لاحظت بعضاً من سوء الفهم لدى عدد كبير من المغردين السعوديين حول المنابر الإعلامية المملوكة لأفراد أو مؤسسات سعودية والتي تطبع أو تبث من خارج الحدود. تناسى الجمهور السعودي أن هذه المؤسسات الضخمة صُمّمت أصلاً لمخاطبة الجماهير العربية وتختلف هيكلاً وتنظيماً ومحتوى عن الصحف المحلية أو القناة «السعودية الأولى» أو «الإخبارية» مثلاً.
من مؤشرات سوء الفهم تكرار المطالبات بسعودة الوظائف في قناتي «العربية» وMBC وهي مطالب مشروعة لو كان الحديث عن محطات محلية حكومية أو أهلية. غير أن الواقع بل والحاجة، إضافة إلى تواجد عدد من السعوديات والسعوديين في هذه المنابر بالفعل، تفرض وجود جنسيات عربية متنوعة تحقيقاً للوصول لأكبر شريحة من المشاهدين العرب على عمومهم.
لعلنا نستذكر الأهداف التي من أجلها تم تأسيس مجموعة MBC في لندن بأمر من الملك فهد -رحمه الله- ثم خرجت من رحمها قناة «العربية» واستقلت تماماً فيما بعد. حقيقة لم أجد أبلغ من كلمات الملك سلمان بن عبدالعزيز المعروف آنذاك بأنه من أبرز المسؤولين الأمراء اهتماماً بالإعلام، وذلك في ختام زيارة قام بها لموقع المحطة بعد تأسيسها في إحدى زياراته للندن لإيضاح الأهداف الرئيسية من تأسيس القناة. لمن يتصفح هذا المقال من موقع عكاظ، يوجد مقطع في يوتيوب لتلك الزيارة وكلمة الملك المشار لها في ختام الجولة على هذا الرابط:
youtube.com/watch?v=TPLQTVQ0sII
هذا المشهد، وأقصد التنوع في جنسيات العاملين، ليس قصراً على «العربية» أو قناة «الشرق» المنتظرة، والأخيرة بالمناسبة قناة جديدة مستقلة ومملوكة شراكة بين المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق وبلومبيرغ الأمريكية. ذلك لأننا نلاحظ حتى في قنوات أجنبية موجهة للعالم مثل CNN International وBBC World وسكاي العربية وRT الروسية وفرانس 24 وغيرها، تعدد الجنسيات التي تظهر على الشاشة. هل يعني هذا انحيازاً للأجانب؟ بالطبع لا ولا يعني أيضاً عدم توفر الإعلاميين المؤهلين من الأمريكان أو البريطانيين في القنوات المملوكة للدولتين والناطقة باللغة الإنجليزية.
نفس هذا الحديث يتكرر عن المطبوعات المملوكة لسعوديين وعلى رأسها صحيفة «الشرق الأوسط» المعروفة بـ(جريدة العرب الدولية). نسمع أسئلة على غرار لماذا لا يرأس تحريرها إعلامي سعودي، وكأنها لم تحقق النجاح الأكبر في تاريخها عندما تعاقب على رئاسة تحريرها قياديان سعوديان في أواخر القرن الماضي وحلقا بها إلى النجومية بين الصحف العربية. أو يتساءل آخر ويا سبحان الله، رغم نشرها وإبرازها لمقالات عدد كبير من أبرز الكتاب السعوديين، لماذا تستكتب عدداً من الكتاب غير السعوديين؟
على أن المؤسف والمؤلم وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال، كيل التهم الموجهة لبعض القائمين على هذه المنابر (المديرين) من الإخوة العرب. تهم متعددة بالانحياز في التوظيف ثم يبدأ الدخول في النوايا وترتفع درجة الخصومة ثم يأتي إقحام الدين والمذهب في تعميم أعمى ينال شعوب وطوائف ومذاهب عربية بأكملها والنتيجة خلق العداوات الجديدة وانتشار البغضاء.
لنتساءل ما المطلوب من مدير أي محطة تلفزيونية؟ كيف يمكن تجاهل إنجاز قناة MBC1 مثلاً وهي تابعة لمجموعة MBC الإعلامية التي استقلت مالياً وأصبحت منشأة تجارية تهدف للربح وتوظف المئات من الوجوه السعودية الشابة مع عدد من زملائهم العرب. هذه القناة تربعت على مركز الصدارة في المشاهدة عربياً وعالمياً كمحطة تبث باللغة العربية رغم محاولات متعددة لمنافستها على هذه المرتبة. نجاح مبهر كهذا لا يمكن لمنصف إلا تقديره والإعجاب بمهنية وقدرات ومهارات من خططوا له ابتداء بمدير المحطة وانتهاءً بأصغر موظف يعمل بها.
ليس ذلك فقط بل حتى فروعها في مصر والعراق، وهي محطات جديدة مستقلة، قفزت لمراتب عليا في المشاهدة رغم حداثتها وقوة منافسيها خصوصاً في مصر. القناة بالمناسبة، رغم توجهها لعموم الوطن العربي وللعرب في العالم، تنتج أيضاً العديد من البرامج الاستكشافية المتميزة عن طبيعة ومدن وقرى المملكة العربية السعودية حصراً وتغطي عبر عشرات المراسلين السعوديين معظم الأخبار والقصص الجميلة والمثيرة التي تحدث في الداخل السعودي بقوالب مختلفة عن البروباغاندا المبتذلة.
ما ذكرته عن قفزات MBC ينطبق إلى حد بعيد مع ما يحدث في قناتي «العربية» و«الحدث» المتألقتين. هل وصلنا إلى حد الكمال؟ بالطبع لا ولا يمكن لأي مسؤول في هذه المؤسسات أن يقول خلاف ذلك لكن العمل يستمر وزيف الإعلام الكاذب يتساقط أمام أعيننا رغم المليارات والرشاوى التي يضخونها في كل اتجاه.
يقول المثل الأمريكي (If it’s working, Don’t fix it) بمعنى إذا كانت تعمل فلا تحاول إصلاحها.
كاتب سعودي
DeghaitherF@