أشعرُ ببهجة وأستشعرُ ابتهاج شريحة عريضة من المواطنين والكُتاب والمغردين كلما أحكمت العدالة قبضتها على فاسد وأسقطت عصابة فساد، إذ كما أن لنا في القصاص حياة، كذلك لنا في لجم الفساد حيوات، فبمقدرات الوطن نؤمّن مستقبل ملايين الأجيال عبر قرون تالية.
يعد الفقهاء (أخذُ المال ظلماً) فساداً، والصحة عندهم ضد الفساد والتطاول على المال العام: سوء تصرف محرم ويأثم فاعله. والقرآن الكريم يؤكد كراهية الفطر السوية للفاسد انطلاقاً من كراهية الله له (والله لا يحب المفسدين) (والله لا يحب الفساد) (إن الله لا يُصلح عمل المفسدين).
وفي الحديث (من مات وهو بريء من ثلاث: الكِبْر، والغلول، والدَّين، دخل الجنة) والغلول: الأخذ من مال الدولة دون وجه حق، وجاء أيضاً (من استعملناه منكم على عملٍ فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة) أخرجه مسلم.
الفساد خيانة لأن الموظف يستخدم وظيفة الدولة ويوظف منصبه لقنونة مكاسب خاصة، والخيانة الوطنية قرينة خيانة الله ورسوله عليه السلام «يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون» والفاسد خبيث وأناني وجحود ومجرم، يبذر بذور الهدم والتدمير، فيما تقتضي التنمية المستدامة مكافحة الفساد بالصارم، كونه إماتة بطيئة للمجتمع وتقويضاً لأجهزة الدولة.
تكتسب القيادة الجسورة النزيهة المزيد من ثقة شعبها بإصلاحاتها الجذرية حتى إن مست حياتهم اليومية، إلا أن التضحيات مقبولة ومحتملة طالما كانت تحت مظلة الإصلاح الفعلي، إذ مع الحاكم المُصلح تهون كل التبعات مهما كانت مُكْلِفة.
يزعزع الفساد ثقة المواطن في مؤسسات وطنه، وينفر المجتمع من متخلق بخلق مذموم بالنصوص المقدسة وغير مبرر لا عقلاً ولا نظاماً وقانوناً ومرفوض طبعاً وشرعاً في كل أزمنة البشرية بتنوع حكوماتها واختلاف طرائق حكمها.
يوصف الفساد بـ(عِلّة) علاجها الأول (الكي) لأن استمراء الفساد يدمّر النوازع الأخلاقية، ويجرئ الجهلة والسفهاء والطماعين والحاقدين على المشتركات الاجتماعية، ويسوغ لهم انتهاك الأنظمة المرعيّة، فيتطاولون على الوزارات ومؤسساتها الوطنية، ويضعفون الذمم في المكونات الإنسانية، ويُخِلون بتوازن الطبقات الاقتصادية، ويجذرون للنمطية البيروقراطية.
يتنوع الفساد بين إداري وبين المالي، ومنهما ظاهر وخفي، والظاهر سهل التعامل معه والحد من تداعياته، إنما الفساد الخفي أشبه بالحشرات التي تفتك بلُب الشجرة وروحها لتغدو نخرة من داخلها وتتحول لهيكل قابل للاجتثاث والتهاوي.
يترفع عن الفساد مواطن شريف وعفيف يقر بقيمة الوطن، ويؤمن بمصالحه العليا، ويدرك أن الانتماء والولاء يحتمان عشقه للكيان الذي يحمل هويته فيسهم في صون مقدراته وحماية خيراته والارتقاء بسمعته وتعزيز منعته.
تتبنى التنمية المرونة في أجهزة الدولة لمواكبة التطور وتأمين أفضل وأجمل معطيات العصر الفكرية والتقنية وتأصيل التشريعات والقوانين الكافلة سعادة المجتمع، والمرسخة لسمو الكيان، وتمتين لُحمته، وحماية المواطنين من جشع وطمع الهوامير، وإلغاء أي تمييز بين المواطنين أو امتيازات لأي منهم يحصّلها دون وجه حق.
يبتهج الوطن بإلقاء القبض على الفسدة خصوصاً في ظل عهد العزم والحزم ومع حكومة وطنية يتسم عملها بالشفافية، وتتبنى الحكمة في تحصيل وتحصين الموارد المالية، وترفع الحصانة عن أي دخولات أو أرصدة باعثة على الريبة وموجبة لطرح سؤال (من أين لك هذا)؟.
كلما أعلنت الهيئات المختصة والنيابة العامة عن القبض على فاسد واحد نشعر أن الوطن كله أنشط وأقوى وأنمى وأغنى وأنقى، فالفساد بقدر ما هو ضعف في الفاسد، فهو إضعاف للتنمية وعبث بالسيرورة الطبيعية لرقي الحكومات وتمدن الشعوب وازدهار الأوطان.
