كتبت الزميلة سوسن الأبطح في ١٧ أكتوبر مقالا بعنوان «اللغة القاتلة»، وذلك على خلفية الجدال الدائر في فرنسا بعد إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون عن رغبته في تعزيز تعليم اللغة العربية في المدارس.
ودافعت الأبطح، الأستاذة في قسم اللغة العربيّة وآدابها بالجامعة اللبنانيّة، والصحافيّة والكاتبة في جريدة الشّرق الأوسط، عن فكرة تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية، مثل باقي اللغات. إلا أنها تقول: «أخطأ ماكرون حين طرح في مشروع واحد موضوع اللغة العربية، وتطوير الدراسات الإسلامية الرفيعة في الجامعات، مقروناً بمحاربة التطرف. فقد فتح باباً للمتعصبين العرب من جهة وللمتشددين الفرنسيين من جهة أخرى، ودخل الجميع في جهنم المهاترات».
على إثر مقال الأبطح علق الدكتور حمزة المزيني في تويتر قائلا: «يشير مقال د. سوسن الأبطح المهم إلى قضية لاحظتُها منذ سنين تتمثل في أن واحدا من أهم أسباب ضعف تعليم اللغة العربية لأبنائها ولغير أبنائها أنها تحمَّل حملا دينيا مبالغا فيه ويخفي كونها لغة حية تعبر عن الحياة والفن والجمال. معظم نصوصها التي تقدَّم للطلاب قاتمة!».
وقال الدكتور تركي الحمد: «اتفق مع هذا الطرح، فربط الفقهاء والنحاة بين منطق الفقه ومنطق النحو، كرس العربية كلغة مبالغ في تقديسها وحمولتها الدينية، وهذا أدى إلى توقفها عن التطور بصفتها لغة حية، وذلك مثل أن تجبر شخصا على ارتداء جلباب بمقاس واحد طوال حياته، دون الأخذ في الاعتبار نمو هذا الشخص».
وعلق الدكتور توفيق السيف على الدكتور المزيني: «اتفق معك أستاذنا ومع د. سوسن، الحمل الديني للغة العربية جعلها محدودة الأفق و«محرمة» على التصريف. لاحظت سابقا أن معظم من يكتب بالإنجليزية ينتمون لثقافات أخرى، بينما كتابة العربية قصر على العرب أو من انتمى إلى ثقافة العرب. مساهمة العالم في الثقافة العربية صفر تقريبا».
الحقيقة لم أر في مقال الزميلة الأبطح أي صلة بذلك، وسألت الدكتورة الأبطح فقالت لي: «القصة أكثر ما تكون في الهوية»، حيث إنها تنتقد ربط تدريس العربية بالإصلاح الديني، وتقول المطلوب تدريس العربية مثل باقي اللغات بالمدارس الفرنسية. مضيفة: «اللغة ليست موضوعا سياسيا، أو دينيا».
حسنا، لماذا أهتم؟ السبب بسيط كونني أمضيت أكثر من عقدين مغتربا بين واشنطن ولندن، وولد لي أبناء في الخارج عاشوا وتعلموا، وواجهت إشكالية تعلمهم اللغة العربية، ووعيت تماما إلى أن الإشكالية ليست بالحمل الديني في اللغة، بل بغياب تدريسها بالمدارس الغربية، واختطافها من قبل متطرفين. اللغة وعاء وانتقاء النصوص هو إشكالية من يختار.
أدخلت أحد أبنائي مدرسة عربية في لندن كل يوم سبت، على إثرها لاحظت أنه ينظر للأمور من منظار «حلال» و«حرام» بمجتمع غربي! سألته: أين تعلمت هذا؟ قال: «من معلمتي يوم السبت»! على إثرها أخرجته من تلك المدرسة، واتفقت مع معلمة أخرى لتدريس أبنائي العربية في المنزل شريطة أن لا تخوض في «حلال»، و«حرام».
إشكالية العرب المغتربين في تعلم لغتهم هي ضياع هوية، وصعوبة حياة في الوطن الأم، بسبب معلم متطرف، ومنهج متشدد، أي الانتقاء، وليس الحمل الديني، ولذلك من الأفضل أن يكون تدريس اللغة في المدارس، مثل باقي اللغات، وأن لا تترك للمتطرفين.
