-A +A
حمود أبو طالب
كلما زرت الرياض تبزغ في ذهني المقارنة ليس بين الحاضر والماضي البعيد فحسب وإنما بين الزيارة السابقة والحالية، ولكن لا أدري لماذا هذه المرة، وأنا أتجول في أحد مولات الرياض الضخمة وألاحظ كيف يتجول الناس فيها باطمئنان وحرية، عائلات وأفرادا، بانضباط واحترام لبعضهم البعض، لا أدري كيف عاد إلى ذاكرتي مشهد حادثة في بداية الدراسة بجامعة الملك سعود، فقد ذهبت مع أحد زملائي في مساء رمضاني إلى شارع الوزير الذي كان مقصد المتسوقين والمتفرجين على المعارض الفخمة، وكان زميلي قد طال شعره قليلا ليس اتباعاً للموضة السائدة وإنما لكسله عن الذهاب للحلاق، فقبض عليه أحد رجال الهيئة لكنه أفلت منه وأطلق ساقيه للريح، فانطلق خلفه العضو وكأنه في سباق أولمبي حتى قبض عليه وأبرحه ضرباً ثم أعمل ماكينة الحلاقة بشكل بشع في شعره، ولولا توسلات الحاضرين لذهب به إلى التوقيف والمساءلة، وكانت النتيجة إصرار الزميل على مغادرة الرياض وسحب ملفه من الجامعة بعد إصابته بصدمة نفسية قوية.

يا لها من حياة تلك التي عشناها، قلت ذلك في نفسي وأنا أتأمل كيف أصبحت الرياض جاذبة للجميع من داخل المملكة وخارجها، ليس بازدهارها المادي وجماليات معالمها ومشاريعها النوعية التي لا تتوقف، وإنما بجمال تصالحها الإنساني مع البشر بمختلف ثقافاتهم وأعراقهم ودياناتهم. في أحد المطاعم لمحت عائلة غربية، وأخرى عربية، وبجانبها عائلة سعودية، وطاولات يقتعدها شباب في منتهى التهذيب، المكان يسوده جو مريح من الموسيقى الهادئة والأحاديث الجانبية والابتسامات وضحكات الأطفال. لا خوف من حشر الأنوف في الخصوصيات أو هجمات مفاجئة تمتهن الكرامة وتخدش أغلى ما في النفس.


قد يقول قائل إن المملكة كلها كانت تعيش ذات الأوضاع في تلك الفترة، هذا صحيح ولكن الذي عاش في رياض ذلك الزمن سيعرف الفرق، ولو قيل لأحد إنها ستكون على ما هي عليه الآن لا تهم القائل باختلال القوى العقلية.

سلام على الرياض، وعلى من انتشلها ومعها كل الوطن من حصار أليم كاد يقتله، وأطلق عصافير الفرح من الصدور المخنوقة كي تغني للحياة من جديد.

habutalib@hotmail.com