بعيدا عن القفازات البلاستيكية والكمامة والمتر والنصف، كنت أنا والراقي المهذب الدكتور (أنس محمد مرزوقي) استشاري النساء والولادة والعالم الرصين، صديق الزمن الجميل، نتحدث في الجوال عن أهمية الهواية في حياة (الطبيب) خاصة بعدما أصبح القلق عنوانا لهذا العام، قال لي بطريقته المميزة في الكلام، راح أقول لك سر يا أبا فراس، وهو قلما تجد طبيباً متفوقاً لا هواية له، حب آخر يشارك حبه للطب، أنا شخصياً لا أدري كيف كانت ستسير حياتي بعيدا عن القراءة والكتابة والتأليف والاستماع للفن العربي الأصيل، ودعته بعد حديث طويل، وانصرفت مستغرقاً في التفكير، مستعرضا (سيرة الحبايب)، تذكرت الدكتور المصري (سليمان عزمي) العالم والطبيب، والأديب والرحال، الذي حصل على لقب الباشوية، في الوقت الذي كانت تمنح فيه للبارزين في الدولة من رجال السياسة والأدب والاقتصاد، أو للوجهاء ذوي المال والنفوذ، عندما منحه المجلس الاستشاري للعلوم والتكنولوجيا في الستينات ذلك اللقب.
كان سليمان باشا عزمي، عميد الأطباء البشريين في مصر في ذلك الحين مريضا، كان مرضه شديدا، ورغم ذلك، كان يعمل على تأليف كتاب عن (الشيخوخة)، ولقد ذكر في ذلك الكتاب «إن على الإنسان أن يستمر في ممارسة هوايته وفي شيء يتفق مع سنه».
أما الدكتور (إبراهيم ناجي) الطبيب الشاعر الإنسان، شاعر الحب والبكاء، الذي حسده الكثيرون على (الأطلال) لأم كلثوم، على شهرته الشعرية، أكثر من شهرته الطبية.
ومن أجمل كنوز متحف القوى الناعمة، قصة طريفة جمعت الدكتور إبراهيم ناجي مع الشاعر علي محمود طه في محل (الأمريكيين) مساء، حيث أقبلت عليهما شابة حسناء، ذات شعر منسدل طويل، فأمسك ناجي بعلبة من السجائر الشائعة في ذلك الحين والمعروفة باسم (بلاينور) أو السجائر البحاري، كما كان العامة يطلقون عليها، وكتب علي محمود طه على ظهرها بيتين من الشعر، ورد عليهما ناجي، وكلها كانت وصفا في تلك الحسناء، التي لم يجدا غير ظهر علبة السجائر ليكتبا شعرهما عليه، أما معالي الوزير الحبيب (الدكتور أسامة عبدالمجيد شبكشي) فقد تعددت هواياته، مع اختلاف مرحلته العمرية، كما كان يحكي لي، عندما كان الحكي بيننا يثري الحياة ويساهم في تطويرها ويمنحها معنى، هوى الطيران صغيرا، وله في صناعة الطيارات الورقية والخشبية قصص وأساطير، ثم انتقل إلى التصوير والسفر، ثم بعد ذلك في مرحلة متأخرة، في قراءة كل ما يجعله يستوعب حلاوة ورحمة وإنسانية دين الإسلام، ولا يزال يتابع مسابقات ألعاب القوى وكرة القدم، أما الدكتور (سامي أحمد مرزوقي) استشاري التخدير، الإنسان المتصالح مع الأيام، فأصبح في مرحلة من مراحل حياته فناناً تشكيلياً يشار له بالبنان وتقام له المعارض المحلية والدولية، كان مرسمه في بيته مضيفي على مر السنين، أما شيخي الذي لم يشخ العالم السعودي، أستاذ النساء والولادة (عبدالله حسين باسلامة) مؤسس