هناك منظومات تحمل فكر العصابات وتتبنى منهج المافيات وتتغلغل إن أُتيحت لها فرصة في مفاصل المؤسسات ببذلها ما يغري لاقتناص الفرائس من صغار الموظفين وكبارهم، فالمفسد يرى أن اختراق الذمم مهارة، يتمكن عبرها من توريط المسؤول وتحويله لذليل يقبع تحت رحمته فيمرر من خلاله ما يريد وكلما نجح بتورّط فاسد انفتحت شهيته على المزيد بالمساومة والابتزاز.
لا يغيب عن ذهن الرئيس الذهن والمسؤول الفطن والموظف الحصيف وضع النظام بينه وبين كل من يراجعه أو يطلب منه خدمة ويمكنه التعامل بروح النظام لدفع الأذى وكف المفسدة عن مواطن لا جلب المنفعة له.
لا تقل حرمة المال العام عن حرمة المال الخاص وكما شرعت الحدود الشرعية لكفالة وصيانة الأموال والأعراض بقطع يد السارق وصلب قطاع الطرق والمحاربين والخوارج، كذلك أقرت دولتنا من العقوبات ما يؤدب الفاسدين ويزرع الرعب فيمن تسول له نفسه سلوك مسلكهم.
ليس المقام مقام شماتة. ولا الموقف موقف تشفّ، إلا أن تطبيق النظام وصرامته تعزيز لهيبة الدولة وإعلاء لراية الإصلاح وتبشير بقوة حضور الكفاءات وتميز المواهب وتمكين القدرات من القيادات النزيهة والحاسمة التي لا تتهاون في قراراتها مع أي متطاول بسوء على مسيرتنا التنموية.
الفساد أعم من استحلال أموال الدولة كونه يشمل فساد النوايا وفساد الممارسة. والفساد باسم الدين أو باسم الدنيا، أو بمخالفة القوانين والأنظمة والتشريعات بعضه من بعض وهم في الإثم سواء علماً بأن من الفساد ما هو قاصر ومنه ما هو متعد.
(العدل أساس المُلك) شعار حفظناه مبكراً إلا أننا نراه اليوم ماثلاً للعيان. فالكل أمام النظام سواء. ما يبعث الطمأنينة على وطن كان ولا يزال وسيظل بقوة الله وحفظه موئل الأمن والرخاء والاستقرار لنا ولأبنائنا وأحفادنا مثل ما كان لآبائنا وأجدادنا بل وأفضل وأجمل وأكمل.
كاتب سعودي
Al_ARobai@
يعد الفقهاء (أخذُ المال ظلماً) فساداً، والصحة عندهم ضد الفساد والتطاول على المال العام: سوء تصرف محرم ويأثم فاعله. والقرآن الكريم يؤكد كراهية الفطر السوية للفاسد انطلاقاً من كراهية الله له (والله لا يحب المفسدين) (والله لا يحب الفساد) (إن الله لا يُصلح عمل المفسدين).
وفي الحديث (من مات وهو بريء من ثلاث: الكِبْر، والغلول، والدَّين، دخل الجنة) والغلول: الأخذ من مال الدولة دون وجه حق، وجاء أيضاً (من استعملناه منكم على عملٍ فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة) أخرجه مسلم.
الفساد خيانة لأن الموظف يستخدم وظيفة الدولة ويوظف منصبه لقنونة مكاسب خاصة، والخيانة الوطنية قرينة خيانة الله ورسوله عليه السلام «يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون» والفاسد خبيث وأناني وجحود ومجرم، يبذر بذور الهدم والتدمير، فيما تقتضي التنمية المستدامة مكافحة الفساد بالصارم، كونه إماتة بطيئة للمجتمع وتقويضاً لأجهزة الدولة.
تكتسب القيادة الجسورة النزيهة المزيد من ثقة شعبها بإصلاحاتها الجذرية حتى إن مست حياتهم اليومية، إلا أن التضحيات مقبولة ومحتملة طالما كانت تحت مظلة الإصلاح الفعلي، إذ مع الحاكم المُصلح تهون كل التبعات مهما كانت مُكْلِفة.
يزعزع الفساد ثقة المواطن في مؤسسات وطنه، وينفر المجتمع من متخلق بخلق مذموم بالنصوص المقدسة وغير مبرر لا عقلاً ولا نظاماً وقانوناً ومرفوض طبعاً وشرعاً في كل أزمنة البشرية بتنوع حكوماتها واختلاف طرائق حكمها.