هذه القصة، وليست قصة الدين، فذاك موضع آخر، ونقاش آخر.
كاتب سعودي
tariq@al-homayed.com
ودافعت الأبطح، الأستاذة في قسم اللغة العربيّة وآدابها بالجامعة اللبنانيّة، والصحافيّة والكاتبة في جريدة الشّرق الأوسط، عن فكرة تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية، مثل باقي اللغات. إلا أنها تقول: «أخطأ ماكرون حين طرح في مشروع واحد موضوع اللغة العربية، وتطوير الدراسات الإسلامية الرفيعة في الجامعات، مقروناً بمحاربة التطرف. فقد فتح باباً للمتعصبين العرب من جهة وللمتشددين الفرنسيين من جهة أخرى، ودخل الجميع في جهنم المهاترات».
على إثر مقال الأبطح علق الدكتور حمزة المزيني في تويتر قائلا: «يشير مقال د. سوسن الأبطح المهم إلى قضية لاحظتُها منذ سنين تتمثل في أن واحدا من أهم أسباب ضعف تعليم اللغة العربية لأبنائها ولغير أبنائها أنها تحمَّل حملا دينيا مبالغا فيه ويخفي كونها لغة حية تعبر عن الحياة والفن والجمال. معظم نصوصها التي تقدَّم للطلاب قاتمة!».
وقال الدكتور تركي الحمد: «اتفق مع هذا الطرح، فربط الفقهاء والنحاة بين منطق الفقه ومنطق النحو، كرس العربية كلغة مبالغ في تقديسها وحمولتها الدينية، وهذا أدى إلى توقفها عن التطور بصفتها لغة حية، وذلك مثل أن تجبر شخصا على ارتداء جلباب بمقاس واحد طوال حياته، دون الأخذ في الاعتبار نمو هذا الشخص».
وعلق الدكتور توفيق السيف على الدكتور المزيني: «اتفق معك أستاذنا ومع د. سوسن، الحمل الديني للغة العربية جعلها محدودة الأفق و«محرمة» على التصريف. لاحظت سابقا أن معظم من يكتب بالإنجليزية ينتمون لثقافات أخرى، بينما كتابة العربية قصر على العرب أو من انتمى إلى ثقافة العرب. مساهمة العالم في الثقافة العربية صفر تقريبا».
الحقيقة لم أر في مقال الزميلة الأبطح أي صلة بذلك، وسألت الدكتورة الأبطح فقالت لي: «القصة أكثر ما تكون في الهوية»، حيث إنها تنتقد ربط تدريس العربية بالإصلاح الديني، وتقول المطلوب تدريس العربية مثل باقي اللغات بالمدارس الفرنسية. مضيفة: «اللغة ليست موضوعا سياسيا، أو دينيا».
حسنا، لماذا أهتم؟ السبب بسيط كونني أمضيت أكثر من عقدين مغتربا بين واشنطن ولندن، وولد لي أبناء في الخارج عاشوا وتعلموا، وواجهت إشكالية تعلمهم اللغة العربية، ووعيت تماما إلى أن الإشكالية ليست بالحمل الديني في اللغة، بل بغياب تدريسها بالمدارس الغربية، واختطافها من قبل متطرفين. اللغة وعاء وانتقاء النصوص هو إشكالية من يختار.
أدخلت أحد أبنائي مدرسة عربية في لندن كل يوم سبت، على إثرها لاحظت أنه ينظر للأمور من منظار «حلال» و«حرام» بمجتمع غربي! سألته: أين تعلمت هذا؟ قال: «من معلمتي يوم السبت»! على إثرها أخرجته من تلك المدرسة، واتفقت مع معلمة أخرى لتدريس أبنائي العربية في المنزل شريطة أن لا تخوض في «حلال»، و«حرام».
إشكالية العرب المغتربين في تعلم لغتهم هي ضياع هوية، وصعوبة حياة في الوطن الأم، بسبب معلم متطرف، ومنهج متشدد، أي الانتقاء، وليس الحمل الديني، ولذلك من الأفضل أن يكون تدريس اللغة في المدارس، مثل باقي اللغات، وأن لا تترك للمتطرفين.
هذه القصة، وليست قصة الدين، فذاك موضع آخر، ونقاش آخر.
كاتب سعودي
tariq@al-homayed.com