كلية الطب والمستشفى الجامعي، فإضافة إلى محبة هواية الصيد التي لم ترتق محبة (أم حسين) إلى مرتبتها، إلا أن عشقه للكتابة والتأليف أفرز للمجتمع مؤلفات للتاريخ، معلم بمعنى كلمة معلم، تعلمت منه أن لا كبير على العلم، وكيف أكون مهذباً في طلبي مهما بلغ اسمي، يشاركه في هذه الهواية تلاميذه أستاذ علم أمراض النساء والولادة (الدكتور حسان صلاح عبدالجبار)، والأستاذة الدكتورة (سامية محمد العمودي)، التي أشترك معها في مشاهدة الأفلام الرومانسية والاستماع لأم كلثوم، أما رائد جراحة الأوعية الدموية في السعودية، ومن له عدة تلاميذ يشغلون مناصب الأستاذية في الجامعات السعودية، الأستاذ الدكتور (حسن سعيد الزهراني) فأعتقد أن من لا يتابعه في (تويتر) ككاتب وناقد ومعلم فقد فاته درس من البساطة والثقل والفن والحياة والروح التي تسكن أي عمر، فكلامه يختلف عن كل ما يكتب ويقال في (تويتر) فهو ليس دخاناً، ولا يطير في الهواء، بل ماس وعسجد ونور منير، متعة من التجارب والتعلم من الصواب والخطأ، أليس تلك هي متعة الحياة، لا يفوتني أستاذ جراحة الصدر والأورام النطاسي المخضرم وسليل الأسرة المكية العريقة الأستاذ الدكتور (عدنان عبدالمعطي مرداد) وإن كنت أشترك مع (أبي مازن) في هوايات كثيرة إلا أن أغرب الهوايات التي تستهويه هي اقتناء كتب الفنانين العظماء في (فن الكاريكاتير) عندما لفت انتباهي ووقعت عيناي لأول مرة على أكبر مجموعة شاهدتها في مكتبته، قال لي صدقني يا أبا فراس أنني أستعين بها أحيانا لأستهل محاضراتي لكسر الحاجز بيني وبين تلاميذي، ولا يقل عن ذلك غرابة الأستاذ الدكتور عبدالله محمد باسليم، استشاري جراحة العظام، الذي يحمل (الحزام الأسود) في فن القتال، والذي لا يدخل منزله سباك ولا كهربائي فتلك هوايته، إضافة إلى هواية الطبخ المعتبر، أما الدكتور وليد عبدالله التركي استشاري العيون الأشهر، فاكتفى بلعب التنس، وأنا أكتفي بهذه الباقة من العظماء، وما أكتبه عنهم ليس تاريخا، فالتاريخ إن كتب عنهم لا يكتب في مقال بل ولا يسعه كتاب، ما أكتبه عنهم هو فقط للتأكيد على أهمية الهواية في حياة الإنسان.
باقة جمعتها من ثمار شجرة الإنسانية، حلقت في أجوائها بالمعايشة والصداقة والحب والتأمل والتأثير. هذه شجرة أنصت إليها دائما وأستزيد منها، فغرامي وقضيتي وحوار عمري ونبض قلمي.. هو سيرة الأحباب!!
كاتب سعودي
Fouad5azab@gmail.com
كان سليمان باشا عزمي، عميد الأطباء البشريين في مصر في ذلك الحين مريضا، كان مرضه شديدا، ورغم ذلك، كان يعمل على تأليف كتاب عن (الشيخوخة)، ولقد ذكر في ذلك الكتاب «إن على الإنسان أن يستمر في ممارسة هوايته وفي شيء يتفق مع سنه».
أما الدكتور (إبراهيم ناجي) الطبيب الشاعر الإنسان، شاعر الحب والبكاء، الذي حسده الكثيرون على (الأطلال) لأم كلثوم، على شهرته الشعرية، أكثر من شهرته الطبية.
