لم أخطئ في عنوان هذا المقال، إذ اعتدنا أن نقول تلك العبارة على غير هذا النحو: العودة إلى الوراء، باعتباره عكس اتجاه المرء، لكن هذا «الوراء» ارتبط في الأذهان بالتخلف دائما، مع أن التدبر في الأمر يدلنا على أن ما تركناه، ونريد العودة إليه قد يكون هو التقدم والرقي، التقدم الإنساني والرقي الأخلاقي والحضاري.
أقول هذا وقد قرأت في مجلة عربية تحقيقا يفيدنا أن منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة قد خرجت هذه الأيام بحملة «عشرة آلاف دولار للعفة»، وذلك بهدف منع العلاقات الجنسية قبل الزواج الرسمي، وتقترح اللجنة القائمة على هذه الحملة هذا المبلغ لكل خطيبين مقبلين على الزواج، ولم يحدث بينهما علاقات محرمة، وبشرط ألا يقدما الخمور في حفل زفافهما.
والهدف من هذه الحملة «الأخلاقية» ليس فقط الحفاظ على العفة في ذاتها كقيمة، ولا عدم شرب المسكرات كفضيلة، وإنما الدافع وراء ذلك هو: «منع نشر الإيدز عن طريق هذه العلاقات»، حسبما أعلنت اللجنة، وإن كنت أرى هذا السبب لا يعكس حقيقة الدوافع، لأن الوقاية من الإيدز لها وسائل أخرى يمكن الأخذ بها، إلى جانب ما أعلن، كما أن اشتراط عدم تقديم الخمور في حفل الزفاف، لا علاقة له بالإيدز، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن ثمة عودة إلى ما كانت عليه البشرية النقية قبل الانفلات الأخلاقي في المجتمعات الغربية.
والاتجاه لنشر العفة بين الشباب في الغرب ظاهرة ليست حديثة، فثمة اتجاه بين البنات الغربيات أنفسهن في العديد من دول أوروبا، كفرنسا وإنجلترا وغيرهما، يدعو للحفاظ على عذرية البنات قبل الزواج، وهو ما يتفق مع التقاليد الأصلية والأخلاق لهذه المجتمعات، في عصورها السابقة.
ويرى المختصون في علم الاجتماع أن هذه الحملة ستقود إلى إيمان الشباب بأفكار سليمة، خاصة أن لها توجهات عديدة، بعضها صحي وطبي، نظرا لما تؤديه هذه العلاقات غير الشرعية من مشكلات على المستوى الصحي والبدني، ومنها توجهات ذات طابع اجتماعي، حيث تؤدي هذه العلاقات إلى اختلاط الأنساب، وإضافة إلى الاحتفاظ بعلاقات أسرية جيدة.
ومع أن الحملة تبتعد تماما عن ربط سلوكياتها وأهدافها بدوافع دينية، بل لم تشر من قريب أو بعيد عن أن مطالبها ذات علاقة وثيقة بما تقرره الأديان، يهودية أو مسيحية أو غيرها، فإننا نملك البديل، والعلاج الناجح لأمراض العصر ولمشكلات الغرب المستعصية، فالإسلام يقدم البدائل والحلول، ولكن يبدو أننا كما فشلنا في تصنيع معدات الحضارة وتسويقها في الغرب، فشلنا كذلك في تصدير ما نملكه – ولم ننتجه – من مقومات الحضارة، ومحصنات الإنسانية، وأقصد الأخلاق الإسلامية.
إن ما تعتمده منظمات المجتمع المدني الأمريكي من أسلوب «الترغيب» للشباب، المتمثل في العشرة آلاف دولار، لن يحل المشكلة التي يعانون منها جذريا، إذ لا بد أن يؤمن الشباب عندهم بالقيمة الأخلاقية والإنسانية للفضائل، أما أن يصبح الحفاظ على الأخلاق بعشرة آلاف دولار أو يزيد، ففي اعتقادي أن ذلك لن يجدي شيئا، كما أن المنظومة المنشودة لتحقيق العفة لن تستمر، طالما أن المجتمع بأسره يسير في الاتجاه المعاكس، إذ ينبغي أن ترافق مثل هذه الحملات حملات أخرى توقف الأفلام الخليعة، وتحد من انتشار الخمور، وتسن من القوانين ما يسهم بحق في حماية العفة، وصيانة الشرف، وتطبيق أساسيات حقوق الإنسان.
