تأسرني البدايات.. بدهشتها.. بدفء مشاعرها.. بالفضول الذي يعترينا فيشعل بريق عيوننا لمعرفة الآتي..
بذلك الشعور الذي يتسلل بخفية وكأنه سائل مضيء ملون يتغلغل في أوردتنا ويفتتح أماكن جديدة في القلب تمنحنا حياةً تستحق حينها أن نسميها حياة..
ويفتح آفاقاً لعوالم تنتظرنا أو ربما كنّا نحن من عشنا عمراً ننتظرها..
تُرى.. لِمَ لا تكتمل الحكايات بنفس الشغف الذي وعدَتنا به البدايات؟!
ما الذي يطفئ فتيل التوق في نظراتنا؟
ما الذي يعكر صفو الحياة التي تسللت إلى رئتينا فمنحتنا متنفساً لنشعر بروعة الأشياء.. الصُّدف والأماكن؟
ما الذي يحيل تلك الصور التي تشع وهجاً وألقاً إلى لوحات رماد نعبث فيها بأناملنا ونكتب بحسرة (كانوا هنا.. ومضوا)؟
ولماذا تعيدنا البدايات دوماً إلى الطفولة المختبئة في دواخلنا بخجل.. إلى براءتها.. إلى صفوها وفرحتنا البكر بأبسط التفاصيل واحتفالنا بالكلمات التي تكاد من روعتها تستحيل إلى أغانٍ يطرب القلب لألحانها ويرقص فرحاً على نغماتها؟
وكيف لمجرد أن نتجاوز هذه البدايات تتخبطنا المواقف والصدمات، فتتهاوى قلاع الصبر، ولا يبقَ لنا من كينونتنا سوى قلبٍ يتوكأ عصا الندم.. فنذبل وننطفئ..
أتُراها القسوة؟!
لم أَجِد يوماً مبرراً لأن يقسو إنسان على الآخر مهما كانت المبررات، وأياً كان نوع العلاقة أو الرابط الإنساني بين الأشخاص، بل أؤمن دائماً أن اللين يعمر ما لا يعمره الجفاء.
باللين فقط.. هذا الشعور الإنساني البسيط في ماهيته العميق في أثره يمكن أن تُصنع المعجزات.
باللين فقط.. تبقى قلوبنا بوابات تترصد للفرح فتخطفه وتحيا به.
باللين فقط.. نلتمس الأعذار مهما اختلفنا وحتى لو استحال أن نتسامح مع المواقف فيمكننا أن نتسامح مع الأشخاص ونتركهم للحياة بنفوس لم تسمح للوجع أن يشوه جمالها ورقيها.
باللين فقط.. يمكننا أن نعزز فكرة أن قيمتنا لا تكمن في نظرة الآخرين لنا أو أحكامهم علينا، بل تكمن فيما نعنيه نحن لأنفسنا، ولما أمكننا أن نمتلكه ونحافظ عليه من إنسانيتنا وفطرتنا السليمة وقلوبنا التي ولدنا بها بيضاء لا تعرف كرهاً أو حقداً.
باللين فقط.. يمكننا أن نجد القوة لنمد أيدينا ونصافح الأيدي التي حاكت لنا نسيج الألم والخذلان وألبسته لقلوبنا فأثقلتها وكسرتها.
فاللين.. قوة وجبروت على النفس والغضب وحب الانتقام
اللين.. عصاً سحرية تعيدنا إلى إنسانيتنا في كل مرة تشوهنا فيها الحياة والأشخاص والمواقف.
شلوا أيادي قسوتكم.. عمروا قلوبكم بالرضا..
امنحوا لمن حولكم كل ما تمنيتم يوماً أن يمنحه لكم الآخرون.
ما الذي في الدنيا يستحق أن نكره إنساناً لأجله أو نفرح بمعاناته؟!
أليست أقدارنا مكتوبة؟ وأرزاقنا موزعة؟
أليست حكمة الله وراء كل ما استعصى على عقولنا وتحليلاتنا البشرية التي مهما بلغنا من العلم والنضج نبقى أكثر ضآلة من فهمها وتفسيرها؟
إن هذه السطور ليست دعوة إلى التسامح مع الأشخاص في حياتكم بقدر ما هي دعوة لأن تترفقوا أنتم بأنفسكم.
