-A +A
علي بن محمد الرباعي
لكل شعب أزياء خاصة به. هي محل فخر اعتزاز وتقدير.

غير مستغرب أن يلبس المسافر لباس أهل البلاد المقصودة لأيام عدة أو حتى أشهر وسنوات، وأتفهم عشق الأشقاء العرب الزي السعودي أو الخليجي عندما يكونون في وطننا، إلا أن حقبة الثمانينات شهدت تسويق التنظيم السروري والإخواني للبدلة الأفغانية على سبيل الاعتداد بها أكثر من لباسنا، والحضور بها في المخيمات والمعسكرات على أنها اللبس الإسلامي الزكي، ولعل بعضهم يفاخر بها ليس عن قناعة وإنما استخفافاً وازدراء لزِيّنا العربي الوطني (بن لادن والظواهري) نموذجاً، والرمزية لها دلالتها فالتنظيميون متأزمون ويأنفون من هويتنا ويريدون إغواء وإغراء الشباب بالتغيير الشكلي، واستقطابهم للالتحاق بالجماعات المقتتلة والمقاتلة.


الزي عُرف اجتماعي وليس تشريعاً موجباً للاقتداء فيه؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام لبس ما كان يلبس قومه وأهله في مكة، وما أحبّه صلى الله عليه وسلم من الأطعمة أو الأشربة أو الألبسة، الأصل فيه أنه من العادات التي تفعل بمقتضى البشرية، ولا يراد بها التشريع فلبس العمامة والرداء والإزار والقميص.

ربما كانت نوايا البعض على فطرتها في سرعة الإعجاب باللوك الجديد والاندفاع للتصدي والدفاع عن مظلوم يطمح لاسترداد وطنه السليب، إلا أنه وبمجرد الإيقاع بالضحايا وإدخالهم للقواعد والثكنات تنقلب المعادلة، ويرى قاصد الخير ما لا يُحتمل، ويسمع ما لا يُصدّق، فيترتب على ذلك اضطراب في الشخصية، واعتلال في الهوية والانتماء، واختلال معيار الوطنية كلياً أو جزئياً، ولعل من عاش وعايش وقرأ تاريخ المرحلة والمراجعات والطروحات الناقدة يعرف ما أعنيه بالخلل الطارئ على الفكر والسلوك، مع الأخذ في الاعتبار قابلية البعض للعلل بحكم ظروف التنشئة والطبقية الاجتماعية ونزوات المراهقة.

ولو تساءلنا: هل جاءت الأديان السماوية لحل إشكالات الإنسان مع نفسه ومع مجتمعه ومحيطه البشري أم أنها أُنزلت كما يسوقها الإسلامويون لتأجيج الخلافات وافتعال الصراعات وخلق الأزمات، وتقسيم العالم إلى دار إيمان ودار كفر؟ لن يختلف اثنان على أن مشروع الأديان الربانية إسعاد الإنسان وتأمين السلام والطمأنينة والأمن والتعايش.

إلا أن التنظيمات المتطرفة حقنت الشباب المتحمس بما لا طاقة له من أدبيات تدخله نفق الاكتئاب ليكون أداة تفخيخ وتفجير وربته على أن التدين يفرض عليه أن يتمرد على أهله ويحتقر بيئته ويستهين بزيه وينفر من وطنه وتم إعلاء سند رواية قتل أبي عبيدة بن الجراح لأبيه في معركة بدر؛ علماً بأن القصة لا أصل لها والأب مات قبل الإسلام.

من يبني التدين على الخروج على الحاكم وقتل وتدمير المواطنين والوطن لم يترب على نهج نبي كريم قالت عنه السيدة خديجة «والله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق». ولا اقتدى بمن قالت عنه صناديد قريش إثر فتح مكة عندما سألهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

الشخصية النبوية العظيمة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تتميز بالعفة في القول والفعل والسلوك. لم يقتل. لم يشتم. لم يصخب. لم يغدر، وهو الأسوة الحسنة والقدوة المثالية. فمن أين ورثت جماعات الإسلام السياسي كل هذه الضغائن التي تنسبها زوراً إلى الإسلام النقي والرسول الراقي؟ وهل يعقل أن يؤسس تراثنا لازدواج شخصياتنا؟ بحيث يكون في الشخص الواحد حب وكراهية ونقاء وحقد وعفة وبذاءة وكيف نتصور شخصية مسلمة تقتدي بمن وصفه الله بقوله (وإنك لعلى خُلق عظيم) ثم يتعامل مع المجتمع بقلب فظ ووجه عبوس ومنطلقات سيئة.

لن يتوقف الحزبيون الإسلامويون عن ادعاء توفير حلول لكل مشاكل الإنسانية ويغفلون أمراً هاماً هو أنهم سبب معظم متاعب العالم العربي والإسلامي، لتباين ما لديهم من توجهات مع النسخة الأصلية للدين ومجافاة تفكيرهم لسيرورة الحياة وتمدنها، وتصادم أحلامهم مع إيمان الشعوب بالدولة الوطنية.

لا خلاف أن العلاقة مع الله رأسية، وأي علاقة رأسية تميع عندما تتحول إلى أفقية، وعندما كان القرآن وسيلة التخاطب والتواصل مع المسلم الأول، كانت حياته طيبة وحالته مستقرة، حتى تعددت المصادر واختلطت المنابع بالمراتع وجُمعت أحاديث وأُدخل فيها موضوعات وتلقى البعض بالقبول قول غير الثقات، وجاءت السيرة، ثم جاء الفقه ثم المفسرون حتى زمن ظهور منظري العنف السياسي من جماعة الإخوان وجناحها السري ممن أعلوا شأن قناعاتهم وأقوالهم على قول الله ورسوله ليزيد الانزياح عن المصدر الأول للتشريع وتتسع الفروق بين النص الأصيل والبديل فوقع الأبرياء والمخدوعون ضحايا للتنظيمات المارقة.

ثلاثون عاماً وأكثر تمكنت الصحوة من مفاصل المجتمع وأودعت في أرصدة رموزها مليارات الدولارات داخل المملكة وخارجها، فهل أخرجت لنا مجتمعاً مثالياً، وربّت شباباً وطنياً صالحاً، وكم حققت من التوظيف وأنجزت من مشاريع التنمية، وما نسبة التقوى ومخافة الله في الناس، وما البرامج التي وضعها الصحويون للحد من البطالة وخفض معدلات الجريمة ومعالجات التفكك الأسري؟

بالطبع لا شيء من ذلك لأنهم كانوا يخططون للايقاع بوطننا في أتون ربيعهم الذي أحرقه الله وأحرقهم به، وهاهم هربة ومشتتون في الأصقاع لأنهم متورطون بجرائم الخيانة العظمى وليس لديهم ما يدافعون به عن أنفسهم.

يبقى طموح وافتنان الإنسان السوي بمجتمع حضاري أعلى البناء وتوصل إلى الكشوفات، وحقق المنجزات العلمية والطبية وأبدع المخترعات والصناعات، أما مسوّق الدماء والأشلاء فلن يكون محط إعجاب ولا موضع ترحاب، والإخوان ليس لهم منجز يفاخرون به سوى تغيير مظهرك وملبسك واستلاب وعيك وتدمير روحك وتعطيل عقلك ولن يكونوا يوماً حلاً ولا جزءاً من الحل لأنهم إشكالية.

كاتب سعودي

Al_ARobai@