عموما، نحن نسعد لمثل هذا الاتجاه الذي يحمي البشرية من الأمراض، وينشر الفضائل في ربوع الكون بأسره، ونقول لهم، ولمن يسيرون في ركب «التحرر»: الآن حصحص الحق، والحمد لله تعالى على نعمة الإسلام.
كاتب سعودي
Dr.rasheed17@gmail.com
أقول هذا وقد قرأت في مجلة عربية تحقيقا يفيدنا أن منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة قد خرجت هذه الأيام بحملة «عشرة آلاف دولار للعفة»، وذلك بهدف منع العلاقات الجنسية قبل الزواج الرسمي، وتقترح اللجنة القائمة على هذه الحملة هذا المبلغ لكل خطيبين مقبلين على الزواج، ولم يحدث بينهما علاقات محرمة، وبشرط ألا يقدما الخمور في حفل زفافهما.
والهدف من هذه الحملة «الأخلاقية» ليس فقط الحفاظ على العفة في ذاتها كقيمة، ولا عدم شرب المسكرات كفضيلة، وإنما الدافع وراء ذلك هو: «منع نشر الإيدز عن طريق هذه العلاقات»، حسبما أعلنت اللجنة، وإن كنت أرى هذا السبب لا يعكس حقيقة الدوافع، لأن الوقاية من الإيدز لها وسائل أخرى يمكن الأخذ بها، إلى جانب ما أعلن، كما أن اشتراط عدم تقديم الخمور في حفل الزفاف، لا علاقة له بالإيدز، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن ثمة عودة إلى ما كانت عليه البشرية النقية قبل الانفلات الأخلاقي في المجتمعات الغربية.
والاتجاه لنشر العفة بين الشباب في الغرب ظاهرة ليست حديثة، فثمة اتجاه بين البنات الغربيات أنفسهن في العديد من دول أوروبا، كفرنسا وإنجلترا وغيرهما، يدعو للحفاظ على عذرية البنات قبل الزواج، وهو ما يتفق مع التقاليد الأصلية والأخلاق لهذه المجتمعات، في عصورها السابقة.
ويرى المختصون في علم الاجتماع أن هذه الحملة ستقود إلى إيمان الشباب بأفكار سليمة، خاصة أن لها توجهات عديدة، بعضها صحي وطبي، نظرا لما تؤديه هذه العلاقات غير الشرعية من مشكلات على المستوى الصحي والبدني، ومنها توجهات ذات طابع اجتماعي، حيث تؤدي هذه العلاقات إلى اختلاط الأنساب، وإضافة إلى الاحتفاظ بعلاقات أسرية جيدة.
ومع أن الحملة تبتعد تماما عن ربط سلوكياتها وأهدافها بدوافع دينية، بل لم تشر من قريب أو بعيد عن أن مطالبها ذات علاقة وثيقة بما تقرره الأديان، يهودية أو مسيحية أو غيرها، فإننا نملك البديل، والعلاج الناجح لأمراض العصر ولمشكلات الغرب المستعصية، فالإسلام يقدم البدائل والحلول، ولكن يبدو أننا كما فشلنا في تصنيع معدات الحضارة وتسويقها في الغرب، فشلنا كذلك في تصدير ما نملكه – ولم ننتجه – من مقومات الحضارة، ومحصنات الإنسانية، وأقصد الأخلاق الإسلامية.
إن ما تعتمده منظمات المجتمع المدني الأمريكي من أسلوب «الترغيب» للشباب، المتمثل في العشرة آلاف دولار، لن يحل المشكلة التي يعانون منها جذريا، إذ لا بد أن يؤمن الشباب عندهم بالقيمة الأخلاقية والإنسانية للفضائل، أما أن يصبح الحفاظ على الأخلاق بعشرة آلاف دولار أو يزيد، ففي اعتقادي أن ذلك لن يجدي شيئا، كما أن المنظومة المنشودة لتحقيق العفة لن تستمر، طالما أن المجتمع بأسره يسير في الاتجاه المعاكس، إذ ينبغي أن ترافق مثل هذه الحملات حملات أخرى توقف الأفلام الخليعة، وتحد من انتشار الخمور، وتسن من القوانين ما يسهم بحق في حماية العفة، وصيانة الشرف، وتطبيق أساسيات حقوق الإنسان.
عموما، نحن نسعد لمثل هذا الاتجاه الذي يحمي البشرية من الأمراض، وينشر الفضائل في ربوع الكون بأسره، ونقول لهم، ولمن يسيرون في ركب «التحرر»: الآن حصحص الحق، والحمد لله تعالى على نعمة الإسلام.
كاتب سعودي
Dr.rasheed17@gmail.com