كونوا أقوى من الدنيا.. من الصغائر.. من ظروفكم.. من الأنانية.. ومن كل ما يمكنه أن يعرقل انطلاق أرواحكم وسُمُوِّها.
اهزموا هزائمكم..
سامحوا.. تجاوزوا.. ولا تزيدوا من خسائركم.
عيشوا مشاعركم ولكن بطيبة.. احزنوا وابكوا وقاوموا التعب فأنتم بشر، ولكن انظروا دائماً لما هو أبعد.. لما هو عند الله أبقى.
ولتذكروا أنفسكم بذلك الصحابي الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عنه وهم جلوس عنده (يطلع عليكم رجل من أهل الجنة) فلما ذهبوا في أثره وراقبوه ثلاثة أيام بلياليها ليتحروا عن الأعمال التي كانت سبباً لهذه البشارة العظيمة لم يجدوه متهجداً بالليل ولا زائداً بالعمل الصالح في النهار إنما كان يبات ليلته وليس في قلبه ضغينة على أحد..
ناموا بقلوب سليمة وحرموا على أنفسكم القسوة حتى تحرم أرواحكم على النار..
* وقفة:
لا تخدعنّك بسمتي أو ضحكتي
بعض اللحون تئن ساعة تُنشَدُ
أخفيت عن كل العيون مواجعي
فأنا الشقيّ على السعادة أُحسَدُ..
وأنا العليل أجس أدواء الورى
وأنا المرقط بالجراح أضمِّدُ..
وأنا المقيَّدُ والعُناةُ تحُفُّ بي..
وأنا البخيل يزوره المسترفدُ..
وأنا الضرير ويُرتَجى عندي السنا
وأنا الذليل يُقال عنه السيّدُ..
أشدو فأصدح بالغناء وربما
صدح الهَزَارُ وقلبه يتفصّدُ..
د. غازي القصيبي
كاتبة سعودية
r.a.k.saudiarabia@gmail.com
بذلك الشعور الذي يتسلل بخفية وكأنه سائل مضيء ملون يتغلغل في أوردتنا ويفتتح أماكن جديدة في القلب تمنحنا حياةً تستحق حينها أن نسميها حياة..
ويفتح آفاقاً لعوالم تنتظرنا أو ربما كنّا نحن من عشنا عمراً ننتظرها..
تُرى.. لِمَ لا تكتمل الحكايات بنفس الشغف الذي وعدَتنا به البدايات؟!
ما الذي يطفئ فتيل التوق في نظراتنا؟
ما الذي يعكر صفو الحياة التي تسللت إلى رئتينا فمنحتنا متنفساً لنشعر بروعة الأشياء.. الصُّدف والأماكن؟
ما الذي يحيل تلك الصور التي تشع وهجاً وألقاً إلى لوحات رماد نعبث فيها بأناملنا ونكتب بحسرة (كانوا هنا.. ومضوا)؟
ولماذا تعيدنا البدايات دوماً إلى الطفولة المختبئة في دواخلنا بخجل.. إلى براءتها.. إلى صفوها وفرحتنا البكر بأبسط التفاصيل واحتفالنا بالكلمات التي تكاد من روعتها تستحيل إلى أغانٍ يطرب القلب لألحانها ويرقص فرحاً على نغماتها؟
وكيف لمجرد أن نتجاوز هذه البدايات تتخبطنا المواقف والصدمات، فتتهاوى قلاع الصبر، ولا يبقَ لنا من كينونتنا سوى قلبٍ يتوكأ عصا الندم.. فنذبل وننطفئ..
أتُراها القسوة؟!
لم أَجِد يوماً مبرراً لأن يقسو إنسان على الآخر مهما كانت المبررات، وأياً كان نوع العلاقة أو الرابط الإنساني بين الأشخاص، بل أؤمن دائماً أن اللين يعمر ما لا يعمره الجفاء.