يوصف الفساد بـ(عِلّة) علاجها الأول (الكي) لأن استمراء الفساد يدمّر النوازع الأخلاقية، ويجرئ الجهلة والسفهاء والطماعين والحاقدين على المشتركات الاجتماعية، ويسوغ لهم انتهاك الأنظمة المرعيّة، فيتطاولون على الوزارات ومؤسساتها الوطنية، ويضعفون الذمم في المكونات الإنسانية، ويُخِلون بتوازن الطبقات الاقتصادية، ويجذرون للنمطية البيروقراطية.
يتنوع الفساد بين إداري وبين المالي، ومنهما ظاهر وخفي، والظاهر سهل التعامل معه والحد من تداعياته، إنما الفساد الخفي أشبه بالحشرات التي تفتك بلُب الشجرة وروحها لتغدو نخرة من داخلها وتتحول لهيكل قابل للاجتثاث والتهاوي.
يترفع عن الفساد مواطن شريف وعفيف يقر بقيمة الوطن، ويؤمن بمصالحه العليا، ويدرك أن الانتماء والولاء يحتمان عشقه للكيان الذي يحمل هويته فيسهم في صون مقدراته وحماية خيراته والارتقاء بسمعته وتعزيز منعته.
تتبنى التنمية المرونة في أجهزة الدولة لمواكبة التطور وتأمين أفضل وأجمل معطيات العصر الفكرية والتقنية وتأصيل التشريعات والقوانين الكافلة سعادة المجتمع، والمرسخة لسمو الكيان، وتمتين لُحمته، وحماية المواطنين من جشع وطمع الهوامير، وإلغاء أي تمييز بين المواطنين أو امتيازات لأي منهم يحصّلها دون وجه حق.
يبتهج الوطن بإلقاء القبض على الفسدة خصوصاً في ظل عهد العزم والحزم ومع حكومة وطنية يتسم عملها بالشفافية، وتتبنى الحكمة في تحصيل وتحصين الموارد المالية، وترفع الحصانة عن أي دخولات أو أرصدة باعثة على الريبة وموجبة لطرح سؤال (من أين لك هذا)؟.
كلما أعلنت الهيئات المختصة والنيابة العامة عن القبض على فاسد واحد نشعر أن الوطن كله أنشط وأقوى وأنمى وأغنى وأنقى، فالفساد بقدر ما هو ضعف في الفاسد، فهو إضعاف للتنمية وعبث بالسيرورة الطبيعية لرقي الحكومات وتمدن الشعوب وازدهار الأوطان.
هناك منظومات تحمل فكر العصابات وتتبنى منهج المافيات وتتغلغل إن أُتيحت لها فرصة في مفاصل المؤسسات ببذلها ما يغري لاقتناص الفرائس من صغار الموظفين وكبارهم، فالمفسد يرى أن اختراق الذمم مهارة، يتمكن عبرها من توريط المسؤول وتحويله لذليل يقبع تحت رحمته فيمرر من خلاله ما يريد وكلما نجح بتورّط فاسد انفتحت شهيته على المزيد بالمساومة والابتزاز.
لا يغيب عن ذهن الرئيس الذهن والمسؤول الفطن والموظف الحصيف وضع النظام بينه وبين كل من يراجعه أو يطلب منه خدمة ويمكنه التعامل بروح النظام لدفع الأذى وكف المفسدة عن مواطن لا جلب المنفعة له.
لا تقل حرمة المال العام عن حرمة المال الخاص وكما شرعت الحدود الشرعية لكفالة وصيانة الأموال والأعراض بقطع يد السارق وصلب قطاع الطرق والمحاربين والخوارج، كذلك أقرت دولتنا من العقوبات ما يؤدب الفاسدين ويزرع الرعب فيمن تسول له نفسه سلوك مسلكهم.
ليس المقام مقام شماتة. ولا الموقف موقف تشفّ، إلا أن تطبيق النظام وصرامته تعزيز لهيبة الدولة وإعلاء لراية الإصلاح وتبشير بقوة حضور الكفاءات وتميز المواهب وتمكين القدرات من القيادات النزيهة والحاسمة التي لا تتهاون في قراراتها مع أي متطاول بسوء على مسيرتنا التنموية.
الفساد أعم من استحلال أموال الدولة كونه يشمل فساد النوايا وفساد الممارسة. والفساد باسم الدين أو باسم الدنيا، أو بمخالفة القوانين والأنظمة والتشريعات بعضه من بعض وهم في الإثم سواء علماً بأن من الفساد ما هو قاصر ومنه ما هو متعد.
(العدل أساس المُلك) شعار حفظناه مبكراً إلا أننا نراه اليوم ماثلاً للعيان. فالكل أمام النظام سواء. ما يبعث الطمأنينة على وطن كان ولا يزال وسيظل بقوة الله وحفظه موئل الأمن والرخاء والاستقرار لنا ولأبنائنا وأحفادنا مثل ما كان لآبائنا وأجدادنا بل وأفضل وأجمل وأكمل.
كاتب سعودي
Al_ARobai@