سواء كانت عسكرية أم تعاونية. أحياناً: الدولة قد يفرض اشتراكها في عضوية تكتلات عسكرية، إقليمية أو دولية، سماحها بإقامة قواعد عسكرية أجنبية في أراضيها. كما أن عضوية الدولة في التنظيمات الإقليمية التكاملية، قد تفرض عليها التزامات اقتصادية واجتماعية، بل حتى سياسية، يمكن أن تنال من ادعاءات السيادة الوطنية، بصورتها المطلقة.

سيادة الدولة، لم تعد في الوقت الحاضر، بذلك المعنى المطلق التقليدي. إلا أن الدول، في واقع الأمر، تتفاوت في تمتعها بالسيادة الوطنية، بتفاوت متغير القوة. بالطبع: الدول القوية الغنية النافذة، يرتفع فيها مؤشر تمتعها بالسيادة الوطنية، من الدول الضعيفة الفقيرة قليلة إن لم تكن عديمة التأثير، إقليمياً ودولياً.

كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com