باللين فقط.. هذا الشعور الإنساني البسيط في ماهيته العميق في أثره يمكن أن تُصنع المعجزات.
باللين فقط.. تبقى قلوبنا بوابات تترصد للفرح فتخطفه وتحيا به.
باللين فقط.. نلتمس الأعذار مهما اختلفنا وحتى لو استحال أن نتسامح مع المواقف فيمكننا أن نتسامح مع الأشخاص ونتركهم للحياة بنفوس لم تسمح للوجع أن يشوه جمالها ورقيها.
باللين فقط.. يمكننا أن نعزز فكرة أن قيمتنا لا تكمن في نظرة الآخرين لنا أو أحكامهم علينا، بل تكمن فيما نعنيه نحن لأنفسنا، ولما أمكننا أن نمتلكه ونحافظ عليه من إنسانيتنا وفطرتنا السليمة وقلوبنا التي ولدنا بها بيضاء لا تعرف كرهاً أو حقداً.
باللين فقط.. يمكننا أن نجد القوة لنمد أيدينا ونصافح الأيدي التي حاكت لنا نسيج الألم والخذلان وألبسته لقلوبنا فأثقلتها وكسرتها.
فاللين.. قوة وجبروت على النفس والغضب وحب الانتقام
اللين.. عصاً سحرية تعيدنا إلى إنسانيتنا في كل مرة تشوهنا فيها الحياة والأشخاص والمواقف.
شلوا أيادي قسوتكم.. عمروا قلوبكم بالرضا..
امنحوا لمن حولكم كل ما تمنيتم يوماً أن يمنحه لكم الآخرون.
ما الذي في الدنيا يستحق أن نكره إنساناً لأجله أو نفرح بمعاناته؟!
أليست أقدارنا مكتوبة؟ وأرزاقنا موزعة؟
أليست حكمة الله وراء كل ما استعصى على عقولنا وتحليلاتنا البشرية التي مهما بلغنا من العلم والنضج نبقى أكثر ضآلة من فهمها وتفسيرها؟
إن هذه السطور ليست دعوة إلى التسامح مع الأشخاص في حياتكم بقدر ما هي دعوة لأن تترفقوا أنتم بأنفسكم.
كونوا أقوى من الدنيا.. من الصغائر.. من ظروفكم.. من الأنانية.. ومن كل ما يمكنه أن يعرقل انطلاق أرواحكم وسُمُوِّها.
اهزموا هزائمكم..
سامحوا.. تجاوزوا.. ولا تزيدوا من خسائركم.
عيشوا مشاعركم ولكن بطيبة.. احزنوا وابكوا وقاوموا التعب فأنتم بشر، ولكن انظروا دائماً لما هو أبعد.. لما هو عند الله أبقى.
ولتذكروا أنفسكم بذلك الصحابي الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عنه وهم جلوس عنده (يطلع عليكم رجل من أهل الجنة) فلما ذهبوا في أثره وراقبوه ثلاثة أيام بلياليها ليتحروا عن الأعمال التي كانت سبباً لهذه البشارة العظيمة لم يجدوه متهجداً بالليل ولا زائداً بالعمل الصالح في النهار إنما كان يبات ليلته وليس في قلبه ضغينة على أحد..
ناموا بقلوب سليمة وحرموا على أنفسكم القسوة حتى تحرم أرواحكم على النار..
* وقفة:
لا تخدعنّك بسمتي أو ضحكتي
بعض اللحون تئن ساعة تُنشَدُ
أخفيت عن كل العيون مواجعي
فأنا الشقيّ على السعادة أُحسَدُ..
وأنا العليل أجس أدواء الورى
وأنا المرقط بالجراح أضمِّدُ..
وأنا المقيَّدُ والعُناةُ تحُفُّ بي..
وأنا البخيل يزوره المسترفدُ..
وأنا الضرير ويُرتَجى عندي السنا
وأنا الذليل يُقال عنه السيّدُ..
أشدو فأصدح بالغناء وربما
صدح الهَزَارُ وقلبه يتفصّدُ..
د. غازي القصيبي
كاتبة سعودية
r.a.k.saudiarabia@gmail.com