ومن أجمل كنوز متحف القوى الناعمة، قصة طريفة جمعت الدكتور إبراهيم ناجي مع الشاعر علي محمود طه في محل (الأمريكيين) مساء، حيث أقبلت عليهما شابة حسناء، ذات شعر منسدل طويل، فأمسك ناجي بعلبة من السجائر الشائعة في ذلك الحين والمعروفة باسم (بلاينور) أو السجائر البحاري، كما كان العامة يطلقون عليها، وكتب علي محمود طه على ظهرها بيتين من الشعر، ورد عليهما ناجي، وكلها كانت وصفا في تلك الحسناء، التي لم يجدا غير ظهر علبة السجائر ليكتبا شعرهما عليه، أما معالي الوزير الحبيب (الدكتور أسامة عبدالمجيد شبكشي) فقد تعددت هواياته، مع اختلاف مرحلته العمرية، كما كان يحكي لي، عندما كان الحكي بيننا يثري الحياة ويساهم في تطويرها ويمنحها معنى، هوى الطيران صغيرا، وله في صناعة الطيارات الورقية والخشبية قصص وأساطير، ثم انتقل إلى التصوير والسفر، ثم بعد ذلك في مرحلة متأخرة، في قراءة كل ما يجعله يستوعب حلاوة ورحمة وإنسانية دين الإسلام، ولا يزال يتابع مسابقات ألعاب القوى وكرة القدم، أما الدكتور (سامي أحمد مرزوقي) استشاري التخدير، الإنسان المتصالح مع الأيام، فأصبح في مرحلة من مراحل حياته فناناً تشكيلياً يشار له بالبنان وتقام له المعارض المحلية والدولية، كان مرسمه في بيته مضيفي على مر السنين، أما شيخي الذي لم يشخ العالم السعودي، أستاذ النساء والولادة (عبدالله حسين باسلامة) مؤسس كلية الطب والمستشفى الجامعي، فإضافة إلى محبة هواية الصيد التي لم ترتق محبة (أم حسين) إلى مرتبتها، إلا أن عشقه للكتابة والتأليف أفرز للمجتمع مؤلفات للتاريخ، معلم بمعنى كلمة معلم، تعلمت منه أن لا كبير على العلم، وكيف أكون مهذباً في طلبي مهما بلغ اسمي، يشاركه في هذه الهواية تلاميذه أستاذ علم أمراض النساء والولادة (الدكتور حسان صلاح عبدالجبار)، والأستاذة الدكتورة (سامية محمد العمودي)، التي أشترك معها في مشاهدة الأفلام الرومانسية والاستماع لأم كلثوم، أما رائد جراحة الأوعية الدموية في السعودية، ومن له عدة تلاميذ يشغلون مناصب الأستاذية في الجامعات السعودية، الأستاذ الدكتور (حسن سعيد الزهراني) فأعتقد أن من لا يتابعه في (تويتر) ككاتب وناقد ومعلم فقد فاته درس من البساطة والثقل والفن والحياة والروح التي تسكن أي عمر، فكلامه يختلف عن كل ما يكتب ويقال في (تويتر) فهو ليس دخاناً، ولا يطير في الهواء، بل ماس وعسجد ونور منير، متعة من التجارب والتعلم من الصواب والخطأ، أليس تلك هي متعة الحياة، لا يفوتني أستاذ جراحة الصدر والأورام النطاسي المخضرم وسليل الأسرة المكية العريقة الأستاذ الدكتور (عدنان عبدالمعطي مرداد) وإن كنت أشترك مع (أبي مازن) في هوايات كثيرة إلا أن أغرب الهوايات التي تستهويه هي اقتناء كتب الفنانين العظماء في (فن الكاريكاتير) عندما لفت انتباهي ووقعت عيناي لأول مرة على أكبر مجموعة شاهدتها في مكتبته، قال لي صدقني يا أبا فراس أنني أستعين بها أحيانا لأستهل محاضراتي لكسر الحاجز بيني وبين تلاميذي، ولا يقل عن ذلك غرابة الأستاذ الدكتور عبدالله محمد باسليم، استشاري جراحة العظام، الذي يحمل (الحزام الأسود) في فن القتال، والذي لا يدخل منزله سباك ولا كهربائي فتلك هوايته، إضافة إلى هواية الطبخ المعتبر، أما الدكتور وليد عبدالله التركي استشاري العيون الأشهر، فاكتفى بلعب التنس، وأنا أكتفي بهذه الباقة من العظماء، وما أكتبه عنهم ليس تاريخا، فالتاريخ إن كتب عنهم لا يكتب في مقال بل ولا يسعه كتاب، ما أكتبه عنهم هو فقط للتأكيد على أهمية الهواية في حياة الإنسان.
باقة جمعتها من ثمار شجرة الإنسانية، حلقت في أجوائها بالمعايشة والصداقة والحب والتأمل والتأثير. هذه شجرة أنصت إليها دائما وأستزيد منها، فغرامي وقضيتي وحوار عمري ونبض قلمي.. هو سيرة الأحباب!!
كاتب سعودي
Fouad5azab@gmail.com